ثورة "الفاشونيستا".. الرداء الأبيض اعتراضًا على الزى الإلزامىي والأحمر للتحرر من الحجاب

العدد الأسبوعي



النساء يستخدمن اللون الأحمر والتحرر من الحجاب لإعلان معارضتهن للدولة الشيعية.. وجميلات أنقرة يتمسكن بمعايير الأنوثة الأوروبية فى مواجهة الخليفة العثمانى

الرداء الأبيض اعتراضًا على الزى الإلزامى


تحت عنوان «كيف تستخدم المرأة المسلمة الموضة من أجل ممارسة النفوذ السياسى» نشرت مجلة أتلانتيك الأمريكية على موقعها تحقيقاً عن ظاهرة الفاشونيستا التى تتحدى الأنظمة فى إيران، تركيا وإندونيسيا. وحول العلاقات بين ملابس المرأة المسلمة والأنظمة السياسية فى العالم الإسلامى، أجرت إليزابيث بوكار، الأستاذ المشارك فى الفلسفة والدين فى جامعة نورث إيسترن، تحقيقاً صحفياً اعتمد على أبحاثها التى استمرت لعديد من السنوات، إذ إنها مؤلفة كتاب «الأزياء الدينية: كيف ترتدى المرأة المسلمة ملابسها» وفى مقدمة موضوعها فى مجلة أتلانتيك تشير بوكار إلى أنها بحثت فى موضوع أزياء المرأة المسلمة منذ عام 2004.

وأخذ التحقيق المقارن بوكار، إلى 3 مواقع: إيران، إندونيسيا، وتركيا، وبينما كانت هناك دراسات عن ملابس النساء المسلمات فى العديد من البلدان، كانت هناك مقارنات قليلة بين الثقافات المختلفة، وأثناء إجرائها تلك المقارنة اكتشفت هذا الطابع السياسى لملابس المرأة المسلمة التى تحمل العديد من الرسائل ذات الطابع السياسى والاجتماعى.

كتبت بوكار أن كل دولة من الدول الثلاث غير العربية، ذات الأغلبية المسلمة، التى أجرت فيها أبحاثها الإثنوغرافية، لها تاريخها الخاص فى تنظيم الملابس النسائية من خلال قوانين الملابس الرسمية، حيث تعكس هذه المواد فكرة أن الملابس النسائية هى علامة على شىء آخر - سواء كانت علامة «سيئة» على أن النساء المسلمات بحاجة إلى الادخار أو علامة «جيدة» على الشرف والصحة الأخلاقية لأمة بأكملها.

حسب الكاتبة الأمريكية، على مدى أكثر من 100 سنة مضت، كانت النخب الذكورية تشعل المعارك بشأن هذه العلامات لدعم الخطط السياسية التى لا علاقة لها بتحسين حياة المرأة الفعلية، ولكن هناك نتيجة غير مقصودة لجعل النساء المسلمات وملابسهن رموزاً مهمة للأمة، وعلى سبيل المثال، تلعب النساء وملابسهن أدواراً بارزة فى بناء ما تعنيه المواطنة الحديثة، لذلك، حتى لو كانت الملابس نتجت عن محاولات للسيطرة سياسياً على المرأة، فقد أصبح ارتداء الملابس وسيلة للمرأة من أجل ممارسة النفوذ السياسى.


1- إيران… نساء الكابرى

الأزياء الدينية فى إيران منظمة للغاية، وقبل فترة وجيزة من الثورة الإسلامية عام 1979، كان مطلوباً من النساء ارتداء الحجاب، أو الملابس التى تتفق مع الشريعة.

ولكن نظراً لعدم وجود تعريف واضح للحجاب فى قانون العقوبات، تتمتع المرأة ببعض المرونة فى تقرير ما يجب ارتداؤه، وتظهر الأنماط العديدة للأزياء المتقنة، من غطاء كامل الجسم من شادور التقليدى إلى معاطف قصيرة مصممة وحجاب.

