سامي جعفر يكتب: عندما تضيق الأوطان

مقالات الرأي



بينما تتحسن المؤشرات الاقتصادية لمصر، تتدهور أوضاع المجتمع متأثراً بأمراض مستعصية، أقلها النفاق السياسى وهو مرض خطير يعرقل التطور الإيجابى لبلد أنهكته الحروب والاضطرابات السياسية منذ مئات السنوات.

أخر جرائم النفاق مطاردة المطربة شيرين عبد الوهاب، ببلاغ أمام النيابة بسبب واحدة من اندفاعاتها اللفظية، عندما قالت فى بداية حفل لها فى مملكة البحرين، "هنا هتكلم براحتى لأن اللى بيتكلم فى مصر بيتحبس"، وللغرابة يطالب المحامى محترف تقديم البلاغات بحبس شيرين لأنها تكلمت، ويتهمها بالتطاول على مصر ونشر أخبار كاذبة.

كان يمكن لمثل هذا البلاغ ألا يغادر دواليب النيابة المتخمة بمثل هذه البلاغات لولا أن نقابة المهن الموسيقية أوقفت المطربة الشابة عن الغناء وأحالتها للتحقيق بسبب كلامها بحفل البحرين، والذى اعتبرته النقابة ضار بالأمن القومي المصرى.

وإذا كان من السهل فهم موقف المحامى المشتاق إلى الشهرة، لأن تصرفه ليس الأول ولن يكون الأخير من نوعه، ولكن من الصعوبة التوصل لدرجة وعى النقابة بمفهوم الأمن القومى فضلاً عن ما يضره، إذ أن المحامى والنقابة لا يهتمان كثيراً بالأمن القومى أو سمعة مصر أو تدقيق الأخبار، إذ أن هدفهما نفاق الدولة، حتى ولو لم يطلب أحد منهما القيام بهذا التصرف.

حديث شيرين مؤلم بالطبع، لأن لجوء أى نظام أو دولة أو مجتمع إلى معاقبة المواطنين على إبداء الأراء، يعنى أن الوطن فقد شيئاً من مكوناته وهو الحرية ويعنى أيضاً أن الدولة تفتقد مقومات البقاء والاستقرار والتقدم.

المصيبة أن أمراً مشابهاً تكرر مع الممثلين خالد أبو النجا وعمرو واكد، إذ قررت نقابة المهن التمثيلية شطبهما من العضوية، بزعم أنهما أساءا لمصر وروجا صورة غير حقيقية عنها ما اعتبرته النقابة خيانة عظمى، ثم توالت البلاغات ضد الممثلين من المحامين عشاق الشهرة خصوصاً ضد أبو النجا حيث تم اتهامه بالترويج للمثلية.

قد يظن أى شخص ساذج أن النقابة وأصحاب البلاغات أصحاب مشاعر وطنية مشتعلة وأن دمائهم  ساخنة لا تقبل المساس بالوطن، ولكن للأسف فالعكس هو الصحيح، لأن المنافق لا يعترف بوطن، ولكن بالمصلحة، ولا يبحث عن خير ولكن عن جنازة ولو كان المتوفى قليل الشأن.

مقدمو البلاغات والنقابتين أساءا إلى الوطن من عدة جهات، أقلها التحريض على الكراهية ومخالفة قوانين النقابة واستغلال حق التقاضى، وسياسياً بتصوير المجتمع بأنه غير قادر على تحمل أى أفكار مخالفة للسائد.

المصيبة الأكبر أن يندفع أعضاء فى البرلمان لنفس المسلك المسيىء للمؤسسة التشريعية، مثل علاء عابد، رئيس لجنة حقوق الإنسان، ومحمود بدر، عضو المجلس، والذين اتهموا أبوالنجا وواكد تلميحاً بأنهما غير وطنيين، وهى تعليقات تفتقد للمهارة السياسية، إذ تبدو مصر وكأنها بيئة طاردة لمواطنيها ليس إلى الخارج ولكن إلى أحضان جماعة الإخوان وزيولها.

هذه التصرفات غير المحسوبة تجعل من الوطن مساحة ضيقة لا تكفى لتنفس الهواء، وتحوله إلى مجرد فندق على طريق سريع يتنمى المقيم فيه دوماً أن يغادره سريعاً.