رامي المتولي يكتب: دراما أمين راضى ويسرى نصر الله “منورة بأهلها”

مقالات الرأي

رامي المتولي
رامي المتولي

توصف القاهرة بالعديد من الصفات، منها التى استخدمها المؤلف محمد أمين راضى فى مسلسله كعنوان «منورة بأهلها»، حيث الجملة الشهيرة والمكونة من مقطعين والتى تقال دائمًا عندما يصل أحدهم إلى العاصمة العملاقة مترامية الأطراف، فيحيى الطرف المقيم قائلا: (القاهرة منورة) ويأتى الرد من القادم بأن المدينة (منورة بأهلها)، الأمر فى المسلسل يتخطى هذه الجملة، وتعبيرها عن حالة الهجرة الداخلية الدائمة إلى القاهرة حيث تتحقق الأحلام أو على الأقل هناك بداية الطريق لتحقيقها، تكرار الجملة على لسان الشخصيات القادمة من باقى مناطق مصر إلى القاهرة، ومصيرهم المأساوى جعلها أشبه بالسخرية من هذه المدينة العملاقة أو ربما الأحلام التى يحلم القادمون إليها، وكلهم أمل فى تحقيقها والسذاجة فى الاعتقاد أن المدينة ستفتح ذراعيها للقادمين اليها.

اللافت أنه فى المسلسل كلا الجانبين أشرار وأبرياء قادمون من خارج القاهرة، وعلى أرضها تحدث تفاعلاتهما، هذا إذا اعتبرنا أن هناك أشرارا وطيبين بالمعنى التقليدى فى أعمال محمد أمين راضى حيث الكل مدان والكل برىء، هى اختيارات الفئة الأخيرة التى قادتهم للندم، وهو الحمل الذى تحمله الفئة الأولى ويدفعهم إلى ارتكاب مزيد من الشرور، فى النهاية الجميع مثار تعاطف مهما حدث كما أنهم مثار استهجان.

الخيال والقدرة على غزله بشكل شديد المتعة والتشويق هو أداة محمد أمين راضى الأولى لذلك من الصعب دائما أن يُحدد هذا الخيال داخل إطار مستطيل، يحتاج هذا التحول من الورق إلى الشاشة إلى خيال موازى يستطيع تحويل الألوان الأحادية على الورق إلى باليت ألوان شديد الثراء، يسرى نصر الله مخرج المسلسل نجح فى ذلك وبمستوى مبهر، لا فى تصوير غرابته حسب الجو العام للمسلسل لكن ببساطته وواقعيته فى التعبير كثير من الأحيان، على الرغم من الأحداث الخيالية والغرائبية لكن فى نفس الوقت نشاهد هذه الشخصيات حولنا يوميًا دون الجانب الغرائبى، نرى هذه الأحلام فى وجوه القادمين ونقلها إلى الشاشة بهذه الصورة الصادقة ربما شعر ببعضها المؤلف وهو يحمل حلمه إلى القاهرة، خاصة أن البطل الرئيسى قادم مثله من السويس، التى لها دائما مكان فى أعماله.

الدراما التليفزيونية ليست المجال الذى يشتهر به يسرى نصرالله، السينما بل هى المنطقة الآمنة له، وما بين الوسيلتين يظل دائمًا هناك فاصل بين طبيعة كل وسيط حتى ولو أصبحوا فى الوقت الحالى بسبب التقدم التكنولوجى وكثرة استخدام التكنيكات السينمائية فى الأعمال التليفزيونية، فى حالة «منورة بأهلها» الفاصل واضح جدًا، وجودة إخراج العناصر الفنية فى المسلسل خاصة به وبعالمه، وكونه يحمل الشكل التليفزيونى وأنه عُرض على منصة، لا إخراجها بشكل سينمائى، مما يؤكد أن العودة للأصول هو السر وراء النجاح، فهناك سيناريو قوى وهناك مخرج قوى وبتعاونهما تتحقق المعادلة ويُنتج عمل فنى جيد بلغته الخاصة وفى الوقت ذاته ممتع وجماهيرى، أى أن الجمع بين ما هو فنى وتجارى ليس صعبًا خاصة لو التزم كل عنصر من العناصر الفنية بالدور المرسوم له حتى يخرج عمل محدد الملامح يحمل بصمة مميزة لا ببصمات متعددة تأتى من النجم والمنتج والمؤلف والمخرج كل منهم يضع إضافته بشكل منفرد كما يحدث فى العديد من الأعمال فى الوقت الحالى.

العناصر الفنية لها دور أساسى ولا غنى عنه فى رسم الصورة الكلية كتصحيح الألوان والملابس والديكور والتصوير والمونتاچ والخدع البصرية وعلى رأسهم اختيار النجوم، هناك جهد واضح اختيار أبطال العمل وملائمتهم لطبيعة الشخصيات ومع هذا الاختيار تأتى واحدة من أهم أدوات يسرى نصر الله وهى توجيه الممثلين، والتى تحولت إلى واحدة من أكثر النقاط المميزة فى المسلسل فجميعهم على اختلاف الخبرة خارج المناطق الآمنة التى عادة نراهم فيها، على الأخص باسم سمرة الذى ترك الشخصية المكررة فى العديد من الأعمال السابقة وكذلك الحال مع عباس أبوالحسن الذى صنع النسخة الشريرة المختلفة أيضًا عن النسخة المقررة التى يقدمها فى أعماله السابقة، فى الوقت الذى ما زال فيه أحمد السعدنى يختار أدواره بعناية شديدة فى الفترة الأخيرة وملاحظ تطور كبير فى أسلوبه وأدائه للأفضل.

بالطبع المسلسل يمثل كسرا للحالة النمطية والتقليدية التى اعتاد عليها الجمهور من المسلسلات، لهذا السبب تم تصنيفه للكبار فقط مع احتوائه على مشاهد العنف والأفكار الفلسفية والوجودية التى تجعله مواكبًا للمسلسلات العالمية، والتى تعرض عندما تحمل نفس الصفات على المنصات الإلكترونية نظرًا لطبيعة جمهورها الذى يتفاعل بشكل أكبر مع هذه النوعية من المسلسلات حسب ذائقته.