حكاوي النصر.. اللواء صبرى سراج دفعة الشهيد عبد المنعم رياض فقد ذراعه وتحولت آلامه لسعادة

تقارير وحوارات

حرب أكتوبر
حرب أكتوبر

حلت أول أمس الخميس الموافق السادس من أكتوبر 2022، الذكرى الـ49 لنصر أكتوبر المجيد، يوم نجح الجيش المصري بمساعدة أشقائه العرب في تحطيم خط بارليف ورفع علم مصر الغالية على الضفة الشرقية لقناة السويس، بعدما أقسموا على عدم العودة إلى ذويهم قبل تحقيق النصر وهزيمة الأعداء.

وسطر الجيش المصري بأحرف من نور تاريخًا ذهبيًا لن يمحوه الزمن، بعدما انتصر على العدو الصهيوني وطرده من شبه جزيرة سيناء، ليثبت للجميع أن المصري لا يتهاون ولا يفرط في شبر واحد من أرضه ولو كلفه ذلك حياته.

ونقدم لكم في السطور التالية، قصة لأحد أبطال نصر أكتوبر العظيم، وهو اللواء صبري سراج والذي كان لاعبا في صفوف الزمالك، قبل أن يلتحق بالجيش للزود عن بلاده ويفقد ذراعه ثمنا لعودة أرضنا.

كان اللواء سراج أحد أفراد الدفعة 59 حربية، والمعروفة بدفعة "عبدالمنعم رياض"، والتي عرف عنها أنها لن تتخلف عن اججتماع واحد طوال 40 عامًا حيث كانت تعقد اجتماعا في أو ثلاثاء من كل شهر، دون ملل أو حماس.

الثلاثاء من أول كل شهر موعد مقدس لا يمكن أن ينساه اللواء صبرى سراج، نائب رئيس الزمالك الأسبق، فهو الاجتماع الشهرى لدفعة 59 حربية، والمسماة بدفعة «الشهيد عبد المنعم رياض»، التى ايتمرت لسنوات طويلة ولم يتخلف أعضاؤها عن حضور الاجتماع إلا لظروف طارئة، وفى كل مرة ودون أى ملل أو حماس.
ونالت الدفعة "59" حربية شرف التسمية على اسم الشهيد الراحل عبدالمنعم رياض، وحرص سراج وزملائه على حضور الاجتماع ومن بقي من القادة على قيد الحياة، إذ تعد الدفعة هي الأخيرة فى كلية الحربية، وتم إطلاق اسم عبد المنعم رياض عليها بعد استشهاده على الجبهة.

بطلنا اليوم هو اللواء صبري سراج، وهو أب لولدين هما كريم وعمر، كما أن له عدة أحفاد هم عمر وندى وفاطمة وليلى، حيث اعتاد الحديث معهم عن ملحمة أكتوبر المجيدة، والبطولات التي قدمها هو وزملائه.

ويقول صبري سراج إنه كان على الجبهة فى فرقة المشاة يتدربون على اقتحام النقطة الحصينة للعدو فى كبريت، ويومها سقطت مصابا وفقدت ذراعى، ما يدل على شدة التدريب الذى كانت به خسائر بشرية، وهو التدريب الذى ساهم فى رفع القدرة القتالية.

وقال اللواء صبري سراج أن يوم نجاح زملائه فى اقتحام نقطة كبريت ورفع العلم المصرى شعر بأنه لم يفقد ذراعه هباء، وأنه من أجل هذه اللحظة كان مستعدا للتضحية بحياته، كما فعل الكثير من زملائه، الذين رويت أرض سيناء بدمائهم الطاهرة.

ورفض بطلنا صبري سراج إحالته على المعاش، رغم انتقاله إلى جهاز الرياضة العسكرى، ومع إعلان الحرب كان دائما يتواجد فى المستشفيات للشد من أزر زملائه المصابين ورفع معنوياتهم وإن أى إصابة تعرضوا لها تهون أمام الوطن.

تزوج اللواء سراج من لاعبة السلة بنادي الزمالك مؤكدا أنها أكثر الداعمين له على مدار مسيرته، حيث قال في أحد حواراته إنه يدين لها بالفضل، موضحا أنه بعد أن كبر نجلاه وبدآ فى الاستيعاب كان أول سؤال لهما: "أين ذراعك يا بابا؟"، فكنت أقص عليهما كيف تعرضت للحادث وأسرد لهما بطولات الجيش المصرى وحجم التضحيات، وهما يطلبان منه كل ليلة أن يحكى لهما نفس القصص دون ملل، بل كان يشعر  بالفخر فى عيونهما.

