"منذ القدم وحتى محمد علي".. خبير أثري يكشف عن سيناء الحضارية عبر التاريخ

أخبار مصر

قلعة صلاح الدين في
قلعة صلاح الدين في سيناء

يأتي عيد تحرير سيناء هذا العام تالى ليوم عيد القيامة وفى نفس يوم شم النسيم وفى العشر الأواخر من رمضان وفيهم ليلة القدر خير من ألف شهر وفى ضوء هذه المصادفات تلاقت كل رموز الديانات والحضارات ومن هذه المفردات ودلالاتها يرصد عاشق سيناء خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار المفردات الحضارية على أرض سيناء عبر عصورها التاريخية المختلفة والتي تبرز ملامح من الاكتشافات الأثرية منذ استردادها. 

الإنسان الأول

وأوضح الدكتور ريحان أن الإنسان الأول بسيناء عاش فى مبانى حجرية يطلق عليها أهل سيناء النواميس، وأثبتت الدراسات المختلفة أنها تعود إلى عصر البرونز المبكر، وقد كشف عالم الآثار البريطانى بالمر  عام 1869 عن مجموعة من هذه النواميس قرب عين حضرة ( طريق كاترين – نويبع) وقرب نويبع عثر بها على رؤوس سهام ودبابيس نحاس، وكشف روزنبرج عام 1967 عن مجموعة أخرى قرب عين حضرة وهذه النواميس تشبه خلايا النحل متجمعة وشكلها دائرى يتراوح قطرها ما بين 2.5 إلى 4م وارتفاعها 3م، مبنية من بلاطات مسطحة كبيرة من أحجار غير منحوتة ويرجّح أنها معسكرات محصنة لأقوام يعتمدوا على رعى الأغنام استخدموا المساحات المفتوحة بين هذه الدوائر للأغنام والقطيع.

المصري القديم في سيناء 

وفى عصر مصر القديمة حرص قدماء المصريين على إرسال البعثات لتعدين الفيروز فى سرابيط الخادم، والنحاس في وادي النصب الغربى وكانوا يستخدمون ميناء أبو زنيمة عند التوجه إلى سرابيط الخادم وميناء أبو رديس عند التوجه إلى وادي المغارة، ففي الأسرة الرابعة (2613- 2498  ق.م.) أرسل سنفرو والد الملك خوفو بعثات لوادى المغارة لإحضار الفيروز والنحاس وهناك نقوش بوادى المغارة عن هذه البعثات وقد اعتبر المصريون سنفرو حاميًا لهذه المنطقة بجانب المعبودة حتحور والمعبود سوبد، والسبب فى ذلك ما قام به من أعمال لتأمين حدود مصر الشرقية وأرسل خوفو بعثات لوادى المغارة لإحضار الفيروز وتوالت الحملات بعد ذلك.

مناجاة موسى

وينوه الدكتور ريحان إلى مباركة سيناء بمناجاة نبى الله موسى عند شجرة العليقة المقدسة والتجلى الأعظم حيث تلقى نبى الله موسى ألواح الشريعة.

دخلها العرب منذ القدم

وعمر أرض سيناء الأنباط قادمون من الجزيرة العربية والشام وأسسوا مملكة كبرى عاصمتها البتراء في الأردن حاليًا منذ القرن الرابع قبل الميلاد وحتى عام106م نهاية دولتهم سياسيًا مع استمرار أنشطتهم التجارية، وكان للأنباط طريق بسيناء من أيلة (العقبة حاليًا) على رأس خليج العقبة إلى ميناء دهب ومنها بريًا إلى وادى فيران مارًا بجبل موسى إلى رأس سدر وعيون موسى حتى ميناء القلزم (السويس) ثم برًا إلى نهر النيل ومنه للإسكندرية لتبحر إلى أوروبا.


واستخرج الأنباط الفيروز من وادى المغارة والنحاس من وادى النصب بسيناء وتركوا نقوشًا عديدة فى أودية سيناء مثل وادى المكتب، وادى أجلة فى محيط وادى فيران  ووادى عرادة  وهضبة الدفادف وهضبة حجاج بين كاترين ونويبع ودهب ووادى طويبة ووادى أم سدرة بين طابا والنقب، وكشف الفرضة البحرية لميناء الأنباط بدهب وهو الموقع الذى يخدم الميناء وبه مخازن البضائع وفنار لإرشاد السفن ومكاتب وسكن عمال الميناء وكذلك مركز تجارى ودينى للأنباط بقصرويت بشمال سيناء. 

العائلة المقدسة في سيناء 

ولفت الدكتور ريحان إلى عبور العائلة المقدسة قادمة من فلسطين إلى مصر عبر طريق شمال سيناء من رفح إلى الفرما، وبدأت حركة الرهبنة بسيناء فى القرن الثالث الميلادى لقدسية المكان من وحى الله عز وجل لموسى عليه السلام بالإضافة لطبيعة المكان المنعزلة المناسب لحياة الرهبنة وتوفر مصـادر المياه من عيون طبيعية وآبار وأمطار وأنشأت الإمبراطورة هيلانة أم الإمبراطــور قسطنطين فى القرن الرابع الميلادى برجـين وكنيسة عند شجرة العليقة الملتهبة من يدخلها حتى الآن يخلع نعليه تأسيًا بنبى الله موسى. 

