أحمد المسلماني يكشف شهادات من لقاء نواكشوط حول الأزمة السودانية

عربي ودولي

بوابة الفجر

أكد الكاتب الصحفي والسياسي أحمد المسلماني أن الحرب لا تحل المشاكل، بل تزيدها، وتؤدي إلى تدمير الدول وتأخيرها لعقود.

وأشار المسلماني إلى أن الفائزين في الحرب يعتبرون ثروة البلدان غنائم لهم، وهذه العقلية هي التي تحكمهم، فالنفط والذهب يذهبان إلى الفائزين، وليس إلى الوطن.

وأضاف أن الشعوب لديها خيارين فقط: صناديق الانتخابات أو صناديق الذخيرة.

وأوضح أن السودان بحاجة إلى معجزة، ولكن هذه المعجزة ممكنة، وأغلبية السودانيين يتحدثون بثقة عن نهاية الحرب، وعن إعادة الإعمار وتأسيس عقد اجتماعي جديد.

ذكر أحمد المسلماني، رئيس مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية، أنّ العلامة الشيخ عبد الله بن بيّه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي ورئيس منتدى أبو ظبي للسلم، دعا إلى اجتماع لنخبةٍ من مثقّفي دول الساحل والسودان للتباحث بشأن المعضلة السودانية، بعد شهرين من اندلاع الحرب في السودان. وفي أعقاب هذه الدعوة النبيلة، تمّ عقد "المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم" في العاصمة الموريتانية نواكشوط.

وأشار إلى عقد "المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم" برعاية الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وحضره رئيس الوزراء الموريتاني محمد ولد بلال، وشارك في اللقاء التشاوري نحو عشرين متحدّثًا، أغلبهم من السودان.

ولفت إلى لافتًا إلى مشاركته في الجلسة الثالثة التي كانت بعنوان "مقترحات للمساهمة في معالجة الأزمة في السودان".

وفي ورقته التأسيسية، قال العلامة الشيخ عبد الله بن بيّه: "هذا ملتقى علماء وليس ملتقى سياسيّين، وإذا كنّا إزاء سؤالين: من الذي أشعل النار في السودان؟ وكيف يمكن إخماد هذه النار؟ فإنّ جهدنا ينصبّ على الإجابة على السؤال الثاني".

وخلال المؤتمر، تحدّث المشاركون عن المشاهد المأساوية في السودان، حيث تفطرت القلوب من جثث الشوارع واغتصاب الحرائر.

وأشارت الدكتورة فادية أبو صالح، أكاديمية سودانية، إلى أنّ آخر راتب تم صرفه في السودان قبل شهر رمضان، وأنّ الناس يبيعون ما يملكون من ذهب نسائهم من أجل المغادرة.

وأضافت: "لقد تمّ نهب البنوك، وأمّا وزارة الداخلية فقد تمّت تسويتها بالأرض، وقصص القتل والاغتصاب أصبحت حديث كلّ يوم في الخرطوم".

وزاد المسلماني قائلًا: "في لقاء نواكشوط التشاوري قال الداعية الإسلامي محمد ماجد مدير مركز آدم في واشنطن (لقد نشأت في السودان، وشاركت في حياتي في عشرات الفعّاليات لدعم السلام في العالم، ولم أتوقّع أن أشارك في مؤتمر لوقف الحرب الأهلية في بلادي).

وأوضح أنه تحدّث والدموع تغالبه قائلًا "المشاهد المأساوية في السودان تفطر القلوب. من جثث الشوارع إلى اغتصاب الحرائر. إنّها مشاهد فوق الاحتمال".

وقال إن ما رواه الحضور في لقاء نواكشوط عبّر عنه السيّد أنطونيو جوتيرش الأمين العام للأمم المتحدة بوضوح بقوله إنّ السودان يغرق في العنف بسرعة غير مسبوقة، ويتمّ تدمير خطوط الإمداد وهدم البنية الأساسية بلا توقّف.

ونقل الكاتب الصحفي أحمد المسلماني حديث أحد الخبراء السودانيين المشاركين الذس قال: "الوضع مخيف بشكل لا يُصدّق، وقد سمعتُ أحد اللاجئين السوريين في السودان يقول: ماذا حدث لكم أيّها السودانيون. إنّ ما حدث في السودان في 8 أسابيع يضاهي ما حدث في سوريا في 8 سنوات".

وأشار إلى حديث الدكتور عبد الله برج روال الأمين العام للمجلس الإسلامي في جنوب السودان حين قال: "تعرضت دولتنا لحرب أهلية قاسية بسبب الصراع على السلطة بين الرئيس ونائبه، والتنافس على المقعد الأول. كانت التوقعات بأن يكون الشمال أكثر حكمة ولا يخوض حربًا عبثية مدمرة مثلنا، ولكن للأسف لم تتحقق هذه التوقعات وغابت الحكمة".

