أحمد ياسر يكتب: حماس والمعبر الأمريكي

مقالات الرأي

أحمد ياسر
أحمد ياسر

إن الأهوال ليست جديدة على الشرق الأوسط المريض.. وقد سالت دمائه في العديد من الحروب وعبر العديد من الخرائط.. وكثيرا ما تنتهي الحروب بتسوية تتعارض مع طموحات من أطلق الرصاصة الأولى.

وتظل هناك حرب واحدة لا نهاية لها: الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.. وغالبًا ما يكمن في الجمر تحت الرماد قبل أن ينهض مرة أخرى في لهيب شرس.. إن الفظائع الحالية في غزة لم يسبق لها مثيل.

الخسائر لا يمكن تصورها والصور المتدفقة من القطاع مروعة.. ولم تنج المدارس والمستشفيات وسيارات الإسعاف من غضب الغارات الجوية.

الحرب تدور رحاها على الشاشات والهواتف المحمولة.. وكأن الضحايا يموتون في بيوتنا ومكاتبنا.. وكأننا نعيش بين الجثث والأنقاض.

ولهذا السبب فإن إنهاء الحرب هو المطلب الأكثر إلحاحا.. ولكن من يستطيع إنهاء هذا الصراع الشرس الذي يعمل بكامل قوته المرعبة؟

ما الذي يمكن أن يقدمه فلاديمير بوتين لشعب غزة؟ ما الذي يمكن أن يقدمه شي جين بينغ؟ ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه أوروبا عندما يحطم الصراع مواقفها الموضوعية ودعواتها المستمرة حول حقوق الإنسان؟ فمن يستطيع أن يوقف آلة القتل المرعبة هذه التي استغلت حديث الغرب عن «الحق في الدفاع عن النفس» لشن حرب لقتل العشرات من الأبرياء؟

ما الذي يمكن أن تقدمه إيران لشعب غزة أكثر من "العواقب الوخيمة" لاستمرار الحرب؟ وقد تدفع الهجمات على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا واشنطن إلى اتخاذ موقف أكثر انحيازًا تجاه إسرائيل.

إن خطة طرد أمريكا من هذا الركن من الشرق الأوسط قد تدفعها إلى أن تصبح أكثر التزاما بحليفها المضمون.

وتجد قيادة حماس نفسها في موقف يذكرنا بالموقف الذي كانت فيه منظمة التحرير الفلسطينية عندما حاصر الجيش الإسرائيلي بيروت في العام 1982، لقد أغرق الاحتلال العاصمة اللبنانية بالدم، فقتل الناس ودمر كل شيء في الأفق.

أرييل شارون قطع الماء والكهرباء، وجدت بيروت نفسها أمام معبر واحد فقط نحو استعادة المياه والكهرباء، وأيضاً نحو وقف إطلاق النار.

من يستطيع أن يرتب وقفاً إنسانياً لإطلاق النار في غزة؟ ومن يستطيع الضغط على إسرائيل للموافقة على المساعدات والسماح بإجلاء الجرحى؟ ومن القادر على ترتيب وقف إطلاق النار لاحقاً؟

بعد مرور أكثر من أربعة عقود على غزو بيروت، تبدو الإجابة واضحة: الولايات المتحدة، بغض النظر عن سياساتها المتحيزة.. وسمع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خلال جولته في المنطقة، تصريحات عربية حادة تطالبه بالضغط على إسرائيل للموافقة على وقف إطلاق النار.

وجهت عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حماس في 7  (أكتوبر) الماضي، ضربة قوية لصورة إسرائيل وقدرتها على الردع.. ورد بنيامين نتنياهو بشن حرب دموية كانت كارثة على الشعب، واضعا هدفه إبادة حماس.

وحقيقة أن هذه هي حربه الأخيرة على الأرجح لا تؤدي إلا إلى تفاقم المخاوف.. وهو يدرك أن إعلان وقف إطلاق النار الآن سيكون بمثابة نهاية لمسيرته الطويلة والخطيرة.. وترى المعارضة ضد نتنياهو أن هذه معركة وجودية.

ويدرك جنرالات إسرائيل أن تدمير غزة أسهل من تدمير حماس وأنفاقها.. لقد حولوا الحرب إلى عقاب جماعي للمدنيين، وألقوا باللوم على حماس في دفع الثمن الباهظ.

النكبة الحالية في غزة تتطلب وقف إطلاق النار، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الولايات المتحدة.. لكن هناك عقبة أخرى تتمثل في أن واشنطن نفسها تريد إخراج حماس من معادلة غزة.. وتعتقد أن وقف إطلاق النار الآن من شأنه أن يمهد الطريق لعودة الوضع في غزة إلى ما كان عليه من قبل.. إنها أزمة صعبة للغاية.

ولم تقم حماس بأكبر عملية لها على الإطلاق ليتم إخراجها من المعادلة، حتى لو تم التوصل إلى اتفاق لتمهيد الطريق إلى حل الدولتين.. فضلا عن ذلك فإن إدارة غزة على بقايا حماس لن تكون بالمهمة السهلة.

وكان الرئيس محمود عباس صريحا في هذا الشأن. إن دور حماس والسلطة الفلسطينية مرتبط بالحل السياسي الشامل.

فكيف يمكن لحماس أن تقبل بحل يقضي عليها بعد أن تكبدت حماس خسائر فادحة في صفوفها وفي صفوف الشعب؟

ويبدو أنه لا يوجد خيار في الأفق سوى معبر بلينكن.. لكن اتخاذ هذا الطريق له ثمن.. ولا يمكن لإسماعيل هنية، الزعيم السياسي لحماس، أن يكون شريكاً في عملية السلام التي تنص على ضرورة الاعتراف بإسرائيل.

لا يستطيع ذلك، ولكن ما هو الخيار الآخر هناك؟ هل استمرار الحرب هو دليل على أنه لا يمكن إخراج حماس من المعادلة؟

فهل تعتمد حماس على امتداد الصراع إلى المنطقة للسماح لأعضاء محورها الإقليمي بالانضمام إلى معركة كبرى ومصيرية؟ وهل حساباتها تتماشى مع حسابات حلفائها؟

ومن الواضح أنه من غير المرجح أن نشهد وقف إطلاق النار في أي وقت قريب.. آلة الحرب تحتاج لمزيد من الضربات والجثث لفرض أو سحب بعض شروطها.

لكن استمرار الحرب سيكون محفوفا بالمخاطر واحتمال امتدادها تدريجيا إلى المنطقة.

فهل توقعت حماس عندما أطلقت عمليتها الشهر الماضي أن تؤدي إلى السيناريو الحالي؟ فهل هي مستعدة لتقديم الرهائن ثمناً لوقف القتال؟.. وماذا عن دورها بعد انتهاء القتال؟

لقد دفعت منظمة التحرير الفلسطينية ثمن اختيارها المعبر الأمريكي.. وهل ستدفع حماس ثمنا معينا رغم أنها ليست مثل منظمة التحرير الفلسطينية؟

وهل وقف إطلاق النار يعني إنهاء الدور السني والفلسطيني في «محور المقاومة»؟ فهل سينجح العرب في تخفيف شروط وقف إطلاق النار اللازم للوصول إلى المعبر الأمريكي؟