أحمد عبد الوهاب يكتب.. اللغة العربية للجميع arabic for all

مقالات الرأي

أحمد عبد الوهاب
أحمد عبد الوهاب

في ذكرى اليوم العالمي للغة العربية:

رسالة طالب أجنبي: لماذا لا يتعلم والداي اللغة العربية مثلي؟

"مبادرة لتمكين اللغة العربية بين الناطقين بغير العربية بالمجتمعات العربية"

On the anniversary of International Arabic Language Day:

Message from a non-Arab student: Why don't my parents learn Arabic like me?

"An initiative to empower the Arabic language among non-Arabic speakers in Arab societies"

 

بدأت تجربتي في تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها قبل 17 عاما بإحدى المدارس الألمانية المتميزة بالقاهرة. ثم انتقلت للتدريس في دولة الإمارات العربية المتحدة، واحدة من أكثر الدول العربية اهتماما بالتعليم بشكل عام وباللغة العربية  بشكل خاص، حيث يتعلم كل الطلاب العرب والأجانب اللغة العربية "إلزاميا" داخل المدارس.

ومما لا يخفى على أحد أن من عوامل نجاح  تعلم واكتساب أي لغة في العالم هو مدى استخدام تلك اللغة في الحياة اليومية بشكل تطبيقي خارج حجرة الدراسة، ولذلك فنسب تقدم الطلاب في تعلم اللغة العربية للناطقين بغيرها في القاهرة (حيث اللغة العربية لغة الحياة اليومية) كانت أعلى من أقرانهم في دبي حيث يكثر استخدام اللغة الإنجليزية في الحياة اليومية بسبب كثرة الوفود الأجنبية للتجارة والسياحة. وهذا يزيد مسؤوليتنا لطرح مبادرات لتمكين انتشار اللغة العربية  بين الوافدين من الناطقين بغير العربية.

مبادرة العربية للجميع:

ولأنني أعرف أن دولة الإمارات واحدة من أكثر الدول في العالم حرصًا على تطوير وتمكين اللغة العربية وذلك عبر تبني وإطلاق المبادرات التي تثري قيمة اللغة العربية أطرح  في السطور التالية "مبادرة العربية للجميع" التي من شأنها تحسين تعلم اللغة العربية وتمكينها بين الوافدين من غير الناطقين بالعربية داخل المجتمع  مع وضع آلية وخطوات لتنفيذ المبادرة.

فكرة المبادرة:

"تدريس اللغة العربية لكل الوافدين من الناطقين بغير العربية وليس لطلاب المدارس فقط مع زيادة المحفزات لنشر واستخدام اللغة العربية في الحياة اليومية."

قصة المبادرة:

خطرت فكرة المبادرة بتعميم تعلم العربية عندما سألني أحد الطلاب في حصة اللغة العربية للناطقين بغيرها منذ أعوام:

"معلمي لماذا أتعلم اللغة العربية بالمدرسة؟"

فجاءت إجابتي تحفزه من خلال الحديث عن مميزات وفوائد تعلم اللغة العربية في عصرنا الحالي ثم ذكرت سببًا آخر مهمًا وهو أننا نعيش في بلد عربي.

تفَّهم الطالب الإجابة لكنه استدرك متسائلًا "إذا كان الأمر كذلك فلماذا لا يتعلم والداي كذلك اللغة العربية مثلي؟ ألسنا نعيش كلنا في نفس البلد العربي؟ يمكن لوالداي الاستفادة من مميزات تلك اللغة الجميلة مثلي. وفوق ذلك يمكنهما الحديث معي باللغة العربية بل ومساعدتي إذا تطلب الأمر. فأنا لا أجد من أتحدث معه اللغة العربية خارج الصف أو في البيت. "

رأيتها فرصة لرفع دافعية الطالب لمواصلة التعلم قائلا: أنت محق يا عزيزي سيكون ذلك حقا رائعا وهذه فرصتك لتعلم والديك اللغة العربية داخل البيت وتصبح أنت المعلم لهما، لأنهما لم تتح لهما الفرصة ليتعلما اللغة العربية بالمدرسة  مثلك الآن.

لكن الحق يقال منذ ذلك اليوم لم تغب عن بالي فكرة تعليم اللغة العربية على نطاق أوسع لتشمل كل الوافدين من الناطقين بغير العربية، بشكل نظامي  إلزامي ولكن بطريقة تحفيزية جذابة. تطرقت لفكرة المبادرة منذ عام - تقريبا -مع الإعلامية المتألقة زينب المطروشي على تلفزيون الفجيرة، كما تحدث عنها بعض النابغين المهتمين باللغة العربية أمثال دكتورة هنادا طه وآخرين.

مكاسب المبادرة:

في مدينة عالمية مثل دبي بها تقريبًا كل جنسيات ولغات العالم من الطبيعي أن تجمعهم لغة عالمية مشتركة  وهي اللغة الإنجليزية كوسيلة سريعة للتواصل التجاري، وأعلم يقينًا أن حكومة الإمارات تسعى دومًـا لطرح حلولًا ومبادرات مبتكرة لتمكين اللغة العربية لتحتل مكانتها في الحياة اليومية وأعتقد أن هذه المبادرة خطوة جيدة لتحقيق مكاسب عدة  –كما يقول المثل - ستضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.

1-تعلم الأجانب لغة الدولة التي يعيشون بها سيخلق بيئة تواصلية باللغة العربية في الحياة اليومية خارج الغرف الدراسية.

