أحداث تاريخية لا تُنسى في 13 رمضان.. الفاروق يتسلم مفاتيح بيت المقدس

تقارير وحوارات

بوابة الفجر

تُعد العهدة العمرية وثيقة من أهم الوثائق التي كُتبت في تاريخ العاصمة الفلسطينية حيث كتبها الخليفة عمر بن الخطاب إلى أهل إيلياء بعدما تمكن الجيش الإسلامي من فتحها، ليؤمنهم من خلالها على أرواحهم وممتلكاتهم.
وجاء نص المعاهدة كالتالي: “بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيليا من الأمان. أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها.

أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا من صليبهم ولا من شئ من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم ولا يسكن بإيليا معهم أحد من اليهود.

وعلى أهل إيليا أن يعطوا الجزية كما يعطى أهل المدائن. وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوت. فمن أخرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن وعليه مثل ما على أهل إيليا من الجزية يبلغوا مأمنهم.

ومن أقام منهم فهو أمن وعليه مثل ما على أهل إيليا من الجزية ومن أحب من أهل إيليا أن يسير بنفسه وماله مع الروم يخلى بيعهم وصلبهم حتى بلغوا أمنهم، ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان فمن شاء منهم قعد وعليه ما على أهل إيليا من الجزية، ومن شاء صار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله. فإنه لا يؤخذ منهم شئ حتى يحصد حصادهم.

وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية.

شهد على ذلك خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبى سفيان وكتب وحضر سنة خمس عشر.
 

بعد أن انتصر المسلمون في اليرموك، أمر أبو عبيدة خالدا أن يخرج في إثر الروم إلى أن وصل حمص، وأخذ أبو عبيدة جيشه إلى دمشق؛ فقسم أبو عبيدة رضي الله عنه منطقة الشام إلى 4 مناطق: "الأولى: دمشق وما حولها بإمارة يزيد بن أبي سفيان، الثانية: منطـقـة فلسطين بإمرة عمرو بن العاص، الثالثة: منطـقـة الأردن بإمرة شُرَحْبِيل بن حسنة. الرابعة: حمص وما حولها، بإمرته هو".

لما انتهى أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه من فتح دمشق، كتب إلى أهل إيلياء -وإيلياء هي القدس- يدعوهم إلى الله وإلى الإسلام، فرفضوا أن يُجِيبوا إلى ما دعاهم إليه، فركب إليهم في جنوده، واستخلف على دمشق سعيد بن زيد، ثم حاصر بيت المقدس، وطلب من أهلها الصلح، ولكنهم رفضوا، وقال رهبانهم: "لن يفتحها إلا رجلٌ، وذكروا بعض الأوصاف الجسمية لرجل معين، وأن اسمه يتكون من ثلاثة حروف، فوجد المسلمون أن هذه المواصفات لا تنطبق إلا على الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه".

قام عمر بن الخطاب باستشارة عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب للذهاب إليهم بنفسه، فأشار عليه عثمان بألا يذهب، وأشار عليه علي بأن يذهب، فأخذ عمر برأي علي بن أبي طالب، فجاء عمر رضي الله عنه من المدينة المنورة ليتسلم مفاتيح القدس، وقام باستخلاف علي رضي الله عنه على المسلمين في المدينة المنورة.

ذهب عمر ليتسلم مفاتيح القدس، ولكنه لم يدخل عمر إلى القدس مباشرة، وإنما ذهب إلى منطقة الجابية وكان المسلمون هناك مستعدين لاستقباله مع أبي عبيدة بن الجراح وخالد ويزيد، فرحبوا به ترحيبا عظيما، وقام عمر يخطب فيهم خطبة ويقول: "أيها الناسُ أصلحوا سرائركم تَصلُحْ علانيتكم، واعملوا لآخرتكم تُكْفَوْا أَمْرَ دنياكم"، وقال أيضا: "فمن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد".

