مصر تُحارب "الاتجار في البشر".. تحرك رفيع المستوى يقابله توحيد لجهود المجتمع المدني

تقارير وحوارات

أثناء اللقاء
أثناء اللقاء

يمثل الأسبوع الذي شارف على نهايته، أسبوع مكافحة الاتجار في البشر، إذ يحتفل العالم بيوم 30 يوليو من كل عام، باليوم العالمي للاتجار بالبشر،  للتذكير بأهمية التوعية بالجريمة التي لا تؤثر على الضحايا فحسب، بل أيضًا على المجتمعات ككل.

وفي هذا الإطار أشارت الأمم المتحدة إلى أن ذلك بهدف الحد من التسبب في الأزمات العالمية والصراعات وحالة الطوارئ المناخية في تفاقم مخاطر الاتجار بالبشر، كما يؤثر النزوح وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية على ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم، ويجعلهم عرضة للاستغلال من قبل المتاجرين بالبشر.

والاتجار بالبشر هو جريمة خطيرة وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان، يمس الآلاف من الرجال والنساء والأطفال ممن يقعون فريسة في أيدي المتاجرين سواء في بلدانهم وخارجها، ويتأثر كل بلد في العالم من ظاهرة الاتجار بالبشر، سواء كان ذلك البلد هو المنشأ أو نقطة العبور أو المقصد للضحايا.

وبحسب بيانات الأمم المتحدة، فإن الاستجابات الوطنية ولا سيما في الدول النامية، آخذة في التدهور كما انخفضت معدلات الكشف الحالات بنسبة 11٪ في عام 2020، وانخفضت الإدانات بنسبة 27% الأمر الذي يدل على وجود تباطؤ عالمي في مجال المحاسبة على جريمة الاتجار بالبشر.


مصر تواجه الأزمة

بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر، توجَه الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بكلمة قال فيها: "أنه مع تفاقم حدة الأزمات الراهنة بدءًا من تفشى فيروس كورونا المستجد، ومرورًا بالأزمة الروسية الأوكرانية، وصولًا إلى الأزمات التي تشهدها المنطقتان العربية والإفريقية وعلى رأسها الأزمة السودانية الجارية، وجدت عصابات الاتجار بالبشر تربة خصبة لاستدراج ضحاياها ممن تأثروا من تبعات تلك الصراعات، من خلال الاعتماد على سبل حديثة تُسهِّل وقوع الأفراد في شباك الاستغلال".

وأشار رئيس الوزراء، إلى أن مصر تظل من الدول التي تسعى جاهدة لمواجهة التحديات الناجمة عن تدهور الأوضاع الإقليمية والدولية من خلال حماية كل فرد على أرضها وتوفير الخدمات اللازمة في إطار من الكرامة الإنسانية، انطلاقًا من احترامنا للمواثيق الدولية والتزاماتنا الخاصة بحقوق الإنسان.

ولفت الدكتور مصطفى مدبولي، خلال كلمته، إلى أن الجهود الوطنية المصرية خلال العام الماضي شهدت طفرة هائلة في مجال مكافحة هذه الجريمة على كافة المستويات؛ الوطنية والإقليمية والدولية، حيث تكاتفت الجهات الوطنية المعنية -تحت مظلة اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر- للعمل على الحد من مخاطر الاتجار بالبشر التي تتزايد حدتها مع تزايد التحديات التي يشهدها عالمنا وتؤثر بدورها على الظروف الاقتصادية والاجتماعية للأفراد.

وتابع: جاء إطلاق الاستراتيجية الوطنية الثالثة لمكافحة ومنع الاتجار بالبشر (2022 – 2026) لتكون البوصلة التي تحدد الطريق نحو تطوير عناصر العمل والأداء لحماية أفراد المجتمع من عصابات الاتجار بالبشر، ومن هنا، كانت الانطلاقة نحو تعزيز الجهود الوطنية في إطارها وعبر محاورها الأربعة (المنع والحماية والملاحقة الجنائية والشراكة)، لتحقيق الحماية الشاملة لضحايا الجريمة.


المجتمع المدني المصري يتفاعل مع الأزمة


تزامنًا مع اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر، نظمت مؤسسة المستقلين الدولية مائدة مستديرة بعنوان "التضامن ضد الاتجار بالبشر: نحو عالم خالٍ من الاستغلال".

شارك في المائدة المستديرة مجموعة من الخبراء والحقوقيين والتنمويين، بينهم مصريين وتونسيين.

أدار اللقاء سعيد عبد الحافظ، رئيس مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان، وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، مستعرضا جهود بعض منظمات المجتمع المدني في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية على مدار العشر سنوات الماضية، وشدد على على أهمية تركيز وسائل الإعلام على جريمتي الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين لما لها من خطورة على الشباب المصري.

وأضاف الخبير الحقوقي، أنه يجب محاسبة الدول الأوروبية التي تتعامل بقسوة وتنتهك الحقوق الإنسانية للمهاجرين.

