بطرس دانيال يكتب: أنا لا أخاف الله

مقالات الرأي



مما لا شك فيه أننا نجد أنفسنا أمام عنوان صادم لمن لا يستوعبه... الله القادر على كل شىء خلقنا لأنه يحبّنا. ولا أحد ينكر محبة الله لنا مهما كانت الظروف والصعوبات التى يمر بها.

لنقف برهة مع أنفسنا متسائلين: هل نحب الله حقاً كما بادرنا هو بحبه أولاً؟ مَنْ هو الله بالنسبة لنا؟ دياّن نعبده بكل خوف ورعدة، أو أب حنون يعتنى بنا ويخاف علينا؟

هل كلُ واحدٍ منا يتجنّب فعل الشر لأنه إهانة لشخص الله أم خوفاً من العقاب الآتى؟

يرنم داوود النبى فى المزمور: «ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب». وهكذا تبدأ الصلوات: «بسم الله الرحمن الرحيم».

يقول أغسطينوس فى كتاب الاعترافات: «فلنحب الله لأنه صنع كل شىء وهو معنا، لم يخلق الكائنات ليتخلّى عنها، منه جاءت وفيه تثبت؛ إنه مقيم حيث نشعر بطعم الحقيقة؛ نجده فى أعماق القلب وإن ابتعد عنه القلب! عودوا أيها الخطأة إلى قلبكم وتمسَّكوا بخالقكم؛ امكثوا قربه فتطمئنوا؛ استلقوا عليه فتستريحوا!»

أصبح إنسان اليوم فريسة الخوف الذى هو سمة مميزة فى حياته، بالرغم من التقدّم المذهل للتكنولوجيا الحديثة وكل الإمكانيات المتاحة بين يديه وفى خدمته لسهولة مهامه. أصبح يخاف الحرب التى إن قامت فى أى لحظة، التهمت الأخضر واليابس. ويخاف الإرهاب الذى لا أمان له ويحوط بنا جميعاً بلا مقدمات ويجعله يفقد أعز الناس إلى قلبه.

ويخاف المرض الذى اتسع انتشاره فى بقاع الأرض بالرغم من التقدم الطبى وتوفير كل وسائل الوقاية والعلاج. ويخاف الجوع والفقر رغم وجود من يمرضون ويموتون من التخمة والفائض عن حاجتهم. والأسوأ من هذا كله، يخاف أخيه الإنسان بالرغم من الشعارات التى تنادى بالأخوّة والمحبة واحترام حقوق الإنسان.

وأخيراً يخاف من ساعة الموت التى تَنقَض عليه فى أى لحظة. وفى هذا الصدد يقول الكاتب اللامع محمود تيمور: « يا الله! لا أرهب فى الوجود شيئاً، ما دام ندائى لك ملء سمعي. حتى أنت لا أرهبك لأن حبى لك يعمر قلبى. والمُحِب الصادق لا يتطّرق إلى قلبة الخوف ممن يُحِب... يا الله! ما أسعدنى بحبى إياك! أنا لا أخشى أعاصير الحياة، لأنى فى عصمة منها، بما أجده لك فى قلبى من حُب دائم موصول...».

لذا إن سلّم الإنسان حياته كلها لتدابير الله المُحِب، كما يستسلم الطفل لحضن والديه، سيشعر بالثقة والطمأنينة والسلام الداخلى مهما كانت الظروف والأحوال. الله معنا فى كل حين ويمينه القوية تسند ضعفنا وتزيل العقبات من طريقنا وتساعدنا على اجتيازها بشرط أن نثق فيه ونتجاوب معه.

الله معنا أيضاً بكلامه فى قرآنه وإنجيله الذى يُنير عقولنا، ويشدد عزائمنا، ويدعونا إلى الخير والفضيلة ويعزّينا فى كل حين. اهتمام الله بنا يفوق كلّ اهتمامٍ يُمكن أن نقدّمه لأنفسنا. إن قلبنا لا يَسَعُه أن يستريح حقاً ولا أن يكون فى سكينةٍ ورضى، ما لم يسترح فى الله.

فالله رؤوفٌ طويل الأناة، كثير الرحمة.... الله معنا دائماً ليرتّب ما شوّهناه من أمور حياتنا، ويُعيد تنظيمه على أكمل وجه.

