غادة لبيب تكتب: حكمة بنتي ملك في يوم ميلادي ويوم المرأة

ركن القراء

بوابة الفجر

هكذا هي الحياة أيام، ويظل يوم ميلاد أي شخص مشهودًا يحتفل به ويقلق على مرور عداد العمر ويتعلم منه للقادم، وقد منحني الله ميزة ليوم مولدي بأن يتوافق مع اليوم العالمي للمرأة وخلال شهر مارس أو كما يسمونه شهر المرأة؛ ففيه نحتفل باليوم العالمي للمرأة ويوم المرأة المصرية وعيد الأم. مصادفة جميلة ومتميزة صنعت ذكرى سعيدة مع بناتي حملت مشاعر تقدير وتكريم لأمهم؛ ففى إحد أعياد ميلادي قالت لي بنتي ملك وهي صغيرة لأنك يا أمي متميزة جعل الله يوم ميلادك عيدًا عالميًا للمرأة. ويبقى اليوم العالمي للمرأة فرصة سنوية حقيقية لتحويل التحديات التى تواجه فتيات ونساء العالم إلى فرص لصياغة مستقبل أفضل للجميع، ويأتي شعار اليوم لهذا العام معبرًا حاملًا معنى مهم وهو "الاستثمار في المرأة" لتسريع وتيرة التقدم.
قضايا كثيرة ومناقشات متعمقة تثور مع احتفال المرأة كل عام، وتقييم مستمر لمستوى المتحقق في مسارات تمكين المرأة، وهي قضية حسمتها الشرائع والديانات السماوية بتكريم المرأة باعتباره منهاج حياة وليس تفضلًا أو استثناء. واكتشفت كيف أن المرأة في مصر تحظى بأوضاع أفضل من مثيلاتها في الغرب رغم ما تروجه بعض الروايات والمنظمات الحقوقية؛ ففي إحد المؤتمرات التي أقيمت في  مدريد حول المرأة في مجال الإدارة العامة قابلتني مشاركة من بلجيكا وفوجئت برؤيتها لأوضاع المرأة لدينا ووصفها بالمقهورة، فوجدت نفسي بتلقائية أرد عليها وأوضح لها كيف أنهم هم المقهورون؛ فنحن كعاملات نحصل على راتب مساوي لنظرائنا من الرجال على عكسهن فى أوروبا والدول المتقدمة، ولدينا المرأة مكرمة ومعززة ولها ولي ولها من يراعيها في جميع مراحل حياتها بدءًا بوالدها فإذا توفى الأب فالعم أو الخال ثم زوجها..يتولى جميع أمورها رجل "هي مسئوليته" ماديًا ومعنويًا، مع احتفاظها باستقلالية ذمتها المالية وميراثها دون اقتطاع. مع اعترافي بوجود بعض التحديات التى تواجه المرأة بشكل عام أحيانًا كالنظرة السلبية وعدم تقبل بعض أفراد المجتمع لعمل المرأة بسبب العادات والتقاليد السلبية، بالإضافة إلى معاناتها من صراع الأدوار نتيجة التعارض أحيانًا بين متطلبات العمل والأسرة.
وتقدم مصر القديمة نموذجًا رائدًا؛ فقد كانت النساء نظيرات الرجال، وتظل واحدة من القيم الأساسية في الحضارة المصرية القديمة هي ماعت؛ مفهوم التناغم والتوازن في جميع أدوار وأوجه الحياة لا سيما أدوار الجنسين. ففي مصر القديمة تمتعت المرأة بحقوق مساوية للرجل قانونًا بموجب مكانتها الإجتماعية وليس جنسها، فكل ممتلكات الأراضي تم توارثها في سلالة الإناث من الأم للابنة بافتراض الأمومة مسألة واقعية أما الأبوبة فمسألة تقدير. كما حق للمرأة إدارة ملكيتها الخاصة وأن تكون منفذًا قانونيًا في الوصايا، وأن تشهد في الوثائق القانونية، ورفع دعوى في المحكمة، وأن تتبنى طفلًا باسمها الخاص، على عكس المرأة في اليونان قديمًا حيث أشرف عليها كيريوس (وصي ذكر). 
