محمد الباز يكتب : انتخبوا الثورة

مقالات الرأي



■ حمدين لعب دورا فى تسخين الشارع ليثور على الإخوان.. لكن هذه الثورة لم تنجح إلا بانحياز السيسى لها وحمايته للشعب المصرى من إرهاب الإخوان


■ حمدين شارك فى صناعتها.. والسيسى حماها بالانحياز إليها

هناك لحظة تاريخية جمعت بين عبد الفتاح السيسى وحمدين صباحى.. لحظة معنوية أكثر منها واقعية، لم يكونا معا فى مكان واحد وقتها، ولم يفكرا بنفس الطريقة ربما، لكن هدفهما كان واحدا.

ففى الوقت الذى كان عبد الفتاح السيسى يستمع لاستغاثات المصريين ومطالبتهم له بأن ينزل إلى الشارع لينقذهم من ميليشيات الإخوان المسلمين، كان حمدين صباحى من خلال دوره فى جبهة الإنقاذ يسخن الشارع ليدفعه إلى الثورة على نظام الإخوان الفاسد والفاشى.

كان يمكن لكل منهما أن يركن إلى الراحة.. أن يظل فى مكانه لا يبرحه، لكن السيسى بدأ ومبكرا جدا يدرس الموقف، قدم لجماعة الإخوان تقديرات موقف واضحة ودقيقة عن الخطر القادم، فى فبراير 2013 أخبرهم أن تجربتهم فى الحكم قد انتهت تماما.. وبدأ يفكر فى اللحظة الحاسمة.

وعندما كان السيسى يفعل ذلك كان حمدين صباحى يدشن التيار الشعبى ليكون واجهة المعارضة أراد أن ينفرد بحكم مصر دون أن تكون هناك أى معارضة أو مقاومة من أى نوع، وقف فى ميدان عابدين بين شبابه ومؤيديه ليعلن أنه سيكون المعارض القوى – وليس الوحيد – للإخوان المسلمين، كان يعرف أن موقفه سيضعه فى خانة الخطر، لكنه استهون بكل ذلك، بعد أن رأى أن الوطن يضيع على يد جماعة ظالمة ومتجبرة.

هل يمكن أن نوصف الموقف بما هو أهل له؟

هل يمكن أن نكون أكثر دقة فى توصيف الموقف الذى كان عليه حمدين صباحى وعبد الفتاح السيسى من ثورة المصريين فى 30 يونيو؟

لنفعل ذلك بكل بساطة.

كان حمدين صباحى واحدا من صناع الثورة فى 30 يونيو، ورغم أنه وحتى لا يهيل التراب على ثورة 25 يناير يتعامل مع 30 يونيو على أنها موجة ثورية ولا أكثر من ذلك، إلا أنه فى النهاية يعتبر واحدا من الذين أشعلوا نارها، يمكن أن تأخذ عليها كثيرا من التردد، أن ترفض ذهابه إلى الرئيس محمد مرسى فى قصره وجلوسه بين يديه هاشا باشا مادا يديه إليه لينقذه، ويمكن أن تعذره فى تردده أن يعلن الثورة على الإخوان أيام الاتحادية، ويمكن أن تلومه على قراره بالمشاركة فى الاستفتاء على الدستور رغم أن تياره الشعبى كان يفضل المقاطعة حتى لا يمنح دستور الإخوان شرعية، ويمكن أن تتحمل تعثره قبل أن يوقع على استمارة تمرد تلك الحركة التى كانت الرمية الأخيرة التى استهدفت جسد الإخوان، إلا أن هذ كله لا يمكن أن يجعلنا نخرجه من صفوف من صنعوا الثورة ووقفوا بقوة من أجل مناصرتها.

السيسى من هذه الأرضية هو من حمى الثورة، لم يخذل الشعب المصرى يوما، فى مايو 2012 كان يحضر تفتيش حرب، كان معه هناك عدد من الفنانين والسياسيين والمفكرين، تحدث بصراحة، قال لمن حضروا لا تلعبوا بالجيش ولا تلعبوا معه، أحس من سمعوه أنه يتخلى عن الجميع لا يريد أن ينزل أو يستجيب لمطالب من يلحون عليه بأن يرحمهم من جحيم الإخوان، إلا أنه وقبل أن يمضى الجميع وهو يودعهم قال لهم متستعجلوش، وكأنها كانت كلمة السر، فهو يعرف ما يريدون، لكنه يريدهم أن يصبروا قليلا، الآن يمكن أن نضع الكلمة التى قالها فى سياقها الطبيعى، فلم تكن هذه الرسالة أبدا لمن حضروا معه تفتيش الحرب، لكنها كانت لجماعة الإخوان المسلمين التى لا تريد أن تسمع، قال لهم لا تلعبوا بالجيش ولا تلعبوا معه، لكنهم لم يستمعوا النصيحة، ولذلك خسروا كل شىء.

لم يكتف السيسى بدوره فى أيام الثورة من 30 يونيو لـ 3 يوليو، لكنه تحمل على عاتقه مسئولية حماية الشعب المصرى من الإرهاب الذى مارسته الجماعة، ورغم أن هناك عمليات إرهابية كثيرة إلا أن الجيش لو فعلها وتخلى عن الشعب المصرى لوقعت عمليات إرهابية لا حصر لها، ولذلك شعر المصريون الذين يندفعون إلى تأييد عبد الفتاح السيسى ومنحه أصواتهم فى الانتخابات الرئاسية أنهم من يستطيع حمايتهم، فهم لا يأمنون غدر جماعة الإخوان المسلمين.