مرددين: نحن أبناء البطل، وتمر الأيام والسنوات ويرزقنا الله بأحفاد ويتكرر منهم نفس السؤال: "أين ذراعك يا جدى؟"، وأعيد الكرة، والمدهش أنهم خلال كل الزيارات العائلية يتجمعون حولى لأروى لهم قصص حرب أكتوبر، وكم تكون سعادة أحفادى حينما يتعرف علىّيه أحد الأشخاص ويقول لهم جدكم بطل.

كان يحكي البطل اللواء صبري سراج لعائلته إن جيل أكتوبر حتى الآن رغم كل ما حدث لم يأخذ حقه، فهناك الكثير من القصص الإنسانية والبطولات لاتزال غائبة وحال سردها ستكون بمثابة طاقة نور للشباب، مشيرا إلى أنه دائما ما يرد على أبنائه وأحفاده حينما يتحدثون عن الظروف الصعبة التى تمر بها البلاد بأن يروى لهم ظروف مصر قبل حرب أكتوبر، حيث كانت الحالة المعيشية صعبة للغاية للمواطن المصرى، الذى لم يكن يجد حتى العيش، وكانت السيدات تخبزن فى المنازل، حتى الصابون لم يكن موجودا.

ويروي صبري سراج ما حدث خلال الحرب قائلًا: "كنت أنا شقيقى الاثنان فى الجيش، وعندما تم إعلان خبر الحرب خرجت والدتى إلى الشارع تحركها عاطفة الأمومة تصرخ أولادى فى الحرب ربنا ينصرهم ويرجعهم سالمين.. والكثير من الأمهات انتظرن أبناءهن ولكنهم لم يعدو واحتسبنهم شهداء.

كان صبري سراج لاعبا ضمن فريق سلة الزمالك ومعه اثنان من زملائه فى الفريق استشهدا هما الرائد مبارك عبد المتجلى، أحد أبطال الصاعقة فى معركة الدفرسوار، والذى تغنى زملاؤه ببطولاته وتدميره دبابات العدو وانتقامهم منهم بضربه بقذيفة شديدة الانفجار، حولته إلى أشلاء، وكذلك الشهيد الملازم أول سمير عبد الله، من سلاح المهندسين، وسقط شهيدا على المعابر.
ووكانت الحالة المعنوية لمصابين حرب أكتوبر مرتفعة ولم يكنوا محتاجين لمن يرفع معنوياتهم، وهو ما أكده اللواء صبري سراج حيث قال: "كنت أجدهم يتحدثون عن البطولات ومن استشهد من زملائهم وأنهم يأملون فى سرعة الشفاء للعودة من جديد للجبهة وحمل السلاح والقتال"، مؤكدًا أنه مما شاهد من عجائب الخالق ملازم أول محمد توكل، ابن المنصورة، الذى أصيب بطل نارى واستقر المقذوف فى دماغه، وهو ما يعنى أنه فى عداد الموتى لا محالة، ولكن الأشعة التى أجرها أثبتت أن الطلقة استقرت فى الجمجمة دون أن تسبب فى أى تلف فى المخ، وأنه من الأفضل تركها دون إجراء جراحة، وكل ما فعله أنه جلس يضحك ويحمل معه الأشعة التى تثبت استقرار الطلقة فى دماغه ويردد "مش هتمنعنى الطلقة وهرجع الجبهة".

إن روح أكتوبر المجيد لم تكن شعارات، فروح أكتوبر بالفعل قادت مصر إلى انتصار عظيم تحطمت معه أسطورة الكيان الصهيونى بأنه الجيش الذي لا يقهر، وهي الروح التي جعلت الأبطال الذين كانوا شبابا فى المعركة وأصبحوا شيوخا مستعدين مجددا لحمل السلاح للدفاع عن وطنهم وتجد هؤلاء من أشد المدافعين عن وطنهم، وتجد الحماس فى حديثهم لحث الشباب على حمل أمانة الوطن والصبر على أى ظروف اقتصادية، التى تهون أمام ما يواجه وطننا مصر الغالية.

إن مرارة الهزيمة في عام 1967 لم ينتج عنها سوى إصرار وعزيمة نابعة من روح أبية رفضت الاستسلام والتفريط في التراب، عزيمة أبناء الشعب المصري، بكل طوائفه وبكافة المجالات، هي من عززت صمود القادة والجنود على الجبهة، حيث لم تسجل حالة سرقة واحدة خلال الفترة ما بين النكسة والحرب، كما أن الفن لعب دورا كبيرا في تأجيج روح العزيمة لتشهد تلك الفترة غزارة فنية بكلمات وألحان أشعلت نفوسنا وزادت كرهنا للعدو، لتمر 49 سنة على هذا النصر الذي أعاد للعرب كرامتهم من جديد.