بطولة المدينة والمكان بين أدب محمد عبد الجواد ودرامًا أحمد فوزي صالح

بوابة الفجر

الصداقة كما رواها علي علي، عودة ثانية للابن الضال، جنازة البيض الحار. 
هذه الثلاثية الإستثنائية لكاتبها الفَذ محمد عبد الجواد كانت هي من إجترتني للمعايشة الأدبية والفنية للمكان والمدينة عن قرب ورؤية بعين مغايرة تمامًا.

دراما

 
محمد عبد الجواد كاتب له رواية صدرت قبل الثلاثية سابقة الذِكر بعنوان 30 أبيب وحاصل على جائزة اليونسكو في التصوير الصحفي لعام 2015
مصادفة قرأت نصًا على أدب 360 بعنوان " أقمصة أبي الملونة " ومن هنا وقعت أسيرًا في نَص العنوان دون أن أعرف الكاتب وكان هو محمد عبد الجواد ومن ثم تتَبعته.

دراما

 
بارع محمد عبد الجواد في إستثارة القارئ من العنوان وغلاف الروايات وخاصة غلاف رواية عودة ثانية للابن الضال الذي يجعلك تنكب على وجهك من الحنين لمنطقتك وحَيك إن كنت من أبناء الهامش في المدن.
غلافة الرواية مع العنوان كانوا أبطال يحددون المكان عملاقًا كبيرا سيلتهمك مع النص في الداخل.
في الصداقة كما رواها علي علي شَمَمت رائحة مجاري أطراف القاهرة في أرض الجمعية بأنف عَم أحمد علي لا بذاكرتي القديمة عن الحالة العامة لهذه الأجواء  . 
قَدم محمد عبد الجواد المكان والشارع بشكل خام دون تجميل أو شاعرية أو مبالغة 
علي علي الفنان راسم جدرايات الحج في الحكاية رَوى الحكاية مكتمله الأصالة، الحب، الإخلاص، الذنب، الدنائة، الحيرة، الشهاونية وعَطب الضمير ومحاولات التملص بالتبرير.
علي علي كان بناء نفسيًا قصيصًا لعامل مضطهد إجتماعيا، مشرد، رسام بالفطرة، ساخر من البناء المجتمعي الهشَ من حوله إلا من التصنع وُلدت بطولته من رحم المكان في أرض الجمعية. 
مؤثرات المكان من الصورة العامة، المنازل، السيارات، مشاهد الخلفيه صوتيًا وبصريا من تفاصيل الشوارع كانت حاضره بقوة وكأن المكان هو من بَنى نَفسية علي علي 
غضبه، لعنة الفَن به، خيانته، إلحاده، نَزعة الضمير به.
استطاع محمد عبد الجواد أن يجعل من المكان حكاية مُشكلة لبطل الراوية.
في روايته التي لم تنشر بعد  والذي نشر منها بعض النصوص 
" الطرق الدائرية التي سلكها عبده مفتاح " 
مَرة أخرى وقفة العنوان المتتالية 
عناوينه عتيقة كثأر، قريبة كَدم في وريد، عَظيمة بالنفسي الشعبوي الخاص والخالص.
لن يُبعث في القاهرة نَبي للشوارع ولا الحواري ولا القهاوي ولا العمارات القديمة ولا لتاريخها كما بُعث عبده مفتاح ليحكي عن القاهرة. 
القاهرة دخلتها وخرجت منها دومًا على هَزيمة ولم انتصر بالقاهرة إلا في روايات محمد عبد الجواد. 
البطل في الرواية خرج بأحشاء المدينة من الداخل للخارج عكس كل التسطيح الذي وصف المدينة من قبل، دَس نفسه في تلوك أحشاء المدينة التى لكي يكتبها كما لم تكتب من قبل في بطولة مكانية للقاهرة إستثنائية. 
محمد عبد الجواد وضع قاعدة جديدة لأدب المدينة وهي أن أدب المدينة لا تكتب من الشارع ولا من السماء ولا من الأحياء الفقيره ولا العشوائيات. 
المدينة تكتب من الأحشاء وهي طبقات أعمق وأكثر هشاشة وتهميشًا من الهامش الظاهرللجميع ويحي في العقل الجمعي للقراء، الماره، السينمائيون والفضوليين 
