طارق الشناوي يكتب: من روتين الحياة إلى ومضة الفن!

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي

جرس التليفون يدق، يُمسك الشاعر الغنائى مأمون الشناوى بالسماعة، يأتى صوت أم كلثو معاتبًا: (كده نسيتنى يا مأمون)، كان بينهما اتفاق أن يكتب لها أغنية خلال شهر، ومرَّ أكثر من عام، رد مأمون: (أنساك ده كلام). وانتهت المكالمة بوعد منه بأن يكتب بمجرد أن يعثر على أول الخيط، ووجد أنه من حيث لا يدرى أمسك به وأكمل: (أنساك يا سلام/ أهو ده اللى مش ممكن أبدًا).

ذهب الشاعر الغنائى حسين السيد برفقة صديقه الحميم الموسيقار محمد عبدالوهاب إلى مبنى عمارة كان قد وضع فيها حسين كل مدخراته، اكتشف أن العمال متوقفون عن استكمال التشطيبات، صرخ فى وجوههم غاضبًا، جاءت الإجابة (المونة) خلصت ونحتاج إلى 20 جنيهًا، وهو رقم بمقياس الخمسينيات ضخم جدًا، وضرب حسين السيد كفًا بكف، وذهب إلى عبدالوهاب قائلًا: (توبة توبة)، وهنا التقطتها أذن عبدالوهاب، وطلب منه أن يكملها لتصبح واحدة من أشهر أغنيات عبدالحليم، ويسدد بثمنها سعر (المونة)، ويشرع أيضًا فى بناء عمارة أخرى.



يقولون فى تحليل العبقرية: (إن الآلهة تُنعم علينا بمطلع القصيدة، وعلينا أن نُكمل الباقى).



من بين العباقرة الذين يُكملون بسهولة ويسر الباقى، الشاعر الغنائى مرسى جميل عزيز، كان بصحبة صديقه الموسيقار محمود الشريف فى (باب اللوق)، حيث يكثر عدد البائعين الذين يملأون الدنيا صخبًا، الشريف ومرسى يفكران فى تقديم أغنية للمطربة الشعبية (أحلام)، تناهى إلى سمع مرسى بائع ثوم يردد: (توم الخزين يا توم)، فأحالها إلى (توب الفرح يا توب/ مغزول من الفرحة)، لتصبح واحدة من أشهر أغنيات الأفراح.



كان الكاتب عبدالرحمن الخميسى شعلة من الوهج الإبداعى، متعدد الاتجاهات، ولم تعرف أبدًا يداه الاحتفاظ بالأموال، وكان محبًا للحياة كريمًا، وجاء بليغ حمدى يومًا لزيارته وأراد الخميسى دعوته على العشاء فى أحد الملاهى، حيث كانت تغنى مها صبرى، وكان للكاتب الكبير وجهة نظر أن المطرب يجب أن يغنى شيئًا يُشبه صوته، وقبل ذلك ملامحه، ومها صبرى كانت واحدة من جميلات مصر فكتب: (ما تزوقينى يا ماما، قوام يا ماما)، وعندما جاءت مها تستقبله هو وبليغ أسمعها مطلع الأغنية فتشبثت بها، طلب منها أن تدفع العربون، له ولبليغ، وسدد الأستاذ الخميسى ثمن العشاء، وضمن أيضًا عشاء شهر كامل.

عندما أراد الشاعر عبدالرحمن الأبنودى فى سهرة بمنزل عبدالحليم السخرية من شعراء الأغنية العاطفية، حيث كان حليم يتحداه أن يكتب أغانى مثل مأمون ومرسى وحسين، فقال له: (مشيت على الأشواك/ وجيت لأحبابك/ لا عرفوا إيه وداك/ ولا عرفوا إيه جابك/ يا حنفى).

أعجبت عبدالحليم وقال له: (احذف حنفى وأكمل)، وأسند تلحينها لمحمد الموجى وجاءت (أحضان الحبايب).

روى لى المخرج عاطف سالم أن فريد شوقى استدعاه لمنزله، قائلًا له: (تعالى فورًا، معى نجيب محفوظ والسيد بدير)، وفى الجلسة قال فريد: (إيه رأيكم نبدأ الفيلم بلقطة لمجرم هارب يصعد من بلاعة مجارى، ثم نروى حكايته مع السرقة والنهب والقتل)، ومن هنا نبتت فكرة (جعلونى مجرمًا).

نقطة البداية ممكنة للجميع، الحياة مليئة بكل الأطياف، الموهوبون فقط هم القادرون على إحالة العادى إلى استثناء، والحياة إلى فن، والتبن إلى تبر!!.

المقال: نقلًا عن (المصري اليوم).