من مدابغ القاهرة إلى منزلك.. قصة يسرية إحدى عارضي "ديارنا" فى المنيا

أخبار مصر

بوابة الفجر

بين الصالونات والانتريهات وغرف النوم والسفرة، تتناثر على الأرض سجاجيد من جلد البقر الطبيعي، لتضفي على معروضات "ديارنا للأثاث بالمنيا" دفئا وأجواء من الطبيعة والجمال والثراء والهدوء.

تتداخل درجات ألوانها البنية والأبيض في الأسود، والأسود في البني والأصفر، والأسود مع الرمادى، في انسيابية مدهشة، بتصميمات يصلح بعضها كمعلقات، والآخر كسجاجيد، لتأخذك هذه السجاجيد إلى جناح يسرية عويس وابنها مروان، اللذان جاءا من القاهرة إلى المنيا بعدد كبير من السجاجيد والحقائب والمحافظ المصنوعة من الجلد البقرى، التى تصنع في ورشتهما جلود لبقر أثيوبي وبرازيلي ومصري، سادة ومنقط، بأشكال هندسية، سداسية وثمانية ومربعات ودوائر ومستطيلات، متراصة أو متداخلة، وأشكال أخرى لأشهر تيمات الزخرفة الإسلامية، كالأطباق النجمية.

وراء كل سجادة قصة من قصص السيدات اللاتي يجدلن أجزاء الجلد، وخيال مصمم محترف، ورائحة الجلد، تلك الرائحة التى ألفتها أنف الطفلة "يسرية" منذ الصغر، فقد ولدت وعاشت بالقرب من منطقة سور مجرى العيون بالسيدة زينب، حيث تنتشر مدابغ الجلود التي تأتي من كل أرجاء القاهرة.

"نقل المدابغ خفّض سعر البلدي"

 

ظلت يسرية تراقب خط سير الجلود من بعيد، حتى قادتها الصدفة لأن تقترب من الصنايعية المتخصصية في الدباغة وفي تصنيع الجلود، لتجد نفسها صاحبة مشروع صغير، وتصبح هى وابنها أسرة منتجة للسجاد الجلد الطبيعي تخصص قد لا يخطر على بال كثيرين أن يجذب النساء للعمل فيه، لكنه استهوى يسرية ابنة منطقة مجرى العيون التى تعلمت أساسيات المهنة، وقررت في لحظة أن يكون لها ورشة متخصصة في هذا المجال.

تشترى يسرية الجلد بـ "البقرة"، جلد البقرة الواحدة سعره 200 جنيه، "الجلد المستورد أغلى من البلدي، في الماضي كان سعر البلدي أغلى، الآن سعر الجلد البلدي أصبح أرخص كثيرا بعد نقل المدابغ من منطقة سور مجرى العيون الأثرية بالقاهرة التاريخية إلى منطقة "الروبيكي" على طريق السويس خارج القاهرة، وارتفاع سعر نقل الجلد من وإلى منطقة المدابغ الجديدة: "كنت أدبغ الجلد نظير50 جنيها أو أقل، الآن قد تصل التكلفة إلى 250 جنيه بسبب تكاليف النقل إلى المدابغ الجديدة، في المقابل انخفضت أسعار الجلد البلدى، التى كانت تباع بمبلغ يتراوح من 300 إلى 700 جنيه، وصلت الآن إلى 150 جنيها، رغم جودة الجلود المصرية.

في المدبغة، لا تبدأ عملية دبغ الجلد إلا بعد أن يصل عدد الجلود المراد دباغتها إلى " 100 جلد، على الأقل، "وتتكلف هذه الكمية 15 ألف جنيه نظير الدباغة، بالاضافة إلى ثمنها الذى يبلغ 20 ألف جنيه، هذه الكمية تكفي لصناعة من 250 – 350 سجادة حسب الحجم، "السجادة سعرها حسب المساحة، المتر يكلفني 170 جنيها، أبيعه للتاجر بنحو 230 جنيها، ويبيعها هو في متاجر مدن شرم الشيخ والإسكندرية والغردقة من 300 إلى 500 للمتر، وفي المحلات الشهيرة يصل سعر المتر من السجاد الجلد البقري اليدوي إلى 1000 جنيه.

"اغسل الجلد بالشامبو وأفرده بالمكواة"

 

تحرص يسرية على الوقوف أمام عمال الدباغة، خلال دبغ الجلود، وهي المرحلة التى توضع فيها الجلود في ماكينة معينة "برميل"، للتخلص من طبقة الجيلاتين والفراء، وفصلها عن طبقة الجلد الخام، "إذا لم أقف أمام العامل يمكن أن تنقطع أجزاء من الجلد أو لا تكون أجزاء الجلد متساوية السمك".

بعد هذه المرحلة من الدباغة يشد الجلد ويفرد ليعطي أكبر مساحة ممكنة، ثم يدخل للمدبغة ثانية ليمر بمرحلة التكسير، التى تعطيه طرواة وقوة، يذهب بعدها للورشة للتقطيع.