وفى منطقة وادى فيران التى تبعــد 50كم شمــال غرب دير سانت كاترين تأسست هناك أبرشية منذ القرن الرابع الميلادى وكان أول مطران لها هو نيترا الذى عاش فى الربع الأخير من القرن الرابع إلى الربع الأول من القرن الخامس الميلادى كما تجمع عددًا من الرهبان حول مصادر المياه بشمال سيناء ولقد كشف العديد من الآثار المسيحية من أديرة وكنائس بشمال سيناء، وبنى الإمبراطور جستنيان دير طور سيناء فى القرن السادس الميلادى وخصص للعذراء مريم وفى القرن التاسع الميلادى أطلق على الدير دير سانت كاترين تخليدًا لذكرى سانت كاترين بعد أن عثر أحد الرهبان على بقايا جثامينها فوق أحد جبال سيناء الذى سمى باسمها فيما بعد وهو أعلى جبال سيناء2639م فوق مستوى سطح البحر، كما بنى دير آخر في القرن السادس الميلادى مكتشف بقرية الوادى 5كم شمال طورسيناء

عمرو بن العاص في سيناء 

وتابع الدكتور ريحان أن عمرو بن العاص رضى الله عنه دخل مصر عن طريق سيناء ووصل الفرما فى شهر(ربيع الأول سنة 16هـ، يناير 640 م)، وتعرض الفاطميون عن طريق سيناء لخطر الصليبيين فتقدم بلدوين الأول (512هـ، 1118م) بجيش عن طريق شمال سيناء ووصل غزة ثم العريش وبحيرة سربنيوس التى عرفت فيما بعد باسمه (بحيرة البردويل) وعجز أن يتابع سيره داخل مصر فعاد من حيث أتى ومات بسيناء ثم حمل جثمانه إلى القدس ودفن بكنيسة القيامة، وانتشرت المنشئات الدينية بسيناء مثل الجامع الفاطمى داخل دير سانت كاترين ومسجد على قمة جبل موسى ومسجدين بوادى فيران ومسجد قاطية.

في عهد صلاح الدين 

وخرج صلاح الدين عام (566 هـ، 1170م) عن طريق سيناء بمراكب مفككة حملها على الإبل ولما وصل إلى أيلة ركب تلك المراكب وأنزلها البحر وقاتل أيله برًا وبحرًا حتى فتحها وترك بها حامية أيوبية وعاد إلى مصر وشيد بسيناء قلعته الشهيرة بجزيرة فرعون وقلعة الجندى برأس سدر وكان له طريق خاص بوسط سيناء يسمى طريق صدر- أيلة هو الممر الرئيسى لجيوشه من القاهرة

في عهد المماليك 

وفى عهد المماليك البحرية (648 – 784 هـ، 1250 – 1382 م) استرجع السلطان بيبرس البندقدارى أيله بعد أن أعاد الصليبيون احتلالها، وزار مكة بطريق السويس - أيلة وصارت هذه الطريق هى طريق الحج المصرى منذ ذلك الوقت وحتى عام 1884 حين اتخذت طريق البحر الأحمر إلى جدة، وفى عهد السلطان منصور قلاوون مهّد نقب العقبة فى درب الحج المصرى وفى عهد الملك الناصر محمد بن قلاوون حجّ إلى مكة متخذًا هذا الطريق، وتم كشف ميناء الطور المملوكى الذى خدم حركة التجارة بين الشرق والغرب عبر سيناء حتى افتتاح قناة السويس 
وفى عهد المماليك الجراكسة (784 – 922 هـ، 1382 – 1516م)  بنى السلطان قانصوة الغورى القلاع على درب الحج ومنها قلعة نخل بوسط سيناء وقلعة العقبة، وفى العصر العثمانى (923 – 1213 هـ، 1517 – 1798 م)  بنى السلطان سليم الأول  قلعة الطور المندثرة الآن، وبنى السلطان سليمان (926-974هـ، 1520-1566م) قلعة العريش ورمم قلعة نخل

الحملة الفرنسية في سيناء  

ويشير الدكتور ريحان إلى علاقة الحملة الفرنسية بسيناء فمنذ عام 1798 أقر نابليون امتيازات لدير سانت كاترين فى منشور خاص للرهبان شمل تعيين ضابط لحماية الرهبان كما أعفى الرهبان من الرسوم الجمركية ودفع الضرائب كما أمر بإصلاح الجدار القديم لدير سانت كاترين الذى تهدم بفعل الزلازل فى القرن الرابع عشر الميلادى.

محمد علي وسيناء 

وحين تولى محمد على حكم مصر (1805-1848م) كانت سيناء بالطبع ضمن ولايته وفى عام 1825 أرسل مهندس فرنسى أسمه الموسيو لينان إلى بلاد الطور الذى درس معادنها ورسم خارطة لها وسمى نفسه هناك عبد الحق وكانت الخارطة التى رسمها هى أول خارطة وضعت لسيناء فى التاريخ الحديث
وزار عباس الأول بن طوسون بن محمد على (1848 – 1854) سيناء وبنى حمام فوق النبع الكبريتى بمدينة الطور ومهد طريقًا من دير سانت كاترين إلى قمة جبل موسى وشرع فى بناء قصر جميل على جبل تلعة غرب جبل موسى ومد طريق للعربات من الطور لهذا القصر ولكنه توفى قبل أن يكمله  وأسس سعيد بن محمد على (1854 – 1863) محجر الحجاج بطور سيناء عام 1858.
وتحتضن نويبع النقطة العسكرية المتقدمة وهى أقدم مركز بوليس بسيناء ومصر عامة تعود إلى عام 1893وكذلك قصر عباس ومساكن عباس بسانت كاترين