إن المرأة الإيرانية الحديثة قد تكون على استعداد للعيش بقواعد لم تصنعها، ولكنها تطالب أيضاً بالحق فى تفسير تلك القواعد، وتقرأ المرأة الإيرانية بعض الأنماط على أنها تعكس الولاء للنظام الحالى، فى حين ينظر إلى البعض الآخر على أنه تخريبى من الناحية السياسية.

وفى احتجاجات الأربعاء الأبيض الأخيرة، ارتدت النساء الحجاب الأبيض احتجاجاً على قانون ارتداء اللباس الإلزامى فى البلاد، وذهب عدد قليل من النساء إلى أبعد من ذلك، وذلك بإزالة الحجاب تماماً والتلويح به على العصى. على السطح، تطلب الملابس الدينية فى طهران إخفاء شكل جسم المرأة خاصة شعرها، ولكن الأزياء الدينية فى هذه المدينة تعبر أيضاً عن عدد من القيم ذات الصلة.

ولكن إلى جانب الطابع الدينى لملابس المرأة الإيرانية هناك كثير من الرسائل التى يحملها الزى الذى ترتديه الإيرانيات، حيث تجسد الملابس القيمة الثقافية الأوسع نطاقاً وهذا واضح ليس فقط بين النساء اللاتى يسمحن لكمية كبيرة من الشعر بالتسلسل الخاطف من تحت الحجاب، ولكن أيضاً فى نظرة البوهيمية لبعض الأساليب التى تكشف عن قيمة جمالية أكثر.

وتنعكس هذه الفلسفة البوهيمية على سبيل المثال فى المعطف الذى يعرف باسم «الشادور العربى»، الذى أصبح مألوفاً فى طهران منذ عام 2007، وتؤيد السلطات الإيرانية هذا النوع من المعاطف لأنها طويلة من جانب، ومن جانب آخر لأن اسمها يربطها بثقافة الإسلام وجغرافيته، ولكن النساء الإيرانيات يصفن الشادور العربى بأنه يحمل شكلاً بوهيمياً شائعاً خصوصاً بين الفنانين، وهذا النمط ينقل رؤية النساء بأنه على الرغم من القواعد الصارمة فى الجمهورية الإسلامية، يحترم هذا الزى الروح الحرة ويدعم الشعور بمواجهة الحكم الاستبدادى.

ولاحظت الكاتبة أيضا الإدماج بين ما يسمى بالعناصر العرقية فى أزياء وصفتها بالواعية، وشمل هذا النمط الحرص على الدمج بين التطريز الأحمر والأخضر ولهذا الدمج دلالات سياسية واضحة، فالأحمر والأخضر لها معانٍ رمزية فى الشيعة، الفرع المهيمن للإسلام فى إيران، والأخضر هو إيجابى، فى حين أن الأحمر لديه بعض الدلالات السلبية.

وفى استفتاء عام 1979 بشأن إنشاء الجمهورية الإسلامية، كانت بطاقات الاقتراع مرمزة بهذه الألوان: فالأصوات لصالح الجمهورية الإسلامية كانت خضراء، فى حين أن الأصوات ضدها كانت حمراء، فى طهران اليوم، يتم الطعن فى هذا الثنائى الصارم لهذه الرمزية عندما يتم دمج الأحمر والأخضر فى نفس النسيج أو مجتمعة فى نفس الزى.

وتنتشر أيضاً فى إيران ظاهرة يطلق عليها الحجاب السيئ الذى يتضمن أقمشة تكشف أكثر مما تخفى إلى جانب وضع الفتيات للماكياج الثقيل، ويستوجب هذا الحجاب التعرض للعقاب وفقاً للقانون مثل التعرض للجلد. والأشكال المتطرفة للحجاب السيئ تجعل الانتهاكات الأقل تطرفاً للقواعد - مثل ارتداء الجينز - أكثر قبولاً. وبالإضافة إلى ذلك، فالعدد الهائل من النساء اللواتى يرتدين الحجاب السيئ يجعلن من المستحيل إنفاذ العقوبات القانونية، وليس هناك ما يكفى من الشرطة فى طهران فى يوم صيفى حار لإلقاء القبض على كل امرأة شابة ترتدى البنطلون القصير أو الكابرى.


