بطرس دانيال يكتب: الموت عدو أم صديق...؟!

مقالات الرأي

بطرس دانيال
بطرس دانيال


سألتُ الطبيب ما هو الموت؟ أجاب: «مرض بلا شفاء»؛ وقال المهندس: «عمارة انهارت»؛ وأجاب الطالب: «رسوب بدون دور ثاني»؛ وقال التاجر: «تجارة أفلست»، لكن المؤمن أجاب: «هو ربح». مما لا شك فيه أن الموت يأتى فى أى لحظة ولكل إنسان دون تمييز، نحن نسمع عن مئات الآلاف الذين يموتون كل يوم، ما المانع أن يكون أى شخص منّا من هؤلاء، غداً أو بعد غد؟ هذا اليوم الذى بدأناه، من الممكن ألا نصل لنهايته، أو هذا الليل، ربما لن نرى له فجراً.... ليس الهدف من هذه التساؤلات أن تقلقنا أو تخيفنا، بل لتذكّرنا بأن تلك اللحظة أكيدة ويجب علينا أن نُحسن استثمارها من أجل الخير وأن نعيش هذه الحياة دون أن نُهمل الآخرة. كُتبَ على أحد المقابر الإيطالية: «نحن كنّا ما أنتم كائنوه، لكن الآن نحن ما أنتم ستكونوه». فى الماضى كانوا يعلّمون الإنسان أن يطلب من الله أن يمنحه موتاً صالحاً، أما اليوم نتجنب جميعنا الحديث عن الموت، وأصبح الموت رُعباً يطارده، بالرغم مما نراه من حولنا من موتى سواء على سرير المرض أو فى حوادث الطرق أو فى دار المسنين أو بسبب عوامل طبيعية وغير ذلك. لكن يجب علينا أن نرى فى الموت رجاء اللقاء، حضور الله لكى نُعيد المحبة المفقودة على هذه الأرض. مَنْ منّا لا يهلع إذا شعر بدنو الأجل؟ القديسون والصالحون فقط هم الذين ينظرون إلى الموت نظرة الحُب والحنين، وينتظرون هذه اللحظة فى كل حين، «الصدّيق وإن تعجّله الموت، يستقر فى السعادة» (ملوك7:4). يقول الكاتب النمساوى Jean Améry: «إن الزمن هو العدو اللدود والصديق الحميم فى الوقت ذاته، هو الشىء الذى نملكه جميعاً ولكننا لا نستطيع أن نوقفه، كما أنه قلقنا ورجاؤنا». فالزمن يدفعنا للمستقبل طوعاً وكرهاً، له وجهان: وجه العدو اللدود الذى يقودنا إلى ساعة الموت، ولا نستطيع أن نفرمله أو نسيطر عليه، ووجه الصديق الحميم الذى يحمل لنا الحُب والجمال والسعادة التى سنتمتع بها فيما بعد. وإذا لازمتنا فكرة الموت، لن نفقد شيئاً، لأنها تدفعنا إلى عمل الخير واستغلال الوقت فيما هو صالح، وتجنّب كل ما يهين الله والآخرين، وعدم التعلّق بالأرضيات على حساب الحياة الخالدة. لذلك من الممكن أن نحيا على هذه الأرض بطريقة حسنة أو سيئة، من الوارد أن يكون هذا الزمن عذاباً لنا أو رجاءً، أن يكون مشحوناً بالأعمال الحسنة أو فراغاً لا معنى له، إذاً أمام كل واحد منّا حرية الاختيار لنهاية سعيدة أو تعيسة، وهذا يتطلب منّا شجاعة وإرادة وجهدا وصراعا حتى لا نفقد الحياة التى تمر من بين أيدينا. إذا كانت فكرة الموت تنغّص حياتنا، فالإيمان بالله يملأ قلوبنا تعزية وسعادة، لأنه الأب الحنون الذى يساعدنا على التخلّص من الرعب الذى تسببه لنا فكرة الموت، لأننا نستبدل الأرض بالسماء، والحياة الفانية بالحياة الأبدية. فالموت لابد آتٍ! ولن نُسأل لماذا متنا، ولكن كيف عشنا هذه الحياة وفى سبيل أى هدف؟ مما لا شك فيه أنه بعد مائة عام على أبعد تقدير، سيكون مصيرنا تحت التراب، بحيث لن يبقى من أحياء اليوم أى شخص، وسوف يُكتب على قبرنا: «هنا يرقد فلان!»، إذا وضعنا هذه الفكرة أمام نُصب أعيننا، سنعيش بمخافة الله ونسير حسب وصاياه واضعين أمامنا غايتنا الأخيرة ومصيرنا بعد هذه الحياة. ويقول الشاعر الإنجليزى John Donne: «نُعاس قصير وسنجد أنفسنا أبديين، لن يكون هناك موت، وأنت يا موت ستموت»، من العجيب أننا نتحدث عن موت الآخرين، ولكن نتجنب التفكير فى ساعة موتنا، وهذه اللحظة التى نتجاهلها أو نعتبرها بعيدة عنّا، من الممكن أن تكون أقرب مما نتخيّل، لكن الحكيم هو من يفكّر دائماً فى ساعة النهاية لأنها تمنحه درساً مهماً لهذه الحياة، ونقرأ فى سفر يشوع بن سيراخ: "فى جميع أعمالك اُذكر أواخرك فلن تخطأ أبداً» (36:7). إذا واجهنا فكرة الموت بشجاعة ونيّة صادقة لن تُنغّص حياتنا، بل توقظ ضمائرنا لنحيا كما يجب مستثمرين عطايا الله ونعمه لنا، كما أنها تظهر لنا بوضوح بطلان الحياة الدُنيا، حتى لا نتعلّق بها، وتوقظنا من غفلتنا. ونختم بالقول المأثور: «إن لم تكن لهذه الدُنيا فائدة، فهى فرصة للتأمل".