حامد بدر يكتب: أبناؤنا وقضايا الوطن في العصر الرقمي

مقالات الرأي

بوابة الفجر

 

سأله أباه كعادته ماذا تفعل ؟ 
ليرد الفتي صاحب السبعة عشر عاما أشاهد بعض مواد موقع التيك توك؛ ليدور الحوار بين الأب والابن..

الأب: حدثني عن آخر ما قرأت.. 
الابن: ليس كثيرا ربما بعض المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، إن لم تقصد مناهج الدراسة. 
الأب: كلا.. بل أقصد خبرا أو كتابا
الابن:  تكفيني بعض الملخصات التي أقرأها، وتكفيني بعض المراجعات التي تصدر عن الكتب.. ولا أتابع الأخبار كثيرا
لياقطعه الأب: لكن هذا لا يكفي، ما رأيك مثلا في افتتاح بعض المشروعات الاقتصادية، أو أخبار عن معرض الكتاب ٢٠٢٣، أو خطوات التنمية والإصلاح في مصر ؟
أنت على مشارف الحياة الجامعية بعد أشهر قليلة يجيب أن تغير اهتماماتك. 
تردد الابن، ليحتج ببعض المواعيد المرتبطة بالدراسة.

انتهى النقاش


انتهى النقاش، دون سابق إنذار كما بدأ، لينشغل الأب في مكالمة هاتفية تخص مشاكل العمل، ويمضي هذا المراهق إلى حيث مبتغاه. 
إلى هنا انتهى الحوار..

لا أقول بالفعل ولا أجزم - قطعيا - أن هذا الحال ينطبق على كل الأبناء ولا في كل البيوت، ولكن في كثير من ببيوتنا صرنا أو صارت ظروف الحياة تؤهل لصناعة شخص أكثر جهلا بمجريات ما يحدث حوله في الحاضر والمستقبل. 
لقد صار واقع أبناؤنا في المستقبل ينطوي على كثير من الجهل بما يحدث في وطنه حتى، ولا أقول بما يحدث في عالمه.

ماذا صنعت الظروف؟ 
لربما الظروف الاقتصادية والتوترات السياسية خلقت أقرادا غير مبالين، كما خلقت عالما غير مطمئنا بشكل طبيعي، لربما تلك الظروف قضت على نمو حالة النقاش الفكري، وسيادة حالة الحرص بشكل أكبر على لقمة العيش. 
لقد صنعت من غالبيتنا أشخاصا يسعون نحو سد الأفواه وتَوفير استقرارا اقتصاديا للأسر، وهذا عظيم، ولكن تتضرر هذه العظمة إن لم يتخللها ممارسة فكرية ولو يسيرة لا تقضي على يقظة عقول شباب المستقبل.

 

ما صنعته التقنية الرقمية


ما صنعته بعض ولا أقصد كل منتجات التقنية الرقمية والتكنولوجيا صارت حالات من السفه، تتوغل فينا، وفي عقول أبنائنا ناهيك عما خلقته من فجوة فعلية تتسع بين الأجيال، فحديث السوشيال ميديا صار منصبا على الأحلام والطموحات، دون تحقيق واقع فعلي،لقد صارت مضامين "إنسانية وعاطفية" أكثر من كونها واقعية تناقش الحقيقة، فهي طبيعتها كوسيلة تعرض ولا تقدم الحلول.

بقايا الماضي 


أذكر حين كنت في المرحلة الجامعية كنت أذهب انا وبعض القرناء إلى المكتبات أو حتى  نوادي الأدب والفكر الثقافي سواء التابعة للجامعة أو تلك التابعة إلى قصور الثقافة، فقط لنشاهد إن لم نشاهد بعض للمباريات الشعرية والأدبية. 
أذكر كم كنا نقتطع من بعض مدخراتنا لشراء كتاب أو جريدة ورقية لقراءة مقال لبعض المشاهير، حتى من باب المعرفة أو التظاهر بها. إلا إننا نحن الآن نجد اختلافنا يتسع داخل جيل جديد يتم التحضير لكي يكون معتمدا على الشكل الرقمي اليسير، والذي يوفر شكلا مختلفا من الاسترخاء الذهني الذي يشربه بعض التشتت.

المضمون الرقمي


لقد أصبح المضمون الرقمي يواجه حالة من الانسياب المعلوماتي، والذي يصارع فيه النص الجيد الكثير من النصوص الأقل جودة؛ ليصبح المضمار يتسع للكثير، ولكن مُعدد بافتقاد الذوق.

وختاما.. ليس المقصود هنا اللوم، لكن التنبيه أبناءنا لهم حق علينا أن نشاركهم في سياقات تضمن بقاء جسور من التواصل بيننا وبينهم؛ كي لا نعاني معاناة آباءنا، التي حارت في مد هذه الجسور، وعانينا نحن الاغتراب.

خاتمة شعرية


يا جيل مصر قم أنت الفتيّ
قم يا ذا الماضي العريق
أجدادك صنعوا العهد القوي
فما ضاع تيها وما كان الغريق
أخرج إلى النور وانظر إلي
باقي الحياة اللامع البريق
واسلك سبيل العلم والفكر
تُكمل بقايانا وتكمل الطريق