كم من مرات عديدة نردد على لساننا كلمة: «إن شاء الله» أو « بإذن الله». ولكن فى الواقع نريد من الله أن ينفّذ مشيئتنا. كم من مرة فى حياتنا تمنينا لو أن الله لم يسمح لنا ببعض الظروف اليومية التى تُحيط بنا، أو يبدّلها بأخرى، أو أن يستشيرنا قبل أن يتمم إرادته؟!

ويعود سبب ذلك إلى ضعف إيماننا بإبوّة الله وحبِّه الساهر دائماً أبداً. فالله لا يسمح بأى شيء إلا لخيرنا، وكما يقول بولس الرسول: «كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبوّن الله».

ولا يسمح بما هو فوق طاقتنا، ولكنه يضع مخرجاً للظروف التى نمر بها. يؤمن بكل هذا من يفكر بحكمة وثقة ويشعر بأن الله أب لنا جميعاً.

إذاً.. لماذا يسمح الله بكل هذه الأمور؟ لنضجنا الشخصى واكتساب الخبرة والمهارة فى الحياة، والصمود أمام الصعوبات حتى تكتمل شخصيتنا.

الله خلقنا لأنه يحبّنا، إذاً لماذا نتخيل أو نشك ولو للحظة بأنه يهملنا؟!

لماذا نخاف وكل الخلائق والأمور بيده؟ نحن لا نخاف شيئاً فى الحياة، مادام الله موجوداً.

فإذا كانت الحلول بيد الله، فهل يستطيع أى كائن أن يضع العُقَد؟ لنتّكل إذاً على الله ومعونته حتى يحلو المرّ ويسهل الصعب ويتحقق المستحيل.

فالإيمان بحب الله هو شمس الروح التى تختفى أمامها حشرات الشكوك.

ويردد داود النبى فى المزمور: «معونتنا باسم الرب صانع السماوات والأرض».

يجب علينا أن نطلب معونة الله غير المحدودة والمجانية حتى يتعاون معنا ويشاركنا أمورنا الصعبة. ونعتمد عليه وهو الذى يستجيب لنا فى كل وقت لنتخطّى العقبات التى تواجهنا.

معظمنا يبحث عن الله فى الكتب المقدسة والمراسم الدينية فقط، ويدّعى بأنه لم يشعر بقربه فى حياته الشخصية. فما هو السبب؟

لأن الله موجود أيضاً بين البشر الذين نتقابل معهم كل يوم وفى كل مكان خاصةً الأكثر فقراً وتواضعاً. نراه فى شخص المحكوم عليه بالسجن. نراه بين الفقراء الذين يستعطون خبزاً يسدّون به جوعهم. نراه بين الذين يركضون حيث تُوَزّع الحسنات والمعونات. نراه فى المريض الذى يتألم على فراش المرض. نراه فى الشخص الذى ينتظر فرصة عمل.

إذاً من يريد أن يلتقى بالله، عليه أن يمد يد العون للفقير الواقف على بابه. وأن يزوره فى المستشفيات والسجون كما يود الذهاب للمسجد أو الكنيسة. يقوم بكل هذا ليخفف عنهم آلامهم ويأسهم وحزنهم. مَنْ يفعل هذا سيتقابل مع الله فى المسجد والكنيسة والكتب المقدسة.

لأن الفقير هو الذى يمدّ يده، ولكن الذى يأخذ الحسنة هو الله.

للأسف نجد فى يومنا هذا أشخاصاً يعبدون إلها آخر وهو المال ويسعون إليه بكل وسيلة حتى ولو كانت غير مشروعة ويعبدون هذا الإله ليل نهار. آخرين عندهم إله الأنانية والمصلحة والذى يعمى بصائرهم فلا يلتفتون إلى غيرهم واحتياجاتهم، ويصمّون آذانهم عن شكوى المسكين، وتصبح قلوبهم كالحجارة بدون أى عاطفة إنسانية.

كل هذه الآلهة المزيّفة تتحكم فى إنسان اليوم، ولكن الإله الوحيد الحقيقى هو الذى خلقنا وأحبنا ويعتنى بنا ليل نهار.

نطلب من الله تعالى أن يهبنا فهم إرادته وتذكّر إحساناته، العامة منها والخاصة، بخشوع عظيم، حتى نستطيع أن نرفع له عنها ما يليق به من الشكر والتسبيح.

الله أب لكل منّا وكفى!