المواد المستخدمة في الدباغة كما تشرح يسرية هي الملح وماء النار والنشادر والكروم، والأخير زادت أسعاره مؤخرا لأنه يتم استيراده، من تركيا أو الصين، أما باقى مراحل التصنيع فتحتاج خيط ساتان وسنابك أكسجين، و"كلة" وبعضها يستورد من الصين أو ماليزيا وزاد سعره مؤخرا من 27 جنيها للكيلو إلى 43 جنيها خلال شهرين فقط، حسب يسرية، أما الصباغة فبالألوان الحجر.

بعد مرحلة الدباغة تفضل يسرية أن تنظف الجلد بالشامبوه وتنشره في الشمس وتفرده بالمكواة، والبعض يطلب تبطين جلد السجادة بالموكيت، أو بجلد صناعي، ليعيش مدة أطول.

"أول ورشة.. وصعوبة البدايات"

 

يسرية صاحبة الـ 52 عاما، تخرجت في كلية التجارة، وكانت سيدة منزل، حتى اضطرتها الظروف الأسرية قبل 16 عاما إلى البحث عن مورد رزق، ففكرت أن تتاجر في الجلود، خاصة وأن بعض أقاربها كانوا يعملون في المدابغ، ثم حاولت في أن تتاجر في السجادة الجلد المصنعة، لكنها اكتشفت بعد فترة أن تصنيع الجلود أكثر ربحا بالنسبة لها، فقررت أن تتعلمها من الصناع الذين كانت تشترى منهم، ومراقبتهم وهو يعملون.

بيت يسرية كان أول ورشة لها، تأتي إليها بالجلد المدبوغ وترسم التصميم، وتقطع الجلد وفقا للتصميم، ثم تشبك الأجزاء بالخيط الساتان مستخدمة إبرة واسعة، ثم رأت أن شراء الجلد "النيئ" قبل دباغته أفضل لها من حيث التكلفة، ثم تتولى هي نقله للمدابغ ومتابعة دباغته، ثم العودة به لورشتها.

واجهت يسرية صعوبة في أن تنفذ الألوان المطلوبة، وتعلمت أن تستخدم الصبغة الحجر، لكنها بالتجربة أدركت أن أصعب مراحل العمل هي تشبيك قطع الجلد ببعضها أو "الجدل"، كونها تحتاج تركيزا شديدا، لتخريم الجلد بعناية أولا بواسطة التومبك، ثم تمرير خيط الساتان في الثقوب بواسطة الإبرة.

وقالت: "قطع الجلد يجب أن تكون على طاولة أمام العامل، وهو يجلس على كرسي، مثبتا بإصبع يده أجزاء الجلد، وباليد الأخرى يمرر خيط الساتان، ومع الوقت يشعر العامل أو العاملة بآلام في الظهر وفي فقرات الرقبة والأصابع".

ألوان السجادة الجلد الطبيعي، ما بين أبيض في أسود في بني وجزء منها منقطة، وكلها من بقرة واحدة، أو جلدة واحدة، لأن الجزء المعرض للشمس دائما أغمق من الجزء السفلي، كما تشرح يسرية، لكن بالإضافة لهذه الألوان الأصلية، استطاعت يسرية تعلم تلوين الجلد باللون الأحمر والألوان الأخرى كالتركواز والبرتقالي والبنفسجي، لتلبية رغبات الزبائن.

"تصميم يصنع إضاءة للسجادة"

 

الآن، لدى يسرية ورشة خاصة، استأجرتها بمنطقة المعادي "جنوب القاهرة" يعمل معها 6 حرفيين، إلى جانب 7 سيدات يعملن في بيوتهن، بخلاف ابنها "مروان" خريج كلية الحقوق، الذى يساعدها في التصميم والتقطيع.

"مهمة صنايعية الورشة الستة هي تقطيع الجلد وفقا للتصميم، ثم جمعه ولصقه بجانب بعضه بواسطة "الكلة الحمراء"، ثم تخريم الحواف ليتم تشبيكها وفقا للتصميم بواسطة خيط الساتان".

"مروان" يحب الرسم منذ كان في الصف الثاني الثانوي، ويساعد أمه في التصميم "رسم الاسطمبات"، كما أنه يعمل مع الصنايعية في عملية تقطيع الجلد، وقد قرر أن تكون مهنة صناعة الجلود هي مهنته التى سيستمر فيها مع والدته، رغم اختيار إخوته العمل في إحدى الدول العربية ورغبتهم في أن يشاركهم العمل هناك.

