عادل حمودة يكتب: قانون العنصرية الفاجرة فى إسرائيل: اليهود فوق الجميع!

مقالات الرأي



يخطئ العرب حين يحاولون زراعة شجرة سلام فى أرض شديدة الملوحة مثل إسرائيل ويتحول الخطأ إلى خطيئة عندما لا يفقدون الأمل فى أن يصبح الذئب حملا وتطرح شجرة الحنضل تفاحا.

إن المجتمع الإسرائيلى مجتمع حربى عرقى توسعى يدمن فوبيا الحصار التى أصيب بها منذ زمن النبى موسى ولا يفتح أبواب الجيتو الذى سجن نفسه فيه إلا لعلاقات البيع والشراء.

وكلما أمعن العرب فى التفاؤل أمعنت إسرائيل فى التشدد وكلما فتحوا أحضانهم لها وجدوا صدرا يتفجر أشواكا ومسامير وأسلاكا شائكة.

لكن ما يثير الدهشة أن سلوكيات إسرائيل المتفجرة بشظايا القنابل العنقودية أصبحت لا ترضى أكثر اليهود تشددا وتطرفا وتعسفا.

إن رئيس الدولة العبرية رؤوفين ريفلين يوصف بأنه الأكثر عنفا بين صقور كتلة الليكود التى ينتمى إليها فهو يعتبر الضفة الغربية جزءا من نسيج الدولة العبرية لا يجوز المساس به ويؤمن بأن الاستيطان حق للشعب اليهودى يستحيل التفريط فيه ولكنه لم يتردد فى تحذير رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو فى عرض قانون القومية على الكنيست قبل أسبوعين من التقدم به.

كتب ريفلين الذى كان رئيسا سابقا للكنيست رسالة إلى نتانياهو يؤكد فيها: إن تمرير القانون سيضر بالشعب اليهودى فى إسرائيل والعالم ولكن كانت كلماته نوعا من الثرثرة التى تناثرت حروفها دون جدوى فى الفضاء.

وسعى وزير الدفاع السابق موشى أرينز إلى إيقاف القانون لأنه سيفقد إسرائيل صفة الدولة الضحية التى كسبت من ورائها تعاطف العالم ومساعداته ولكن لم يلتفت أحد إلى كلماته.

كل ما حدث أن نتانياهو خفف فى المشروع الثالث للقانون من حدة عباراته ليصبح مثل سفاح محترف قرر أن يقتل ضحاياه بالخنق لا بالنسف.

صادق الكنيست على القانون بأغلبية 62 عضوا مقابل 55 معارضا وامتناع خمسة عن التصويت ومزق النواب العرب وعلى رأسهم أحمد الطيب القانون وقذفوا به فى وجه نتانياهو فقرر رئيس الكنيست يولى إدلشتاين طردهم وأسعده ذلك كثيرا فهو لا يطيق أحدا منهم وسبق أن تجاهل دعوتهم لحضور حفل زفافه على زوجته الثرية إيرينا الذى أقيم فى ساحة المسجد الأقصى بطقوس يهودية قديمة.

تضمن القانون 11 بندا تحت عناوين متنوعة: رموز الدولة.. عاصمة الدولة.. اللغة.. لم الشتات.. العلاقة مع الشعب اليهودى.. الاستيطان اليهودى.. يوم الاستقلال.. يوم الذكرى.. أيام الراحة.. ونفاذ القانون.

وليس فى إسرائيل دستور وليست لها حدود ثابتة وكل ما حدث يوم فرضت علينا فى 15 مايو 1948 أن صدر عنها ما يعرف ببيان الاستقلال الذى نص على المساواة فى الحقوق السياسية والاجتماعية بغض النظر عن الدين والعرق والجنس ولكن بنصوص القانون الأخير تحولت الرغبة فى الديمقراطية إلى نزعة فاشية:

1- دولة إسرائيل هى الوطن القومى للشعب اليهودى وحده.

