باحث أثري يجيب بالأدلة.. هل حكم العرب الأنباط سيناء فترة من الزمن؟

أخبار مصر

الباحث تامر العراقي
الباحث تامر العراقي أمام أحد نقوش الأنباط في سيناء

انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي العديد من منشورات التي تدًعي انتماء سيناء إلى قدماء العرب والمعروفين تاريخيًا بالأنباط، وأنها وقعت تحت حكمهم سياسيًا فترة من الزمن.   

ومن ناحيته قال تامر العراقي باحث دكتوراه في الآثار والنقوش الصخرية والمتخصص في آثار نقوش سيناء، في تصريحات خاصة إلى الفجر، إن هناك إشكالية هامة يقع فيها بعض الباحثين وهي نتاج أفكار وادعاءات لا تمت للبحث والمنهجية العلمية بصلة، حيث نقل بعض الباحثين دون تروي أو تدقيق أقوال عن أن الأنباط العرب حكموا سيناء ضمن حقب زمنية ماضية. 

وحول تحليل أسباب التواجد النبطي في سيناء والصحراء الشرقية تابع العراقي قائلًا، هناك فارق بين تواجد الأنباط كأقليات أو جاليات في سيناء بعد انتهاء دولتهم وبين من يقول بأن سيناء كانت جزءً من مملكتهم. 

نقش نبطي 

وتابع قائلًا، دعونا نحلل مضمون عدد من النقوش النبطية  التذكارية المبكرة والمتأخرة الموجودة في سيناء وهي آلاف النقوش والتي يصعب تحديد وحصر عددها إلا من خلال القيام  بأعمال  مسح أثري لكل أودية سيناء وجبالها، حيث أن معظمها  أو جميعها باستثناء القليل جدًا تحمل نفس المضمون (التذكاري) وقصيرة في الشكل، في حين أن عدد النقوش النبطية في البتراء عاصمتهم 280 نقشًا فقط ومختلفة المضمون والنوع من تأسيسية وملكية الخ، وهذا يجعلنا نتساءل هل يُعقل أن يكتب ويسجل  شخص ما اسمه للذكري الخالدة مثلا وهو في بيته أو موطنه؟ أم إنه كان في سفر وبعيدا عن وطنه، لذلك نخالف الادعاء بأن  سيناء كانت ضمن ضمن حدود مملكة الانباط وليس معني استخدامهم الموانىء المصرية  وإقامة معابد ومراكز تجارية ضمن أنشطة الحياة اليومية بأنهم حكموا سيناء. 

وعلى سبيل المثال فقد عثرنا على نقش هيروغليفي لرمسيس الثالث بتيماء شمال المملكة العربية السعودية فهل يعني ذلك بأنها كانت جزءً من الإمبراطورية المصرية، بالطبع لا ولكن النقش جزءً من العلاقات التجارية المصرية وبين الجزيرة العربية. 

العلاقات النبطية المصرية

ومرت تلك العلاقات بمرحلتين، الأولي مرحلة المرور والتجارة عبر دروب سيناء والصحراء الشرقية لأنهم لعبوا دور الوسيط التجاري بين حواضر العالم القديم أثناء قيام دولتهم الموازي لحكم البطالمة في مصر وبداية العصر الروماني. 

أما المرحلة الثانية فكانت مرحلة متأخرة من استيطان ولجوء الأنباط كأقليات بعد انتهاء دولتهم  على يد الإمبراطور تراجان الروماني عام ١٠٦م، وبعدها دخلت مملكتهم ضمن الإمبراطورية الرومانية وأصبحت تسمي بالولاية العربية الرومانية، والتي كانت مصر فيها أيضًا محتلة من قِبل الرومان وعمل الأنباط بمصر تحت حكم الرومان وتأثروا بهم، الخلاصة أن سيناء لم تكن من ضمن حدود مملكة الأنباط سياسيًا.  

والأنباط كشعب لم ينته حضاريا ولكن استمر دورهم وتجارتهم عبر سيناء ضمن الدولة الرومانية وأيضًا اعتنقوا المسيحية في القرن الرابع الميلادي وكانت إبراشية فيران تتبع ابراشية البتراء، وأيضًا بعد اعتناقهم الإسلام كان لهم دورًا في مساعدة المسلمين بفتوحات مصر والشام. 

والخط النبطي استمر حتي ظهور النقوش العربية المبكرة اخذ منه الخط الحيري والانباري ثم الكوفي الاسلامي المبكر، ولدينا على سبيل المثال نقش عربي  نبطي من شرقي الدلتا المصرية عام 35 قبل الميلاد، وهذا النقش النبطي عُثر عليه في تل دفنة الأثري شرقي الدلتا في محافظة الإسماعيلية المصرية، لزاوية تخص الإله ذو الشرا، ويُلاحظ أن التأريخ كان بسنوات حكم الملكة كليوبترا ومالك النص هو ذا ربعتا ذي عبد وهب الله والنص كالآتي:   

  1. ذا ربعتا ذي عبد وهب الله
  2. بر عبد الجا بر أوس اللهي
  3. لذو شرا الها ذي بدفنا
  4. مصرية سنة 18 لملك
  5. قلفهتر وسنة 26 ت
  6. ملكو ملك نبطو ذي هي سنة
  7. نا طه شهر نيسن

والترجمة 

  1. هذه الربعة (الزاوية) التي بناها وهب الله
  2. بن عبد الجا بن أوس الله
  3. لذو الشرا الإله الذي بدفنا
  4. المصرية سنة 14 لملك
  5. كليوبترا وسنة 26 (ت)
  6. لمالك ملك النبط التي هي سنة
  7. ؟؟؟ طه شهر نيسان

ملاحظات:

  1. تتكرر صيغة الربعة هنا بمعنى الزاوية أو المعبد الصغير المخصص للإله ذو الشرا وهو الإله الحامي للأنباط.
  2. وهب الله وأوس الله أسماء مألوفة عند الأنباط وتعبر عن معرفتهم بلفظ الجلالة، وقد تم إشباع الاسم بياء بدل الكسرة المستعملة بعربيتنا.
  3. اسم عبد الجا يتردد كثيرا في نقوش الانباط وواضح أن الجا اسم إلهي، وربما هو جايا ألهة الأرض عند اليونان.

كما أن لدينا نقش نبطي من المرحلة الانتقالية من النبطية إلى العربية مؤرخ بعام 306 م من مدائن صالح شمالي الحجاز، لأب بنى قبرًا لابنته، نشرته الدكتورة ليلى نعمة، وكان من النقوش الغامضة بسبب التلف الذي أصابه، ولكن التقنيات  الحديثة أتاحت قراءته بحيث بدا مفهومًا وبصيغ قريبة من عربية القرآن

وهذا يؤكد صدق نظريتنا باستمرار الكتابة النبطية والتي جاء بعدها الخط الحيري  ثم الأنباري، وحتي الكوفي البسيط في الفترة الإسلامية المبكرة والنقوش النبطية المتأخرة مثل معظم المخربشات إن صح التعبير والتي وُجدت بكثرة في سيناء ومعظمها بعد انتهاء دولة الأنباط سياسيًا عام ١٠٦ م، وهذا دليل علي أن تواجد الانباط بسيناء كان   تجاري واستيطان حضاري ثم  لجوء فانصهار مع القبائل في سيناء ولم يكن تواجدًا سياسيًا.