يحكي مروان عن صعوبة تصميم السجاد الجلد "يحتاج للتركيز لوزن ألوان التصميم، لا يصلح أن تضع درجات بنية غامقة مع السوداء، لا بد أن تفكر في درجة لون تصنع إضاءة في السجادة، عليك أيضا أن تحسب مساحة الجلد المتاح معك على تصميم السجادة المطلوبة ومقاساتها وألوانها، ثم تقطع الجلد بناء على هذه الحسابات، السجادة ال 2 في 3 أمتار، تحتاج عمل من 3 أيام إلى أسبوع، وتصميم الدوائر الصغيرة تأخذ وقتا أطول من الأشكال الأخرى".

تستغرق كل سجادة 3 أيام عمل في الغالب، منها يومين في مرحلة الجدل، وقبلها يوم في التقطيع والتجهيز، أما المرحلة التى يتوقف عليها نجاح باقى المراحل فهي مرحلة تقطيع الجلد، وفقا للتصميم، فإذا لم يقطع الجلد بطريقة صحيحة، يصبح الجدل صعبا، لأن الأجزاء لن تكون متقابلة تماما.

قبل الجدل تجمع أجزاء الجلد وتلصق بجانب بعضها على طريقة لعبة البازل، بواسطة "كلة دقماق"، ورغم صعوبة مرحلة الجدل، لا تزيد يومية العامل فيها عن 70 جنيها رغم أنها وفقا للإنتاج، كما تقول يسرية، أي 700 جنيه في الأسبوع، لأن الحد الأقصى لما يمكن أن تنتجه السيدة يتراوح مابين 30- 40 مترا أسبوعيا، لصعوبة هذا العمل اليدوي الدقيق، في حين تصل أجرة عامل الورشة إلى 2000 جنيه في الأسبوع، إذا عمل بنشاط.

طريقة الجدل تكون بأن تدخل الإبرة وخيط الساتان في ثقب وتترك الذي يليه، وبعد الوصول لنهاية خط الثقوب، تعود الإبرة لتدخل في الثقب الذى تركته وهكذا، فتظهر الخياطة أو التشبيك في شكل حرف إكس" X  "، وهي الطريقة التى تعتمد على التشبيك اليدوي، وهي الأكثر متانة بالنسبة للسجادة، بالمقارنة بتلك التى تعتمد على الماكينة في تشبيك قطع الجلود ببعضها، ورغم هذه الصعوبة وقلة العائد تبقى مشاعر الفرحة باخرج منتج فني، لا تقدر بثمن حسب تعبير يسرية.

التصدير يحتاج دعم الدولة

 

تدرب يسرية الراغبين والراغبات في تعلم الصنعة، خلال الدورات التدريبية التى تنظمها بعض الجمعيات أو الجهات المختلفة، "سيدات كثيرة تعلمت لكن عايزين حد يسوق لهم"، تقول يسرية. 

وأيضا خلال ورشتها التى تجذب بعض السيدات اللاتي ترغبن في العمل من بيوتهن، خاصة في مرحلة الجدل اليدوي، التى يستبدلها بعض المصنعين بالماكينة، التى توفر أجرة العامل وأيضا تقلل من الهدر في الجلد، لأن الماكينات تقطع الجلد أيضا باحترافية أعلى.

لكن الكثير ممن يتعلمن المهنة في البداية يكن محتاجات لمن يسوق منتجاتهن، والتسويق يجد صعوبة خاصة مع وجود سجاد جلد مستورد في الأسواق من تركيا والصين، وتطالب يسرية بوقف استيراد مثل هذه المنتجات لحماية المنتجات اليدوية الوطنية.

"شنطة جلد أرنب"

 

لا تقتصر ورشة يسرية ومروان على إنتاج السجاد الذي بدأت به في البداية، فأصبحت تنتج أيضا جلد لتنجيد المقاعد، ولصنع الشنط والأحذية، أو البوفات والخداديات، إلى جانب عملها في جلود الأرانب والثعالب، يباع جلد الثعلب الواحد بنحو 250 جنيه، ويصنع منه الفورير، أو الجواكيت، وسعر متر جلد الأرانب لا يزيد عن 150 جنيها، ويصنع منه سجاد أو مفرش سرير أو شنطة، وهو لا يحتاج إلى مراحل كثيرة في الدباغة بخبرة يسرية.

ترسل يسرية بعض منتجاتها إلى محلات في شرم الشيخ وفي الإسكندرية، فضلًا عن معارض وزارة التضامن الاجتماعي للأسر المنتجة "ديارنا"، متابعة:  "المعارض منفذ بيع جيد، والمستهلك يأخذ المنتج بسعر الورشة، وبعض التجار تشترى منتجاتنا ويبيعونها لتجار في بعض الدول العربية مع السجاد والكليم المصري، بأسعار مرتفعة، نتمنى أن يصلنا جزء من هذه الأرباح عندما تكون تحت إشراف الدولة".

FB_IMG_1642584280807
FB_IMG_1642584280807
FB_IMG_1642584278467
FB_IMG_1642584278467
FB_IMG_1642584276142
FB_IMG_1642584276142
FB_IMG_1642584273840
FB_IMG_1642584273840