وذكر أن وزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة كان موفّقًا في استشهاده ببيت الشعر الشهير لزهير بن أبي سلمى "وما الحربُ إلّا ما علمتُم وذُقْتُم".

ولفت إلى أن شيخ عبد الأحد مستشار رئيس السنغال قال له: "يشهد السودان انهيارًا شاملًا، حيث تراجع إنتاج النفط بنسبة 90% خلال شهرين فقط، وزاد عدد النازحين إلى مليون شخص.

كما روى الوزير السابق نور الدين بركات تفاصيل مؤلمة عن ما حدث في دارفور، حيث قتل العديد من الفارّين من جنينة إلى أدري في تشاد، وقطع اللاجئون المسافة التي لا تتجاوز 27 كيلومترًا في 8 ساعات، وتركت جثث القتلى تتناثر على طول الطريق لعدة أيام".

ولم يفقد المشاركون في اللقاء التشاوري لدول الساحل والسودان في نواكشوط الأمل، فالسياسة هي فن الممكن، وفتح باب الأمل ليس مستحيلًا حتى لو كان محكم الإغلاق. فالأمر يتعلق بجمع ما يجمع وتجنب ما يفرق.

ووفقًا للأستاذ الفلسفي الموريتاني البارز، الدكتور السيد ولد أباه، كان بعض الهويات القبلية المتصارعة أو المتنافسة في السابق تندرج تحت سياق قبلي واحد. أما الآن، فإن التفرقة هي مصطنعة ومفتعلة. وعلى حد تعبير الشيخ عبد الله بن بيه في الورقة التأسيسية، فإن "العرب والأفارقة أشقاء ومتواصلون ومتداخلون، وأي محاولة للتفريق بينهم تعتبر محاولة ضد الطبيعة الاجتماعية والتاريخ المشترك".

وأوضح المسلماني: وظهر سعي الإعلامي الموريتاني الشيخ ولد السالك إلى إيجاد حل للوضع المتدهور في السودان، وقد طرح دور الطريقة التيجانية في هذا الصدد. وقد روى الأستاذ عبد الله ابن الشيخ ماحي إبراهيم نباس خليفة تجربة والده في زيارة دارفور ولقاء الفريق عبد الفتاح البرهان وحميدتي، حيث تمكنوا من تهدئة الوضع في غرب السودان. بالإضافة إلى ذلك، طُرحت مبادرات أخرى مثل "وجبة العشاء" لتزويد النازحين بوجبة نهاية اليوم، ورفع المصاحف في وجه الجميع للضغط الديني لوقف القتال.

ولفت إلى أن الوزير السابق نور الدين بركات قال له: "لسوء الحظّ تراجع دور الحكماء في السودان، ورحل الإمام الصادق المهدي بعد سقوط البشير بقليل. لكنّ الحكمة تظلّ في الديمقراطية، والديمقراطية وحدها".

وقال المفكّر الليبي الدكتور عارف النايض السفير السابق والمرشّح الرئاسي المحتمل للمسلماني: "الحلّ في السودان هو الحلّ نفسه في ليبيا.. الديمقراطية هي الحلّ".

وشرح الدكتور النايض رؤيته المميّزة في كلمته بنواكشوط كالتالي: "من خبرتنا في ليبيا لن ينجح أيّ حلّ خارجي، الحلّ يجب أن يكون سودانيًّا. وللأسف سرعان ما يؤدي تدخُّل المبادرات، حتى الحسنة النيّة منها، إلى إفساد الأمر".

يتحدث البعض عن الحاجة للعدالة والقصاص ومعاقبة المجرمين الذين يضرون المجتمع والدولة، ولكن يبدو أن هذا الحديث مبكر، حيث يجب تأمين الأمن أولًا. ووفقًا للعالِم الشيخ عبد الله بن بيه، يجب أن يتم إرساء السلام قبل العدالة، وليس العكس، فالأولوية للسلام، ثم يمكن أن يتم التركيز على العدالة.

قبل 67 عامًا، تأسس السودان المعاصر، وكان التحدي الأكبر منذ ذلك الحين هو الحفاظ على وحدة الدولة وقوة المؤسسات والسيادة المركزية. كيف يمكن وقف التفكك الاجتماعي ومواجهة التحديات التي تواجه الدولة؟ ومتى سيتمكن السودان من تحطيم المعادلة الصفرية التي تقول "السودان ضدّ السودان"؟.