الفاروق عمر بن الخطاب "رضى الله عنه" حضر برفقة غلامه، وكانا يتناوبان على ر كوب الدابة ويتركانها ترتاح مرة، وعندما قاربا على مشارف بلاد الشام وقريبًا من القدس، قابلتهم أرض مبتلة بفعل المطر والسيل  في وادي عمواس.

الصحابي الجليل أبو عُبيدة عامر بن الجراح خاطب الفاروق رضي الله عنه قائلا: أتخوض الطينَ بقدميك يا أمير المؤمنين وتلبس هذه المُرقعة وهؤلاء القوم قياصرة وملوك ويُحبون المظاهر، وأنت أمير المؤمنين فهلا غيرت ثيابك وغسلت قدميك؟؟ وهذا مقام عزة وتشريف للمسلمين بتسلم مفاتيح القدس.

سيدنا عمر بن الخطاب لم يلق بالا بما قاله أمين الأمة بل رد عليه بشي من الحدة وقليل من التهديد: لقد كنا أذلاء فأعزنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، والله لو قالها أحد غيرك يا أبا عُبيدة لعلوت رأسه بهذه الدِّرة.
جيوش المسلمين

بل صمم أميرالمؤمنين على المضي قدما على حاله وسار الغلام، ثم تناوب معه حتى قال أمراء وقادة الجند، نتمنى أن تكون نوبة عمر على الدابة حينَ يدخل على حاكم القدس، ونخشى أن تكون نوبة الغلام، فحصل ما كانوا يحذرون، ودخل الغلام راكبًا وأمير المؤمنين يمشي على قدميه، ولما وصلوا نظر صفرونيوس إلى عمر وثوبه وهو يقودُ الدابة لغلامه فسلمهُ مفاتيح القدس وقال له: أنتَ الذي قرأنا أوصافه في كتبنا يدخلُ ماشيًا وغلامهُ راكبًا وفي ثوبه سبعة عشرة رقعة.

بعد ذلك دخل عمر بن الخطاب بيت المقدس وتسلم مفاتيحه وأعطى المسيحيين الأمان والحرية في عبادتهم وشعائرهم الدينية، ثم حضر العوّام والي القدس إلى الجابية واتفقا على صلح القدس، وكتب عمر بن الخطاب (العهدة العمرية)،

وساعتها وبعدما تسلم عمر بن الخطاب مفاتيح بيت المقدس خرَّ ساجدًا لله، وقضى ليلتهُ يبكي وما جفت دموعه، ولما سُئل عن سبب بكائه قال: أبكي لأنني أخشى أن تـُفتحَ عليكم الدنيا فينكر بعضكم بعضًا، وعندها يُنكركم أهل السماء.

وأعطت العهدة العمرية ضمانات الحرية المدنية والدينية للمسيحيين في مقابل الجزية، وقد وقع عليها الخليفة عمر نيابة عن المسلمين، وشهدها خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان.

ودخل عمر المسجد الأقصى من الباب الذي دخل منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة الإسراء.

وصلى عمر فيه تحية المسجد بمحراب داود، وصلى بالمسلمين فيه صلاة الغداة من الغد، فقرأ في الأولى بسورة "ص" وسجد فيها والمسلمون معه، وفي الثانية بسورة بني إسرائيل، ثم جاء إلى الصخرة فاستدلَّ على مكانها من كعب الأحبار، وأشار عليه كعبٌ أن يجعل المسجد من ورائه، فقال: ضاهيتَ اليهودية، ثم جعل المسجد في قِبْليِّ بيت المقدس وهو العُمَري اليوم.

وبعد ذلك ذهب أمير المؤمنين إلى كنسية القيامة لتفقدها، وذلك بدعوة من البطريرك صفرونيوس.

وحينما حان وقت الصلاة سأل ابن الخطاب البطريرك صفرونيوس أين يصلي، فأجابه الأخير بأن يصلي مكانه.

فقال أمير المؤمنين: “ما كان لعمر أن يصلي في كنيسة فيأتي المسلمون من بعدي ويقولون هنا صلى عمر ويبنون عليه مسجدًا”.

ثم ابتعد عن الكنيسة وقام بأداء الصلاة في موضع بنى فيه بعد ذلك مسجد عمر.