د. رشا سمير تكتب: في ختام معرض الكتاب..تحديات وعثرات وتوصيات

مقالات الرأي

بوابة الفجر

                          

منذ أيام أسدل الستار على معرض القاهرة الدولي للكتاب ال53.

لملم الناشرون ما تبقى من أعمالهم..وعاد الأدباء إلى مقاعدهم..وحمل القراء حقائبهم وفتحوا الصفحات ليبدأوا الرحلة.

إنتهى العرس وانفض المولد..وبقيت التوصيات والتحديات والمشاركات.

المعرض هذا العام له ما له وعليه ما عليه..في كفة النجاحات والإخفاقات، ترجح دون شك كفة الإنجازات ولكن تبقى الإخفاقات عثرة حقيقية تحتاج إلى ضبط وعلاج.

في تقييم سريع لأنشطة المعرض وفعالياته تخرج مئات التوصيات والملاحظات، وحتى يصبح معرضنا العظيم في العام القادم أفضل وأكثر نجاحا يجب على كل ناشر وعارض وكاتب شارك هذا العام أن يقدم إقتراحاته..

دعونا نمر مرور الكرام بين أروقة المعرض علنا نستطيع أن نلقي الضوء على سلبيات وإيجابيات معرض الكتاب..

البرنامج المهني:

الحقيقة أن البرنامج المهني للمعرض كان من أهم الفعاليات الموجودة والموضوعات التي تمت مناقشتها هي موضوعات هامة تمس الثقافة والمثقفين.

ضم البرنامج المهني كوكبة من الشخصيات المعنية بالثقافة وطرح عناوين هامة للنقاش وهذا دون شك من إيجابيات المعرض.

كانت هناك ندوة عن الترجمة بوصفها جسرا للحضارة، وهي ندوة شارك فيها معالي وزيرة الثقافة المصرية د.إيناس عبد الدايم والشيخة بدور القاسمي رئيسة الإتحاد لدولي للناشرين ود.صلاح فضل رئيس مجمع اللغة العربية..عن الترجمة كانت هناك ندوة أخرى بعنوان (صعوبات الترجمة عن العربية وآفاقها) وكذلك أيضا ندوة (ماذا يريد الناشر الأجنبي..وماذا نرشح؟).   

لازال غائبا عن العالم العربي، المعنى الحقيقي للترجمة الذي لا يتمثل فقط في وصول النص العربي إلى العالم الغربي بل وتعريف الغرب بمشاكلنا وحضارتنا وأحلامنا..أي وصول أصوات الأقلام العربية للخارج..كما حدثت بالمثل حركة ترجمة أعمال أمريكا اللاتينية على سبيل المثال ووصول أدباء عظماء مثل جارسيا ماركيز وايزابيل اللندي إلينا.. 

المعضلة الحقيقية في الترجمة أننا لازلنا نتعامل مع التراجم على أنها مجرد سطر في السيرة الذاتية للأدباء، نترجم فقط لنقول أن لدينا أعمال مترجمة، الروايات تترجم ولكن دون وجود حركة توزيع موازية أو حركة نقدية مهتمة لعرض تلك الاعمال في الصحف العالمية، بعض الناشرين المصريين يترجمون لكُتابهم مائة نسخة تبقى داخل القاهرة ولا تبرحها ويبقى السؤال: 

أين يتم توزيع تلك التراجم؟ هل تصل أصواتنا إلى الخارج أم لازالت حبيسة أدراج مجتماعتنا العربية..هكذا تصبح الترجمة بلا قيمة حقيقية تتحقق من ورائها إلا لو تم التركيز في قيمة ما نقدمه والهدف منه.

لكن الأكيد أن الغرب لا يحتفي بترجمات العرب بالقدر المطلوب، أو هكذا تبدو الصورة.

يجب أن يسأل الناشرون أنفسهم قبل القيام بترجمة أي عمل، ماذا يريد الغرب؟ ما هي القضايا والموضوعات التي تثير فضولهم وتجعلهم يبحثون عن ترجمتها؟ من هو الكاتب المؤثر في الغرب؟. 

التنظيم:

سأقولها ألف مرة، تبني الدولة لفكرة نقل المعرض إلى مركز مصر للمعارض الدولية بمحور المشير فكرة رائعة ونقلة حضارية كانت مطلوبة وموفقة بشدة.

لقد تحول المعرض من نطاق الغير آدمي إلى نطاق الرقي والمظهر اللائق بجمهورية مصر العربية الثقافية العظيمة..

وجود مشروبات ومأكولات محترمة وحمامات نظيفة وأسقف لا تسقط مع المطر وأماكن للسيارات، مظهر مشرف لمعرض كتاب من أقدم وأهم معارض الكتب في العالم العربي، مصر الريادة لم تستحق أقل من هذا أبدا إلا أننا تعودنا في مصر أن تتمة الأشياء لا تكون أبدا في حجم البدايات.