 2-سيزيد فهم الوافدين للثقافة العربية؛ فاللغة وعاء الثقافة، والثقافة وفهم الآخرين وسيلة للتقارب والتواصل والاندماج داخل المجتمع.

3- زيادة دافعية الطالب الأجنبي لتعلم اللغة العربية داخل وخارج المدارس، لكونها ستصير جزءًا من لغته داخل البيت، حيث يتعلمها والداه مثله تماما وبالطبع جيرانه والدائرة المحيطة به.

4- المبادرة تمثل قوة ناعمة (سياسيًا واقتصاديًا ودبلوماسيًا)، و كل من يعمل بالسياسة والاقتصاد يدرك أن تعلم لغة وثقافة شعب يزيد من قوته الاقتصادية والسياسية ولذلك تفرض ألمانيا على من يود الدراسة أو العمل فيها أن يتعلم اللغة الألمانية، كما تحرص على توفير آلاف الفرص والمنح لتعليم اللغة الألمانية بشكل مجاني للطلاب الناطقين بغير الألمانية. لم يكن ذلك إهدارًا للمال العام الألماني، ولكنه نشرًا لثقافاتهم وإضافة قوة سياسية ناعمة لسياستهم الخارجية، ولمن يعرف هذا الملف جيدا يدرك أن ألمانيا  حصدت ثمار هذا الملف في السنوات الأخيرة باستقطاب الكفاءات ممن تعلموا اللغة الألمانية لسد الثغرات المهنية داخل ألمانيا في مختلف التخصصات من طب وتمريض وهندسة  وتدريس... إلخ.

إذن فتعلم اللغة العربية لكل الوافدين من الناطقين بغير العربية وليس فقط الطلاب سيخلق بيئة تواصلية عربية لها مكاسب عديدة على المدى القريب والبعيد.

آليات تنفيذ المبادرة:

1- الدعم الحكومي

يحتاج تنفيذ هذه المبادرة أولًا للدعم الحكومي ليس فقط على مستوى الإمارات ولكن على مستوى الحكومات العربية جميعًا. لتنتشر التجربة

2- دعم الشركات وأصحاب العمل

لا بد من تكاتف الشركات وأصحاب العمل لنجاح هذه المبادرة وذلك بالسماح للعاملين فيها من الأجانب بالمشاركة في برامج تعليم العربية مع حساب الوقت  المخصص للتعليم من أوقات العمل الرسمية حتى لا يسبب وقت التعلم مشقة على المتعلمين. على سبيل المثال إذا كان وقت العمل الأسبوعي 40 ساعة يدخل فيها ساعتان  أسبوعيا لتعلم اللغة العربية وثقافتها.

3- مكان ووقت التعلم

 أين ومتى سيتعلم كل هذا الكم من الوافديين المقييمين بالدولة ؟ 

الإجابة ليست صعبة فالإمارات وكثير من الدول العربية بها مدارس وجامعات متطورة حديثة تتسع بالفعل لكل تلك الأعداد بحيث يمكن استخدام صفوف المدارس والجامعات سواء بنهاية اليوم الدراسي أو في العطلات الأسبوعية للتدريس أو عن طريق التعليم عن بعد خاصة وقد اكتسب العالم تجربة فعالة وناجحة في التعليم عن بعد. أو ربما يكون هناك مبادرات لنقل أماكن التعلم في مقر بالقرب من أماكن العمل للتسهيل والتيسير.

4- البرنامج التعليمي

اختيار برامج تعليمية  لتعلم اللغة العربية للبالغين وهذه البرامج موجودة ومنتشرة والجهود المبذولة في هذا الإطار كبيرة. يبقى فقط التعميم لتشمل التجربة الجميع مع الأخذ في الاعتبار ضرورة تأهيل المعلمين على البرنامج التعليمية المقترحة.

5- الكوادر التعليمة:

 معلمو اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى بالمدارس المختلفة ومراكز تعليم اللغة العربية 

ثانيًا: خلق بيئة تحفيزية لممارسة اللغة العربية في الحياة اليومية:

ثم يأتي الجزء الثاني من المبادرة وهو خلق بيئة تحفيزية لممارسة اللغة العربية في الحياة اليومية:

1- على سبيل المثال عمل عروض وتخفيضات على المشتريات وفي المطاعم عند استخدام اللغة العربية لشراء بعض المنتجات.

2- مسابقات تحفيزية ليس فقط للطلاب ولكن لأولياء الأمور وكل الوافدين مثل أفضل فيديو باللغة العربية ومسابقات للأغاني العربية للأجانب وما شابه مع توسيع دائرة الفائزين.

3- تغطية إعلامية للحدث  وهذا من النقاط الهامة جدا وسينشط كذلك ملف السياحة داخل الدولة.

4- مكافآت تحفيزية داخل العمل مع كل تقدم في تعلم  اللغة العربية.

إن تعلم اللغة العربية وانتشارها ليس فقط مهمًا لأسباب تتعلق بالهوية العربية ولكن له أبعاد اقتصادية وسياسية ودبلوماسية. 

 مع ذكرى اليوم العالمي للغة العربية أتوجه بالشكر لكل من يساهم في نهضة اللغة العربية وتقدمها بالقول أو العمل أو كلاهما. وأرجو أن يصل صوتي ويتم تنفيذ تلك المبادرة لما فيها من خدمة البلاد واللغة العربية.

 

التواصل مع الكاتب: contact 

[email protected]

أحمد عبد الوهاب