هل أقصد شيئا من وراء هذا الكلام؟

بالطبع.. فنحن أمام مرشحين خرجا من قلب الثورة المصرية، أدرك حمدين صباحى ذلك مبكرا جدا، حاول تسويق نفسه على أنه مرشح الثورة، وعندما وجد من ينتقده على ذلك لأن السيسى من وجوه كثيرة يمكن التعامل معه على أنه مرشح الثورة، بدأ يقول هو ومن يسيرون فى ركابه أنه مرشح من الثورة، لأنه بالفعل لا يستطيع احتكار الثورة لحسابه.

تصويت المصريين إذن سواء من سيمنحون أصواتهم لعبد الفتاح السيسى أو هؤلاء الذين سيؤيدون حمدين صباحى لن ينتخبوا إلا الثورة، لذلك فهناك فى دوائر كثيرة اهتمام كبير بنسبة التصويت، لأنها فى حقيقة الأمر لن تكون مقسومة على اثنين، بل ستذهب جميعها إلى الثورة المصرية التى لا يزال خصومها يتربصون بها.

لقد هلل الإخوان المسلمون محاولين أن يهيلوا التراب على تصويت المصريين فى الخارج، الذى حقق فيه عبدالفتاح السيسى النسبة الأعلى، على اعتبار أن المصريين أحجموا عن التصويت فى محاولة منهم لنزع الشرعية عن الثورة، ويحاولون الآن التسويق لفكرة أن المصريين فى الداخل لن يقبلوا على الانتخابات الرئاسية، لأنهم لا يؤيدون ما حدث فى 30 يونيو، وهو وهم لا يزالون يعيشون فيه، وأعتقد أنهم سيواصلون الاستمتاع به لسنوات طويلة.

ولذلك كان الأجدى بحمدين صباحى أن يسلك نفس السلوك الذى سلكه عبد الفتاح السيسى، وهو الدعوة الملحة للمصريين من أجل أن يصوتوا فى الانتخابات الرئاسية بصرف النظر عن اسم المرشح الذى سيصوتون له، فكل صوت سيدخل الصناديق سيكون مكسبا للثورة المصرية المجيدة، وهى الثورة التى نريد أن نحافظ عليها حتى لا يسرقها منا أحد بعد ذلك، وهو الواجب المقدس الذى لابد أن يحافظ عليها السيسى وصباحى.

لقد دأب حمدين صباحى على مهاجمة السيسى مرات بالتلميح ومرات بالتصريح.. فى البداية قال إن مصر تحتاج إلى رجل دولة وليس دولة رجل، فى إشارة إلى أن السيسى ليس رجل دولة بقدر ما يمثل دولة رجل ستكون كلها فى خدمته، والمعنى من وراء ذلك واضح جدا، فحمدين يرى أن السيسى لا يمكن أن ينجح فى انتخابات الرئاسة إلا إذا كانت الدولة كلها معه – وهى كذلك بالفعل – ولا يمكن له أن ينجح فى إدارة الدولة بعد ذلك إلا وجميع المؤسسات معه – وهى كذلك أيضا.. لكن لم يرد السيسى على ذلك، خاصة أن حمدين صدر نفسه على أنه رجل الدولة الذى تنتظره مصر.

الهجوم الثانى الذى كان واضحا وبالاسم ولم يكن فيه أى تلميح، كان عندما قال حمدين صباحى أنه فى الوقت الذى كان معارضا لمرسى ويسعى إلى الثورة عليه كان السيسى يؤدى له التحية العسكرية، رد السيسى هذه المرة عندما سئل عن ذلك، لم يذكر اسم حمدين صباحى، اكتفى بالإشارة إليه، لم يجرح فيه، شرح فقط وجهة نظره، وهى وجهة نظر اقتنع بها من يعارضونه قبل أن يقتنع به من يسيرون فى صفوفه، لأن كل ما جرى لا يخفى على أحد، وكل ما قدمه السيسى للثورة المصرية لا يمكن أن ينكره إلا جاحد، وأعتقد أن حمدين صباحى ليس جاحدا، لكن قاتلها الله الدعاية الانتخابية التى تجعل المرشحين يقطعون فى بعضهم البعض بالحق وفى كثير من الأوقات بالباطل.

قد يكون هناك عذر نلتمسه لحمدين صباحى فيما قاله، فهو مطارد طوال الوقت بأنه يلعب دور الكومبارس فى الانتخابات الرئاسية، وأنه نزلها باتفاق، فليس معقولا أن يكون حمدين صباحى مصدقا نفسه بأنه يمكن أن يفوز بانتخابات محسومة منذ شهور لمرشح طالبه الناس بالترشح ولم يسع هو إليها، ولذلك يبالغ حمدين فى الهجوم على السيسى حتى يثبت أنه لا يلعب دورا ثانويا، فهو من وجهة نظر نفسه ومن وجهة كل مؤيديه منافس قوى وفرصه فى الفوز كبيرة.

قد تعذر حمدين فى تصريح لم يكن موفقا على الإطلاق حيث قال إنه لو لم ينجح فى الانتخابات الرئاسية فإن ذلك يهدد بموجة ثالثة من الثورة المصرية، دع عنك أنه بذلك يفكر بنفس طريقة الإخوان المسلمون الذين هددوا بإحراق مصر إن لم يصبح مرشحهم محمد مرسى رئيسا، فأنا أرى فى التصريح أبعد من ذلك، فهو لا يزال يعتبر نفسه مرشح الثورة ومنافسه خصما لها، رغم أن الواقع يقول أنهما كان شركاء فى الثورة، تلك الثورة التى شارك فيها المصريون جميعا ولا يمكن أن يصادرها أحد لحسابه الخاص.