هو كتب القاهرة بكل خيباتها، وجذوه حضورها التى لم ترى 
كتب القاهرة من مَنظور نظارات الرؤساء الشمسية، عين فوضى موظف حكومي، أفلام نادي الفيديو المُهملة، المدينة من عين إسكافي، من عين بائعي الجبنة السودانية، وحمامات المدينة الخلفية للأفعال غير الأخلاقية العابرية ومن رائحة المجاري ومن عين الأبيض والأسود وبداية الألوان في أفلام عاطف الطيب وخيري بشارة.
مع كل هذه البطولة المكانية في روايات محمد عبد الجواد بشكل غير اعتيادي لَفت نظري مؤخرًا مسلسل " بطن الحوت " للمخرج والمؤلف أحمد فوزي صالح 
أحمد فوزي صالح في حلقات المسلسل جعل المكان بطلًا أول في الحكاية 
منزل ضياء وهلال في المسلسل بحالته العامة ومجلس فض المنازعات داخله  والشارع من النوافذ في الخارج كان بطلًا مع الصوت والحركة 
حركة الكاميرا رَصدت بطولت المكان. 
صُور المسلسل في الأحشاء تمامًا، أماكن وشوارع لم تخرج للنور من قبل على الأقل بهذه الحالة 
فلا هي كانت صورة فَجة بقصد الآثارية كما قُدمت في أفلام خالد يوسف ولا هي صورة متجاهلة لتفاصيل المكان عمدًا للتركيز على النص الدرامي والأبطال.
الطبيعة الخام للمكان خرجت كاملة سواء في منطقة مربع الرمش أو مناطق شبرا والمرازيق والجيارة ومناطق خلف مصنع القمح والحطابة، ورش الفخار، باحات مصنع الطوب. 
حتى اختيار كوبري للتصوير في أحد مشاهد ضياء وهندي اعتمد احمد فوزي صالح فوق أحد الكباري كانت حركة الكاميرا تَشى أنها من عين أحدهم ينزل من على الرصيف ويتحرك على الكوبري وأظهرت هذه اللقطات والمشاهد الخطوات على الكوبري والنظره العامة على المكان بشكل قريب للمشاهد وكان توظيف مكاني مميز بالغحساس ليس بالتدقيق المركز للصورة أو النظره العامة كإنتقاله عابرة.
أحمد فوزي صالح مخرج مكان بإحترافيه، حتى في التصوير داخل فيلا الفنان عبد العزيز مخيون لم يجعل من الفيلا صنمًا جماليًا لكن أَنطق المكان بأطفال تركض بالخلفية وحركة إعتيادية رَمزت المكان وجعلته قريب وحميمي وليس بصورة نَمطية.
تابعت المخرج أحمد فوزي صالح على مواقع التواصل الإجتماعي ووجدت ضالتي ووجه التشابه له مع محمد عبد الجواد 
أحمد فوزي ينكض هو الأهر على الأحشاء يصور الهامش بطبيعته الخام على هيئة صور لأحياء المدينة الخلفية، الموالد، الصنايعية. 
أتفهم طبعًا المعاينة المكانية قبل بدء التصوير في أي عمل درامي لكن ما ينشره أحمد فوزي صالح ليست مجرد معيانه مكانية لعمل درامي أصر أن يجعل فيه من المكان بطلًا يَنبض بالإحساس الدرامي على الشاشة مع الموسيقي والأبطال في سير الأحداث. 
أراد أحمد فوزي صالح أن يقر قانونًا دراميًا جديدًا اجعلوا المكان بطلًا ناطق فإن كان هناك حوارا للأبطال فالمكان ناطق بالرواية النَفسية المكونة الأساسية لهذه الشخصيات لا يكن المكان قسم عابر من النص الدرامي لتبيان شخصية ما ودوافعها،. لا هو أردا المكان حاضرًا على الدوام كشخصية درامية 
هو مُقبل على المدينة وأحشائها كبطلًا في روايته الدرامية، ومحمد عبد الجواد نَبي رَاوي لحكاية المدينة بلا منازع في روايته الأدبية.