التنظيم بدا سيئا في أشياء كثيرة منها، الطريقة التي تتعامل بها شركات الأمن مع دخول الناشرين والأدباء، لا ألوم عليهم أنهم تحت ضغوط وعدد هائل من الزوار وصل إلى 275 ألف زائر يومي الجمعة والسبت التي بدأت فيهما أجازة نصف العام، ولكن ألوم عليهم الطريقة الغير لائقة التي يتحدثون بها وغلق الأبواب في وجه من لديهم تصاريح سيارات وكأنهم عبيد،

وغطى على كل هذا المسرح الذي قرروا إنشاؤه في ساحة إنتظار السيارات لحفلة سوف تقام عقب إنتهاء المعرض والتي أدت إلى غلق الساحة على المعارف والحبايب على الرغم من وجود أماكن إنتظار، والحجة بناء المسرح!..لو كان النظام يطبق على الجميع لاحترمناه ولكن.........!

هناك أيضا سقطة في الإعلان عن الندوات، وكأنها تُدار في السر!.

لا إعلان في الميكروفونات ولا ورق يتم توزيعه ولا حتى لافتات واضحه أو إعلانات تشير لأماكن الندوات مما جعل الندوات شبه خالية اللهم إلا من الأصحاب والقلائل المهتمين.

الضيوف الغائبون:

حجم الضيوف من الكتاب العرب والأجانب ضئيل جدا، وهو ما يدفعني إلى أن أناشد وللمرة المائة بأن يسعى القائمون على المعرض بمحاولة دخول رُعاة من رجال الأعمال مثلما يحدث في مؤتمر شباب العالم على سبيل المثال، هناك من رجال الأعمال من يتبرع بطيارات خاصة أو مبالغ مالية تصرف للكتاب أو رحلات سياحية تشجع الكاتب المحترف على الحضور.

يجب أن يكون هناك تفاوض من شخصيات عامة وثقافية تستطيع إقناع كبار الأدباء والأسماء الإعلامية بالمشاركة في المعرض..مثلما يحدث في مهرجان طيران الإمارات ومعرض الشارقة للكتاب اللذان يقومان بإستضافة كتاب مهمين، والحقيقة أن مصر قادرة على هذا وبشدة لأن مصر تمتلك التاريخ والمزارات السياحية والحضارة التي تجعل أي أجنبي في شوق لزيارتها، فقط لو أحسنا إختيار مفاوض مقنع ولديه أفكار.

برنامج الفعاليات خلا من الأسماء الكبيرة، فقط ثلاث أو أربع أدباء عرب وباقي البرنامج إقتصر على المصريين، نفس الأسماء ونفس المحاورين، دخول دماء جديدة يعني بالفعل أفكار جديدة تواكب العصر.

على الرغم من أن المعرض تفوق في نسبة البيع ووجود الشباب بشكل كبير إلا أن البرنامج جاء ضعيفا وبعيدا عن الموضوعات التي تهم المثقفين، حتى أن عنوان هوية مصر عنوان تقليدي إستنكره الكثيرون.

البرنامج الفني:

وجود مسرح في الساحة أمام قاعات العرض كان وسيلة جذب لكثير من الضيوف وخصوصا الشباب الذين تزاحموا ليستمعوا إلى العزف والشعر والساكسافون والعود..تنوع غنائي أثرى المعرض وجعل من يحملون الأكياس الثقيلة يستريحون ويبتسمون أمام المسرح، وكأنه كان ترفيه مطلوب في وقت مناسب.

"الحكواتي" فكرة جميلة لإجتذاب الأطفال الذين تجمعوا ببراءة أمام الحكائون ليستمعون إلى القصص والأغاني، ليذكروني بمشهد الأراجوز وخيال الظل في الماضي الذي كان يحكي ويعظ في آن واحد، ولازال فولكلور جميل.

الحقيقة أن كتاب الطفل هذا العام إحتل المشهد بشكل كبير، فكتاب الطفل هو مستقبل مصر، هو الهدف الذي جعل أغلب دول العالم تركز في تقديم محتوى جاد لكتاب الطفل وتهتم بعمل معارض متخصصة لكتب الأطفال وهو ما أدعو إليه الدولة المصرية، معرض متخصص لكتاب الطفل، تكثيف حضور أطفال المدارس في رحلات منظمة، ندوات لمناقشة الطفل والتسلل إلى عقله، إنها محاولة لجذب الأطفال من أغاني المهرجانات إلى ساحة الفكر والإبداع، من خلال عالم سحري من الكلمات والألوان والرسومات، أنا من جيل لم ولن ينسى ما قدمته لنا مجموعة (المكتبة الخضراء) التي لازلت تصدرها دار المعارف، والتي كانت تأخذنا إلى مدن السحر والحواديت، هكذا عاشت تلك المجموعة وغيرها مثل مجموعة (الألف كتاب) في ذاكرة جيلي.

دعونا نعيد رونق كتب الأطفال وننشغل بما يعنيهم، ونجذبهم إلى عالمنا حتى نخلق جيلا من المبدعين الصغار وتظل مصر للأبد هي عنوان وحضن الثقافة.

كل عام وكل مثقفي مصر بخير..كل عام ومصر هي ملتقى الإبداع..وإلى دورة جديدة في ثوب أفضل بمشيئة الله.

                                   [email protected]