حالة شاذة غير مسبوقة أن تعتبر دولة الديانة الشرط الوحيد للمواطنة فلم نسمع عن وطن قومى للبوذيين أو الهندوس أو المسيحيين أو المسلمين.

وسوف يؤدى هذا النص إلى إسقاط الجنسية عن العرب من غير اليهود الذين وجدوا على الأرض قبل قيامها ليصبحوا غرباء فى بلادهم ليس لهم مبرر قانونى للعيش فيها بل يمكن طردهم منها بقرار من أصغر محكمة هناك فى حالة من حالات التطهير العرقى يصعب إيقافها.

ويصل عدد هؤلاء إلى نحو المليونين ويشكلون 21% من عدد الإسرائيليين الذين لا يزيد عددهم كثيرا على ثمانية ملايين نسمة.

2) حق تقرير المصير فى دولة إسرائيل يقتصر على اليهود فقط.

مما ينفى حق تقرير المصير للشعب الفلسطينى ويبرر ويكرس التمييز دينيا وعرقيا بينه وبين الجماعات اليهودية غير المتجانسة والمهاجرة من شتات الأرض والمختلفة فى المذاهب والطوائف والملامح ورؤيتهم للمرأة وإيمانهم بعودة المسيح.

(3) الهجرة التى تؤدى إلى المواطنة هى لليهود دون سواهم.

مما يقطع بالإجهاز على حق اللاجئين الفلسطينيين فى العودة وهم حسب آخر الإحصائيات لا يقل عددهم عن خمسة ملايين و149 ألفا ويعيشون فى مخيمات أقيمت على أرض سوريا والأردن ولبنان والعراق بلا جنسية أو هوية أو جواز سفر.

(4) القدس الكبرى والموحدة عاصمة إسرائيل إلى الأبد.

مما يسقط عن الدولة الفلسطينية حقها فى أن تكون القدس الشرقية عاصمة لها ومما يضع المقدسات الإسلامية (قبة الصخرة ومسجد عمر وحائط البراق وعشرات الزوايا والتكايا) والمقدسات المسيحية (كنيسة القيامة ودرب الآلام وكنيسة مريم وكنيسة الجثمانية وقبر البستان وعشرات الأديرة) تحت سيطرتها مباشرة تفعل بها ما تشاء.

وكانت الأردن تشرف على المقدسات الإسلامية بعد احتلال القدس الشرقية ولكن هناك ضغوطا عربية لسحب وصايتها عليها.

(5) الحكومة تعمل على تشجيع الاستيطان اليهودى فى كل مكان من أرض إسرائيل.

مما يعنى قصر ميزانية البلديات على المدن والقرى اليهودية وتخصيص الأراضى للمستوطنات المتنوعة بين مجتمعات زراعية وقرى حدودية وأحياء حضرية كبرت حتى صارت مدنا مثل مستوطنات عيليت ومعاليه وأدوميم وبيتار.

ورغم إدانة الأمم المتحدة لتلك المستوطنات (بقرار صوتت له 160 دولة من أصل 171 دولة) ورغم إقرار مجلس الأمن بأنها غير قانونية (القرار 448 لسنة 1979) لم تتوقف إسرائيل عن التوسع فيها على أراضى لا تملكها فى الضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان.

ولا شك أن المستوطنين هم الأكثر تشددا بين اليهود ولأنهم يشكلون كتلة تصويتة مؤثرة يصعب على الحكومات اليمينة الوقوف فى وجههم.

ويمكن القول إن إنشاء المستوطنات سبق قيام الدولة وعاشت المجموعات الأولى من المهاجرين فيما يعرف بالكيبوتس حيث عاشوا معا فيما يشبه المزارع الجماعية السوفيتية وهو ما خدع الأحزاب والتنظيمات الشيوعية العربية فأيدوا قرار تقسيم فلسطين وتصوروا أنهم أمام دولة اشتراكية مدنية لن تفرق بين البشر ولن تميز بينهم وفى مرحلة لاحقة تصوروا أنهم أمام دولة علمانية يمكن أن تستوعب الإسرائيليين والفلسطينيين معا وكأنهما أمة واحدة.