واستعرضت بسمة فؤاد، مدير مؤسسة المستقلين الدولية، جهود المؤسسة في مكافحة الهجرة غير النظامية في وقت قصير وهو ستة أشهر، بين شهري يناير ويونيو 2023، عبر إطلاق برنامج الورشة الذي يعمل على التمكين الاقتصادي والاجتماعي للعمالة غير المنتظمة، ونجاح المؤسسة في عقد 64 تدريبا، يتضمنون 323 يوما بإجمالي 1347 ساعة تدريبية في 4 محافظات هي القاهرة والجيزة وبورسعيد والإسكندرية.

وهي تدريبات مختلفة للعمالة غير المنتظمة في مجال ريادة الأعمال والتدريبات المهنية والحرف اليدوية كالنقش على النحاس وتصنيع مواد التجميل بمنتجات طبيعية وصناعة العطور وصناعة الجلود، فضلًا عن تقديم خدمات مجانية للعمالة غير المنتظمة لهم ولأسرهم، وتدريب 1222 متدربا، يتضمنون 718 سيدة، و504 رجال.

وأكدت مدير مؤسسة المستقلين الدولية، أنه حان الوقت للمجتمع المدني المصري أن يتكاتف مع نظرائه في دول شمال إفريقيا، من أجل تحقيق أفضل النتائج المرجوة ومن ثم القضاء على هذه الظاهرة السلبية تمامًا.


مداخلة تونسية فعالة


ومن جانبه، قال مصطفى عبد الكبير، مدير المرصد التونسي لحقوق الإنسان والخبير الدولي في قضايا الاتجار بالبشر، إن الحكومة التونسية تتعامل مع ملف الهجرة واللجوء باحترام القوانين الوطنية والدولية والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها تونس، مشددا على ضرورة اعتماد خطة استراتيجية واضحة المعالم للتعامل مع ملف الاتجار بالبشر.

وأضاف أبو كبير أن معالجة ملف الهجرة واللجوء يتطلب تنسيقا مع المنظمات الدولية ودول الجوار ومع دول حوض المتوسط وأوروبا، لافتا إلى ضرورة أن يراعي الاتحاد الأوروبي الوضع الصعب الذي تمر به تونس اقتصاديا واجتماعيا، وأن يكون شريكا رئيسيا في إنجاح معالجة تونس لملف الهجرة والحد من مشاكلها وتقديمه لمساعدات حقيقية.

وشدد على أن تلك الظاهرة السلبية تتأثر بها كل بلدان العالم، سواء كانت بلدان المنشأ أو نقاط العبور أو المستقبلة، لافتًا إلى أنه يجب اتخاذ بعض الإجراءات التي من شأنها القضاء على الظاهرة، مثل:

1- إصدار قوانين فعالة واتخاذ إجراءات صارمة وتشديد الرقابة الدائمة، لملاحقة كل الأطراف الضالعة في الأمر.

2- ضرورة تطبيق القانون على الجميع والعمل على سياسة عدم الإفلات من العقاب.

3- على الدولة اشراك الجميع في مساهمات ومبادرات فعالة، وفق خطة استراتيجية وطنية واضحة المعالم للتغلب على الأزمة.


توحيد جهود المجتمع المدني


وبدوره، أشار الدكتور أيمن زهري رئيس الجمعية المصرية لدراسات الهجرة والخبير في ملف الهجرة غير الشرعية، إلى الفرق بين جريمة الاتجار بالبشر وجريمة تهريب المهاجرين، وتحدث عن جهود مصر في مكافحة الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين من إصدار تشريعات، وإطلاق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الهجرة غير النظامية وتأهيل للأشخاص من خلال وزارة التضامن.

وأكد على أن معدلات الهجرة غير النظامية في مصر سنويا هو متوسط (20) ألف مهاجر غير نظامي، مقابل مليون و400 ألف مهاجر نظامي.

وشدد على دور الجمعيات والمؤسسات الأهلية وجميع مؤسسات القطاع الأهلي في مكافحة جريمتي الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين من خلال التمكين الاقتصادي للعمالة غير المنتظمة.

ومن جانبها، شددت النائبة أمل زكريا عضو لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، على ضرورة وجود شراكات بين جميع الجمعيات التي تعمل على ملف الهجرة غير النظامية في جميع المحافظات وتوحيد الأنشطة لضمان الوصول إلى أفضل الحلول لمكافحة هذه الظاهرة الخطرة.

وتحدث أيمن عقيل الخبير الحقوقي الدولي ورئيس مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، عن أهمية التواصل مع الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان وضرورة التواصل مع المقررين الخواص بالأمم المتحدة لتنظيم حلقات نقاشية في الاستعراض الدوري الشامل حول انتهاكات حقوق الإنسان المتعلقة بالمهاجرين.

فيما أوضح الدكتور ولاء جاد، مدير الإدارة المركزية للمبادرة الرئاسية "حياة كريمة"، على أنه لا توجد رؤية موحدة لظاهرة الهجرة غير الشرعية وكيفية معالجتها من قبل المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني، مشددا على أن ذلك يؤدي إلى تفتيت الجهود المبذولة.