من بوابة الثقافة.. بلدان خط النار تتحدى الحرب والإرهاب بمعرض الكتاب

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


لم يخفت وهج القضية الفلسطينية في نفس بكر رمضان، متحديًا المعيقات التي يفرضها المُحتل، والمحاولات الإسرائيلية لاختلاق تاريخ يهودي مزيف، منطلقًا من بوابة معرض الكتاب الدولي في يوبيله الذهبي الخمسين للمرة الأولى؛ لإيصال مقاومة الفلسطيني بالقلم والكتابة، لما تمثله من دور هام في ديمومة الوعي تجاه القضية، ونقل الإنتاج الفلسطيني للقارىء المصري والوافدين، لاسيما وأن بلد المقاومة والحجارة حالة خاصة تختلف عن باقي الدول في مدى المعاناة التي تقع عليها ولهذا السبب أخذ مدير دار الشامل للنشر والتوزيع،على عاتقه اعتلاء راية بلاده، وكيف تأسست مدينة القدس قبل ظهور اليهوديّة.

لم يعبأ الشاب صاحب الخامسة والثلاثون ربيعًا، لصعوبة الشحن-التي تمت عن طريق الأردن- فكل ما يشغل تفكيره المشاركة الفلسطينية في معرض القاهرة الدولي للكتاب لأهميته في العالم العربي؛ مما يعطي دافعًا كبيرًا للمؤلفين في الداخل الفلسطيني لمواصلة إبداعهم ورسالتهم رغم العراقيل التي يفرضها الاحتلال: "المشاركة الفلسطينية والاحتفاء المصري كانا محل ترحيب كبير من أبناء الجالية المقيمين في القاهرة والمصريين الذين حرصوا على تفقد الجناح الفلسطيني ومحتوياته، وهو ما يؤكد التضامن العربي مع القضية"، عبارة مليئة بالتحدي والإصرار يقولها ابن مدينة نابلس، والذي رأى أن كل معرض يشارك فيه الفلسطينيين يكون فيه نوع من الحنين لزيارة أي جناح فلسطيني والاطلاع على المعروضات في هذا الجناح من الكتب، خاصة التي تتناول القضية الفلسطينية.

الثقافة كف فلسطيني واجهة بندقية المحتل
الأجواء أكثر حيوية داخل صالة 3 جناح c50، الخاص بدار الشامل للنشر والتوزيع-دار نشر فلسطينية حديثة العهد منذ عام 2015 كان التأسيس وانطلاقة فعاليات أعمالها منذ أول دورة معارض صادفتها في العام 2016 فقد كانت لها المشاركة الاولى مع دار الرعاة في معرض عمان، ومن ثم شاركات تحت لواء اتحاد الناشرين الفلسطنين في أكثر من معرض، بينما في عام 2017 كان لها عدة مشاركات باسمها كمعرض الشارقة وأبو ظبي، كما أن الدار عضو في اتحاد الناشرين العرب تحت رقم 772-، لدرجة نفاد انتهاء بعض الروايات والكتب، منها كتاب للمؤلف الدكتور رويد أبو عمشة، يتناول السلوك التصويتي للولايات المتحدة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية في مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة بمختلف قضاياها الجزئية المعروضة للتداول أمام المنظمة الدولية وهي قضية القدس واللاجئين والاستيطان وحقوق الإنسان والحق في تقرير المصير، منذ 1988 حتى عام 2008، ويهدفت للتعرف على المحددات الخارجية لهذا السلوك كطبيعة النظام الدولي السائد، كما يتوفر أيضًا كتاب يتناول تاريخ القدس في العهد الايوبي، وآخر يتناول القضية  الفلسطينية من الجانب القانوني الدولي، وجزء آخر يتضمن جرائم الاحتلال التي لم يتوان في ارتكاب أي جرم صوب الشعب الفلسطيني.

"حلمنا ليس بالسهل أن نعيد لفلسطين مكانة في باحة الريادة، وأن نجعل العالم العربي يقرأ الكتاب الفلسطيني ويتعرف على واقع المجتمع، وكيفية معاناته مع المُحتل"، وهو ما تكشفه لكاتبة  منى بشناق، في روايتها "ذهب مع تشرين" والتي نالت اقبالاً كبيرًا من قبل الجمهور المصري، بالاضافة للمجموعة القصاصية للكاتبه إسراء عبوشي، والتي تحكي عن صمود المرأة الفلسطينية وكيفية مقاومتها لجيش الاحتلال، وتربية أبناؤها على حب الأرض والمقاومة "أي كتاب بالجناح له نكهة خاصة يكفي أنه يحمل علم فلسطين والإنتاج فلسطيني.. وهذا ساعد على أننا صار عندنا استقطاب للكتاب العرب فمن حبهم لفلسطين يحبون أعمال كتابها".



ابتعاد عراقي عن الكتب المروّجة للإرهاب 
لم يختلف هدف الجناح العراقي كثيرًا، الذي تجلى داخل المساحة المُخصصة لدار الكتب العلمية والدار العربية للموسوعات، والتي تحددت بـ10 أمتار، وتكتاظ أرففها بالكُتب التاريخية والسياسية والدينية-متعددة المذاهب- المُتراصة فوق بعضها البعض، والتي اعتمدت على النوعية أكثر من اعتمادها على الكمية، حيث ابتعدت عن الإصدرات الدينية التي تروج للإرهاب الفكري والتطرف "- لاسيما وأنها كانت سبباً رئيسياً في المآسي الإنسانية وتمكينِ أصحاب الريات السوداء من احتلال مدن العراق وتخريبه- لاسيما عقب طوى العراق صفحة جديدة من حروبه الطويلة، بإنهاء سيطرة "داعش"  مُروجة لحضارة وتاريخ بلاد الرافدين؛ لتسليط الضوء عليها، وكيف تخلصت بوابة الشرق من آثار الحرب الفكرية والشكلية، أملة في إرسال رسالة إلى العالم برمته مفادها أنهم لم يكن يومًا جزءًا من الإرهاب الذي ذاع صيته من بلدهم "المشاركة بالمعرض حضور وتحدي للمتطرفين"، عبارة يقولها عبد القادر المنتدب عن صاحب الدار العربية للموسوعات.