وتأتى الجمهورية الجديدة بقيادتها الواعية لتؤكد أن احترام المرأة وتقدير دورها، وتمكينها وحمايتها، هو واجب والتزام وطني وليس هبة أو منحة بل هو حق أساسي لها، ومنهج حياة، فبدونه لن يتحقق أي نجاح منشود، ولذا فقد أثار إعجابي شعار احتفالية المرأة المصرية هذا العام "المرأة المصرية إيقونة النجاح"، ويؤكد ذلك ما شهده ملف تمكين المرأة المصرية من طفرة غير مسبوقة؛ فقد تضمن الدستور المصري أكثر من 20 مادة تدعم المرأة وحقوقها، ووصلت مشاركة المرأة في قوة العمل لنحو ١٧.٣٪، و٥٠٪ من خريجات الجامعات الحكومية والخاصة، وتقلدت المرأة مناصب قيادية للمرة الأولي في تاريخها، أول محافظة، أول مستشارة لرئيس الجمهورية للأمن القومي، أول رئيسة محكمة اقتصادية، أول نائبة محافظ البنك المركزي، أول رئيسة للمجلس القومي لحقوق الإنسان، ووصلت لمجلس الدولة والنيابة العامة لأول مرة منذ أكثر من 70 عامًا، وأصبحت تمثل المرأة نحو  ٢٥٪ من البرلمان ومن مجلس الوزراء و٣١٪ نائبات محافظ و٢٧٪ نائبات وزراء.
قناعتي أن المرأة الكتلة الحرجة في كل معادلة حياتية أو عملية، لديها كل القدرات وتستطيع تحقيق كل شيء شريطة أن نبنى ثقتها بالذات ونربيها على ذلك؛ لتصبح مؤمنة بنفسها ولديها حافز للإنجاز لتواجه أي تحيز ضدها بسبب نظرة قاصرة لدورها والمتوقع منها، وتجد من يدعمها حتى من الرجال أنفسهم. فخلال تجربتي الشخصية فى ساحات الحياة والعمل وجدت تشجيعًا ودعمًا من معظم رؤسائي الرجال سواء أكانوا مديرين أو وزراء أو رؤساء وزراء، وكان الانضباط والالتزام الوظيفي والكفاءة وحسن الأداء هي أدواتي لبناء الثقة وتحقيق الإنجازات، فليس من الصحيح الاعتماد على النوع عند العمل وسط فريق سواء أكان رجاليًا  أم نسائيًا فالأمر لا يرتبط بالنوع بقدر وجود معايير ومنهجية واضحة منظمة لعمل الفريق. وبحكم اهتمامي بالقراءة اطلعت على دراسات متنوعة تتحدث عن وجود اختلاف بين فريق العمل المُشكل من رجال والفريق المُشكل من نساء، وأن الفريق النسائي يغلب عليه قيمة العمل الجماعي وأما الفريق الرجالي فيركز على إنجاز العمل، فالرجال يهتمون أكثر بالأنظمة والقوانين ويركزون على إكمال المهام والاحتفاظ بالمعلومات وتحقيق الأهداف (الاهتمام بالوظيفة)، بينما يهتم النساء أكثر بالعلاقات الإنسانية ومناخ العمل، ويركزن على المشاركة وتشغيل العمليات (الاهتمام بالموظفين)، وإن كانت لا توجد دلائل وبراهين قاطعة على اختلاف فى هذا الإطار.
وتبقى المرأة أيقونة النجاح..كل عام وعظيمات مصر بخير. ومع أنه تستوقفني كل لحظة قصص نجاح وكفاح مضيئة لسيدات في مجتمعنا المحيط وحول العالم، وأشعر بالفخر والحماس لتحقيق الإنجاز في كل ملف وموقع يتم إسنادها إلي منذ أن كنت طالبة جامعية وحتى وقتنا الحالي، ولكن يظل السؤال الذي يلاحقني هو إذا كانت تلك النماذج النسائية المتميزة والملهمة تستحق التكريم، فمن أيضًا يستحقه، وتستحضرني ذكريات أسرتي وكيف كان أبي رحمه الله يدلل أمي ويعاملها كملكة متوجة.. لينطلق لساني ليتنا نكرم من يصون المرأة ويدللها. نحتاج إلى تنمية الأسرة وتقوية وتوعية عناصرها رجالًا ونساءً فى ظل تعاظم التحديات والمخاطر ليتحقق الأمن المجتمعي لنا جميعًا. ويظل عيد المرأة ملهمًا للجميع بضرورة الحلم والاستمرار في الحلم كلما تحقق الحلم السابق، فلا حياة دون أمل، ولا نجاح دون عمل وتضحية ولكل مجتهد نصيب.