وباحتراق ورقة الاشتراكية لعبت إسرائيل بورقة الديمقراطية ووصفت نفسها بجزيرة الحرية فى بحر هائج من النظم العربية الديكتاتورية مما أكسبها دعما ماديا وسياسيا فى غالبية الدول الأوروبية بجانب الولايات المتحدة بالقطع. ولكن بقانون القومية احترقت ورقة الديمقراطية أيضا ولم تعد إسرائيل توصف إلا بالعنصرية أو الأبرتايد.

والأبرتايد نظام يقسم المواطنين إلى مجموعات عرقية: أسود وأبيض كما كان فى جنوب إفريقيا أو هندوس ومسلمون كما فى الهند وباكستان.

صحيح أن إسرائيل كانت تفرق بين الفلسطينيين واليهود إلا أنها لم تعلن ذلك صراحة أو تشرعه فى قانون تفخر به وتصر على فرضه وتطبيقه مما أصاب العالم بالخرس من شدة المفاجأة وبعد أن استوعبت صحيفة جيروزليم بوست الصدمة كتبت فى افتتاحيتها: إسرائيل لم تعد كما كانت شكرا لنتانياهو على هذه الفضيحة وقال بنيامين بيجن (ابن رئيس الوزراء الأسبق مناحم بيجن): إنها نهاية العدالة الهزيلة التى كان يتمتع بها غير اليهود.

(6) اللغة العبرية هى لغة الدولة الرسمية الوحيدة.

كانت إسرائيل تكتب لافتات الطرق وأسماء المدن والقرى وإرشادات المطارات والموانئ بالغتين العبرية والعربية ولكنها ستشطب اللغة العربية منها وستكتفى باللغة العبرية دعما لهوية الدولة اليهودية والمثير للدهشة أن العبرية لغة اخترعت بعد إعلان الدولة وتضمنت مئات الكلمات من العربية ولكنها كتبت بحروف مختلفة.

ولم تنهب إسرائيل اللغة العربية فقط وإنما نهبت أزياء ورقصات الفلكلور الفلسطينى ونسبته إليها ومنحتها البركة الدينية وهى جريمة ليست غريبة عنها فقد أخذت عادة الختان من المصريين القدامى واعتبرتها أمرا من الرب.

وباعتماد يوم السبت يوما مقدسا لا يوقد فيه اليهود نارا ولا يركبون فيه دابة أصبح على الفلسطينيين احترامه بالبقاء فى بيوتهم ولم يعد من حقهم إجازة يوم الجمعة ولو للصلاة التى عليهم تأديتها فى منازلهم كما أن حفلات عرسهم لن تكون فى أماكن عامة. ولا شك أن كل الخطط الإسرائيلية التى تنفذ الآن سبق أن وضعت منذ عقود بعيدة ولكنها لا تخرج للعلن إلا فى الوقت المناسب لتنفذ خطة خطة أو خطوة خطوة وهو ما جعل نتانياهو يتذكر هيرتزل الذى دعا إلى إنشاء الدولة اليهودية قبل 122 سنة وهو يزف للدنيا بفخر قانون القومية.

ولا شك أن وجود ترامب على رأس السلطة الرئاسية فى الولايات المتحدة شجع إسرائيل على ما فعلت ولكن الأهم أنها تعرف جيدا أن العرب منقسمون على أنفسهم وأن المصالحة الفلسطينية لن تدوم وأن العالم لا يشفق على المذبوحين ولو مصمص شفتيه حزنا عليهم وأن التاريخ لا تصنعه سوى الأحذية الثقيلة لا بيانات الإدانة الساذجة.

لولا أن إسرائيل تعرف أن العرب هبطوا إلى القاع ما أعلنت نفسها دولة يهودية عنصرية فاشية فوق الجميع.