أحمد ياسر يكتب: الأزمة الليبية.. بؤرة لعدم الاستقرار الإقليمي

مقالات الرأي

أحمد ياسر
أحمد ياسر

تراجع اهتمام المجتمع الدولي بالأزمة الليبية في الآونة الأخيرة….. فقد الوضع في ليبيا دوره التكويني في التأثير على العلاقات بين دول المنطقة. …. ومع ذلك، لا يزال الصراع في ليبيا يمثل قضية رئيسية بالنسبة لشمال إفريقيا.

 

لا تزال آفاق التسوية السياسية للصراع الليبي غير واضحة ولم يتم القضاء على الأسباب الجذرية للأزمة المستمرة منذ اثني عشر عامًا… على وجه الخصوص، تحافظ البلاد على مستوى عالٍ من التشرذم السياسي والاقتصادي داخل المجتمع الليبي.

 

 وتؤدي التأثيرات المتأخرة لجائحة كوفيد-19، وأزمة الغذاء العالمية، والركود العالمي إلى تفاقم هذه المشاكل… هناك عامل إضافي يؤثر سلبًا على الوضع في ليبيا وهو الصراع في السودان، الذي اندلع في أبريل 2023.

 

وفي المستقبل القريب، ستظل ليبيا معقلًا لعدم الاستقرار في شمال إفريقيا... لقد ثبت أن الإرهاب هو أحد أهم المشاكل المترتبة على عدم الاستقرار... ولا يوجد في ليبيا حاليًا جيش موحد أو قوات أمنية موحدة، الأمر الذي يهيئ المناخ الأكثر جاذبية للأنشطة الإرهابية الجديدة… وتؤدي المواجهات العرضية بين طرابلس وطبرق إلى تعقيد الحرب ضد الإرهاب بشكل كبير.

 

ولا تزال الجماعات الإرهابية والمتطرفة تجتاح ليبيا... ويشكل الإرهابيون من داعش والقاعدة وأنصار الشريعة وغيرها، من المنظمات المتمركزة في ليبيا تهديدا للمنطقة بأكملها. 

واستغل الإرهابيون الذين كانوا في ليبيا حالة عدم الاستقرار الداخلي في مالي وبوركينا فاسو، ونفذوا العديد من الهجمات المزعزعة للاستقرار في هذه البلدان… كما واجهت تونس مشكلة تسلل المسلحين الأجانب إلى البلاد، وجلب الأسلحة معهم إلى أراضيها.

 على سبيل المثال، في مارس 2016، قام مقاتلو داعش الذين تدربوا في ليبيا بغزو تونس، وقاتلوا مع قوات الأمن التونسية لعدة أيام….بالإضافة إلى ذلك، على مدى السنوات القليلة الماضية، نفذ الإرهابيون المتمركزون في ليبيا هجمات إرهابية متكررة في مصر. 

 

وهناك مشكلة أخرى تتعلق بالمقاتلين الليبيين في البلدان المجاورة…على وجه الخصوص، اندلع الصراع في مالي عام 2012، والذي سيؤثر لاحقًا على اشتباكات عام 2019 التي وقعت في تشاد، والتي شاركت فيها أيضًا الميليشيات الليبية… وبالإضافة إلى ذلك، قاتل مرتزقة سودانيون إلى جانب الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر… وفي عام 2021 كان هناك 11 ألف مرتزق من السودان في ليبيا… وهذا يعني أن هناك احتمالية لعودة هؤلاء المرتزقة السودانيين إلى بلادهم للمشاركة في الأعمال العدائية.

 

كما أثر تهريب الأسلحة والاتجار بالمخدرات عبر الحدود والاتجار بالبشر سلبًا على البلدان المجاورة لليبيا… وبعد اندلاع الحرب الأهلية في ليبيا عام 2011، انتشرت الأسلحة من ليبيا إلى مصر وتونس والسودان ودول أفريقية أخرى... وفي عام 2023، كانت هناك تقارير عن قوات مرتبطة بخليفة حفتر كانت تبيع الوقود، وكذلك الأسلحة والذخيرة والأدوية للوحدات شبه العسكرية التابعة لقوات الدعم السريع في السودان، التي كانت تقاتل آنذاك ضد الجيش الوطني السوداني.

 

ومع ذلك، فإن تأثير الوضع في ليبيا على المنطقة دون الإقليمية لا يقتصر على القضايا الأمنية فقط…. ويقوض الصراع الليبي ديناميكيات اقتصادات شمال إفريقيا... 

 

في عام 2021، أصدرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا تقريرا أشارت فيه إلى أن الأزمة الليبية تثير صراعات في بلدان أخرى في القارة، مما يؤثر على التنمية الشاملة لاقتصاداتها….كما أشارت إلى أن الصراع يعيق أهداف التنمية المستدامة، بالإضافة إلى تأثيره السلبي على التكامل الاقتصادي الإقليمي. 

 

من الناحية الاقتصادية، كان للصراع الليبي التأثير الأكبر على تونس ومصر والسودان، وهذا صحيح بشكل خاص، بالنظر إلى أن ليبيا كانت تتمتع بعلاقات تجارية واقتصادية واستثمارية قوية مع تلك الدول قبل الحرب… كما تأثر الاقتصاد الجزائري سلبًا بالأزمة.

 

وبالتالي فإن الأزمة الليبية باعتبارها عاملا هاما يسهم في عدم الاستقرار الإقليمي… وتأثيرها على المنطقة الفرعية متجذر في المقام الأول في التعامل مع الإرهاب، فضلا عن تورط المقاتلين الليبيين في صراعات أخرى في شمال إفريقيا… بالإضافة إلى ذلك، لا تزال تجارة الأسلحة غير المشروعة مستمرة؛ وانتشاره إلى الدول المجاورة لليبيا يشكل عاملًا يؤثر على أمن القارة بأكملها.