أحمد ياسر يكتب: بعيدًا عن نفط الخليج

مقالات الرأي

أحمد ياسر
أحمد ياسر

اختتم الرئيس الصيني شي جين بينغ رحلته إلى المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي، بعد أن التقى بالعديد من قادة المنطقة أثناء مشاركته في القمة الأولى بين الصين والدول العربية وقمة مجلس التعاون الصيني الخليجي.

بالإضافة إلى استمرار إعادة الارتباط الدبلوماسي للصين مع العالم بعد سلسلة من الاجتماعات حول مجموعة العشرين الشهر الماضي، وأكدت زيارة شي على كيفية تعميق العلاقات بين الصين ومجلس التعاون الخليجي وتنويعها حيث يسعى الجانبان إلى تحقيق تأمين مستقبلهم الاقتصادي.

تعهدت الصين والمملكة العربية السعودية بترقية شراكتهما وأعلنا عن مجموعة من الصفقات التي تغطي قطاعات مثل الطاقة وتكنولوجيا المعلومات والخدمات السحابية والخدمات اللوجستية والبناء.

بالطبع، يظل الوقود الأحفوري محوريًا لهذه العلاقة سريعة النمو…. الصين هي أكبر مستورد للنفط في العالم والمملكة العربية السعودية هي أكبر مصدر في العالم. ففي أكتوبر، أنتجت المملكة 10.9 مليون برميل من النفط الخام يوميًا، مع إضافة الإمارات العربية المتحدة والكويت 3.5 و2.8 مليون برميل آخر على التوالي.

لكن الإمدادات المحدودة، والمخاوف المتزايدة بشأن تغير المناخ، والتحول إلى الوقود الأنظف، ألقت بظلالها على عائدات النفط طويلة الأجل، حتى لو أدت الحرب في أوكرانيا وأزمة الطاقة الناتجة إلى إعادة الطاقة إلى الدول البترولية في الوقت الحالي، وللتعامل مع هذا التحدي طويل الأمد، تتخذ دول الخليج محورًا اقتصاديًا بعيدًا عن الاعتماد على صادرات النفط إلى الغرب.

المكون الأول:

لهذا المحور هو التحول نحو الاقتصادات الآسيوية سريعة النمو، وفقًا لمعدلات النمو الحالية، من المقرر أن تصل التجارة بين دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا الناشئة - وهي مجموعة تضم الصين والهند ومعظم أعضاء رابطة دول جنوب شرق آسيا - إلى نحو 578 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030، متجاوزة التجارة مع الاقتصادات المتقدمة، وفقًا لتوقعات بيت آسيا.

وتلعب الصين دورًا كبيرًا في إعادة توجيه منطقة الخليج، وقد تضاعفت تجارتها مع دول مجلس التعاون الخليجي منذ عام 2010، وشكلت العام الماضي علامة فارقة: حيث تجاوزت تجارة دول مجلس التعاون الخليجي مع الصين تجارة المجلس مع الولايات المتحدة، ومنطقة اليورو للمرة الأولى.

في غضون ذلك، بلغت تجارة الصين مع السعودية 81.7 مليار دولار، متجاوزة بذلك تجارة الرياض المشتركة مع الولايات المتحدة ومنطقة اليورو والمملكة المتحدة.

الجانب الثاني:

 من المحور الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي في التنويع بعيدًا عن الهيدروكربونات في القطاعات الناشئة، وذلك باستخدام عائدات وفيرة من أسعار النفط المرتفعة لدعم الاستثمار في البنية التحتية وقطاعات التكنولوجيا المتقدمة، كما ينعكس في خطط مثل رؤية المملكة العربية السعودية 2030، ورؤية الكويت 2035.


تتوافق نقاط قوة الصين ونهجها في التنمية بشكل جيد مع برامج التنويع الاقتصادي هذه، في حين أن منطقة الخليج غنية، إلا أنها محدودة إلي حد ما في البحث والتطوير التكنولوجي، وتعتبر الشركات الصينية، التي تتمتع بنقاط قوة في تكنولوجيا اتصالات المعلومات والابتكار والبنية التحتية، شركاء مثاليين لهذه الدفعة، وهي تحقق بالفعل نجاحات كبيرة في المنطقة.


تعد التكنولوجيا النظيفة نقطة ساخنة للتعاون، حيث تستعد دول الخليج للحياة بعد النفط،  خلال زيارة شي، وقعت الشركات الصينية والسعودية اتفاقيات استثمار للهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية، وأبرمت شركة" إنفولت موتورز" الصينية  عقدا ً لبناء مصنع للسيارات الكهربائية لإنتاج 100،000 سيارة سنويًا.

وشكلت الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أيضا نقاط محورية للتنمية المشتركة،  ووقعت شركة "هواوي"، مؤخرًا اتفاقية مع وزير الاتصالات السعودي لإنشاء 10 جيجابت في الثانية للإنترنت عبر الهاتف المحمول ومنشأة للحوسبة السحابية في المملكة.

ويسلط حضور هواوي المتنامي في المنطقة الضوء على عامل آخر يدعم تطوير العلاقات الاقتصادية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي - الجيوسياسية، وعلى وجه الخصوص الاهتمام المشترك ببناء شراكات على الساحة العالمية خارج مدار واشنطن، بينما وجدت هواوي نفسها على نحو متزايد خارج الأسواق الغربية مع تزايد التوترات مع الولايات المتحدة وحلفائها، وجدت شركة الاتصالات الصينية العملاقة أن الشرق الأوسط أكثر ترحيبًا.

على عكس القوى الكبرى الأخرى، ظلت الصين بعيدة عن الخلافات الإقليمية وتواصل الحفاظ على علاقات قوية مع جميع دول الخليج والشرق الأوسط الكبير، وهي واحدة من الدول القليلة التي تتمتع بشراكات استراتيجية شاملة مع الخصمين الإقليميين الرئيسيين الرياض وطهران.

موقف بكين الإيجابي يقف على النقيض من الولايات المتحدة، التي تحمل عبئا ً تاريخيًا ثقيلًا من تدخلاتها في المنطقة، وبينما تشارك في مواجهة طويلة الأمد مع إيران ترى أيضًا العلاقات مع المملكة العربية السعودية في الحضيض.

أضافت زيارة شي إلى المملكة العربية السعودية قوة دفع إضافية لعلاقات الصين المتينة مع المملكة، وسيجتمع قادة البلدين كل عامين بموجب اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الجديدة، وتتجه الأنظار الآن إلى المعالم التالية في هذه القصة التي تتكشف، ويمكن أن يكون إحدها توسع منظمة شنغهاي للتعاون في الشرق الأوسط.، والتي من الممكن أن تضم المملكة العربية السعودية، وهي بالفعل شريك في حوار منظمة شنغهاي للتعاون.

هناك عنصر آخر يجب مراقبته وهو المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، والتي يقال إنها في مرحلتها النهائية والحاسمة، وستكون العلاقة بين الصين والخليج علاقة جديرة بالمراقبة حيث يسعى الجانبان إلى تنويع اقتصاداتهما وعلاقاتهما الخارجية في عالم يتزايد فيه الغموض.