2- إندونيسيا.. الحجاب رمز للثورة على التقاليد

الملابس الدينية للمرأة المسلمة تبدو مختلفة جداً فى إندونيسيا، وهو الفرق الذى ينتج جزئيا عن تاريخ البلاد، فالمرأة الإندونيسية لم ترتد تاريخياً أغطية الرأس، كما يعد كشف الشعر والكتفين هى جزء من المعايير التقليدية للجمال. وفى الواقع، حتى وقت قريب جداً، كان اللباس انعكاسًا لوضع اقتصادى غير مرتفع، ولذلك، فإن الشعبية المتزايدة للملابس الدينية لا يمكن أن يفهم على أنه العودة إلى التقاليد.

واليوم ينظر للحجاب فى إندونيسيا باعتباره رمزًا للتجديد والتفكير للأمام، وبينما تتحرر المرأة فى إيران من فرض الحجاب على النساء بتصاميم متحررة وغطاء رأس كثيراً ما يتراجع للخلف ليكشف أكثر مما يخفى، ينتشر الحجاب فى إندونيسيا كتعبير عن رفض نظام قمعى كان يحارب الدين الإسلامى.

وتغيرت ملابس المرأة الإندونيسية بشكل كبير قبل ثلاثة عقود عندما انتشرت شعبية الملابس ذات الطابع الدينى بعد استقالة الرئيس السابق سوهارتو، ونشأ هذا النمط كنقد جمالى لنظام كان يقمع العقيدة الإسلامية، ومع تزايد نسبة تعليم المرأة وانفتاحها على المجتمع تغيرت شكل الأزياء النسائية، حيث كانت هناك رغبة فى تغيير مظهر النساء ليواكب التغيرات الاجتماعية مع الانفتاح المتزايد على المجتمع للمرأة المسلمة.

وبما أن الحجاب والزى الاسلامى لم يكن من الناحية التاريخية جزءاً من الممارسة الإسلامية فى هذا البلد، فإن النساء اخترن ارتداء الحجاب للتعبير عن هوية حديثة تتفق مع التنمية والتقدم الوطنى، وشعر بعض الإندونيسيين بالقلق من أن اللباس الإسلامى، خاصة الصيغ الأكثر صرامة فى التغطية، عكسما اعتبروه ثقافة عربية قمعية لا تتناسب مع إندونيسيا الدولة المتسامحة والمتعددة الثقافات.

فى هذا الإطار إذا كانت النساء ذاهبات لتغطية أنفسهن بالقماش، كان من المهم أن يعكس القماش التعدد الثقافى الذى تتمتع به إندونيسيا، وأصبحت أنماط الباتيك عنصراً مهما فى تصميم الأزياء الإندونيسية المتقنة لأن هذا الزى عكس القيمة الجمالية المحلية.


3- تركيا.. الحلم الغربى

إذا كانت الأزياء الدينية إلزامية فى إيران، بينما تعد رمزاً للتجديد والتفتح فى إندونيسيا، فإن لها تاريخاً طويلاً من الوصم والتنظيم الصارم فى تركيا. وتم تفسير خيار ارتداء الحجاب لأكثر من 100 سنة ماضية، باعتباره تحدياً للتقاليد العلمانية، ولكن هذا يتغير، فاليوم، الحجاب اختيارى وقبول اللباس الإسلامى ممكن لأن الأزياء تسمح بالتعبير عن الهوية الإسلامية فى أشكال عصرية، ما أدى إلى كل من التوازن البصرى والاجتماعى.

ونظراً لقرب تركيا المادى من بقية أوروبا وتطلعاتها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، فإن الموضة فى أسطنبول تضم عدداً من الجماليات الأوروبية، لذلك، وعلى النقيض من إندونيسيا، رؤى الأنوثة فى تركيا تأخذ زمام المبادرة أساساً من الغرب، وليس الشرق. وفى الوقت الذى يسعى فيه الرئيس التركى إلى فرض قواعد وأفكار جماعة الإخوان التى ينتمى لها، على المجتمع التركى تتمسك المرأة التركية بمعايير الجمال الغربية التى تنعكس فى ملابسها سواء كانت ترتدى الحجاب أو لا ترتديه.