لم يخطر ببال الرجل صاحب الـ(55 ربيعًا)، منذ بدء المعرض في الثالث والعشرين من يناير الماضي، وهو يتأهب بكل خفةٍ ومهارةٍ في تنظيم الكتب التي تحمل عنوان دار النشر الخاص بهم، أن تحظى بهذا الإقبال، خاصة بعد نقل معرض الكتاب الدولي بمركز المعارض بالتجمع الخامس للاحتفال بيوبيله الذهبي في مكان جديد "من سنة السبعين ونحن لنا بصمة بالمعرض وإلنا جمهورنا الخاص فينا.. والحمدلله حفظنا على ذلك على مدار الأعوام"، يمر شريط الأعوام الفائتة أمام عينه، يبتسم لبرهة، يتبعها سيرة عطرة وكلمات ترحم للرئيس الراحل صدام حسين، ليقاطعه أحد الزبائن متسائلاً عن سعر كتاب "الحياة الاجتماعية في بغداد"، وهو يبحث في عدد من الكتب التي تبدو من أغلفتها أنها حديثة "رغم الحداثة سيظل القارىء خاصة المصري يبحث عن التاريخ للبلدان العربية.. وهذا ما يساعد على التطهير الفكري من التطرف ومعرفة طبيعة بلاد انهكتها الحروب غصبن عنها". يقولها وهو يتجول ببصره في أنحاء المكان "الاقبال حتى الساعات الأخيرة لم ينته بعد.. ليس ذلك حسب بل تناغمت تطلعات الشباب مع اقتناء الكُتب السياسية والدينية والتاريخية".

مُحاربة مساعي طمس الثقافة اليمنية
من ركام الحرب في اليمن، إلى القاعة الثالثة بقسم b8، انتقلت مجموعة الجيل الجديد "ناشرون"، والتي حرصت على  رفع راية اليمن برفقة البلاد العربية، كعادتها على مدار (15 عامًا) ""المشاركة في المعرض لها أهمية من حيث التعريف بالثقافة اليمنية وكتابها وإنتاجهم الثقافي والأدبي، وشرح المساعي الخبيثة التي تقوم بها مليشيا الحوثي لطمس الهوية الثقافية للشعب اليمني في المناطق غير المحررة"، هكذا رأى عبدالله الأنسي، مدير دار "ناشرون"- بعد تأثرها في السنوات الأولى بحرب اليمن أن وجودها اثبات وجود لناشر اليمني-.

لم تكن مشاركة الأنسي هذا العام مجرد عادة اتبعها سنويًا، ولكنها استعادة لنشاط الدار من عتبة أهم المعارض في الوطن العربي، لأن من الصعب مشاركته في كل المعارض الدولية؛ بسبب الحصار والحرب في بلاده بشكل عام، والذي ساهم أيضًا في طباعة الكتب وشحنها من بيروت، قبل بدء المعرض بعشرين يومًا، بالاضافة لوصول آخر شُحنة أمس مع الساعات الأخيرة لانتهاء المعرض "نراهن على الجمهور المصري، فهو من أكثر الجنسيات قارىء للتاريخ اليمني، وبالفعل الاقبال كان في تزايد من قبله عكس الوافد العربي والأجنبي الاقبال".

وبرغم الزحام الشديد داخل الممر التي لا تتعدى مساحته 9 أمتار، كانت البهجة تسكن وجوه الوافدين مُصرين على تصفح الكتب، خاصة الطالبة اليمنيين المُقيمين بمصر "الجناح اليمني خدم  هؤلاء الطلاب ولكن بنسبة قليلة.. فالكثير منهم يتوجهون للسفارة اليمنية في أي وقت لاستعارة الكتب التي اطلع عليها في معرض الكتاب، ثم يعيدها مرة أخرى بعد أن يفى غرضه المطلوب". 



شرعية الاختلاف بسوريا تتحدى الإرهاب
رغم الحرب التي تخوضها سوريا، منذ ثمان سنوات، إلا أن دار قتيبة للطباعة والنشر والتوزيع بسوريا لم تغب عن المشاركة في المعرض، و استطاعت أن تحافظ على محتواها الفكري والثقافي في الوطن، حيث تأهبت  للحدث الأبرز في هذه الآونة، عن طريق شحن ستة طرود، استغرقت وقت 15 يومًا من دمشق لمصر"ولكن مافي قوة شرائية على الكتب السورية مقارنة بالمصرية.. هذا يرجع لارتفاع أسعار الكتب لأنها مكلفة علينا كدار بسبب الشحن حتى لا تغطى التكلفة "، يقولها غيث، أحد مندوبي الدار التي تركز على عرض الكتب الدينية، مرجعًا ذلك لتعدد الديانات والمذاهب والطوائف في بلاده "بيعطي شىء من التنوع ويهدف لمكافحة الإرهاب التي أكلت الأخضر واليابس بسوريا ككتاب شرعية الاختلاف".

بعبارات ممرورة، يضيف صاحب الـ(24 ربيعًا) أن الاقبال على الكتب العربية يكون من الوافد الأجنبي"يأخذ المعلومة من مصدرها.. بينما الجمهور العربي يبحث عن الكتب المترجمة.. وبالرغم من ذلك يظل الوافد العربي الأكثر تردد على الجناح السوري بشكل خاص.