رامي المتولي يكتب: العنف الزوجى وحرب “حرية المرأة والتحكم الذكورى”.. أبرز قضايا أفلام الدورة الـ٤٣ للقاهرة السينمائى الدولي

مقالات الرأي

رامي المتولي
رامي المتولي

“حصى” يناقش تأثير العنف الزوجى على الأطفال و«بنات عبدالرحمن» أفضل سفير لمشاكل المرأة


وصل عدد الأفلام المشاركة فى الدورة الـ٤٣ لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى إلى ١١١ فيلما منوعين من كل دول العالم ما بين الروائى والوثائقى الطويل والقصير، ربط بينهم جميعًا رابط خاص جدًا وهو الاهتمام بقضايا المرأة بشكل عام وبشكل خاص قضية العنف الزوجى، الظاهرة التى تمثلت فى عدد كبير من الأفلام فى مختلف أقسام المهرجان بدءا من المسابقة الدولية مرورًا بمسابقة الفيلم القصير وآفاق السينما العربية وأسبوع النقاد، بالشكل الذى يوحى إلى حد كبير أنه كان هناك تنسيق بين مبرمجين المهرجان ومدراء مسابقاته للتركيز على هذه المشكلة، التى تبدو وكأنها هاجس عالمى شاهدنا ملامحها تتجلى فى عدد كبير من الأفلام.

العديد من هذه الأفلام شهدت احتفاء جماهيريا ونقديا حتى وأن لم تحصد جوائز المهرجان، يأتى على رأسها الفيلم المكسيكى «صلاة من أجل المسلوبين» الذى تعامل مع مشكلة اجتماعية حقيقية عانت منها مئات الأسر فى المكسيك بعد إعلان الحرب على عصابات الاتجار بالمخدرات والبشر، العنف الزوجى فيها غير ممثل بشكله المألوف لكنه ممثل فى غياب رب الأسرة الذى تركها للعنف الدائر فى المنطقة حتى وصل الخطر لابنته وزوجته فى النهاية، موجودة أيضًا بشكل واضح فى القسم الرسمى خارج المسابقة من خلال الفيلم الهندى «حصى» الذى يناقش تأثير العنف الزوجى على الأطفال، فيلم افتتاح مسابقة آفاق السينما العربية «بلوغ» ألقى الضوء على الكثير من المشاكل التى تتشارك فيها المرأة السعودية مع مختلف البلدان العربية وبشكل ذكى من خلال خمسة أفلام قصيرة لخمس مخرجات سعوديات، مسابقة أسبوع النقاد لم تكن بعيدة أيضًا حيث صورت أفلام «قمر أزرق» و«فيرا تحلم بالبحر» تسلط القيم الذكورية على حرية السيدات، مسابقة الأفلام القصيرة بدورها ضمت أفلاما تلعب على نفس الوتر منها «صندوق أسود» و«زهور البرارى».

الفيلم الأردنى «بنات عبدالرحمن» يظل هو أفضل سفير لمشاكل المرأة فى المجتمعات المحافظة على المستوى الفنى والاجتماعى فى عرضه للقيود المجتمعية الضاغطة على المرأة فى نسيج فيلمى واحد خلافًا لـ«بلوغ» السعودى، تُوج «بنات عبدالرحمن» بجائزة الجمهور (يوسف شريف رزق الله) فى الدورة ٤٣، ومن خلاله نتابع تعامل أربع أخوات خلال أيام قليلة مع مشاكل متراكمة على مدار سنوات نشأتهن، والتى حولت كل من السيدات الاربع زينب (فرح بسيسو)، سماح (حنان الحلو)، آمال (صبا مبارك)، ختام (مريم باشا) إلى وضعية الهجوم بعد تحملهن لمسئوليات جسيمة تركها عمدًا الرجال فى عائلتهم وحيهم وبعض هذه المشكلات كانت بسبب هؤلاء الرجال خوفًا من المظهر الاجتماعى وانتقاص من حولهم من جيران وأقرباء لهم جراء سلوك هؤلاء السيدات خلال مراحل نشأتهن.

زيد أبو حمدان مؤلف ومخرج الفيلم استطاع أن يجمع بشكل تصاعدى مشاكل تواجه السيدات فى المنطقة بأكملها بشقيها الآسيوى والإفريقى، بداية من التسلط الأبوى وتحكمه فى رغبات وأحلام النساء منذ طفولتهن، مرورًا بالزواج دون رغبة النساء من أشخاص حازوا على مباركة الأب، وصولًا لمقاطعة الشابات اللاتى يبدين أى محاولة للمقاومة ولو كانت بسيطة بالإضافة إلى تزويج القاصرات، كل هذه المشاكل عُرضت بشكل إنسانى دون مبالغات تكون عادة مصاحبة هذه النوعية من الأفلام التى تتبنى وجهة نظر نسائية، تظهر من خلالها السيدات كأبطال خارقين فى مقابل شخصيات الرجال التى تحمل صفات سلبية مع المغالاة فى إظهارها لابتزاز المشاعر من المشاهدين تحت بند النضال النسوى.

فيلم «بنات عبدالرحمن» لا ينتمى لهذا النوع، هو يدين أكثر المجتمع والرجال وتراخيهم فى حماية الأبناء أو تربيتهم على احترام النساء بشكل عام، ومع الحدث الرئيسى فى الفيلم وهو غياب الأب جسديا عن منزل العائلة بعد غيابه بشكل فعلى عن الحياة منذ سنوات بسبب أمراض الشيخوخة وألزهايمر، يرسم السيناريو بشكل متصاعد شخصية زينب أحد أجمل وأعذب شخصيات الفيلم، التى تحملت مسئولية كل شىء عنف الأب وقسوته وإجهاض أحلامها وتنمر المجتمع وأقاربها حتى قسوة أمها وباقى أخواتها، وهى فى الحقيقة التى وقفت الوقفة الأخيرة التى ضمنت الحماية المطلقة لبيت عبدالرحمن وأخواتها، لذلك تكتمل الصورة الجمالية فى هذا الفيلم الإنسانى فى المقام الأول قبل أن يكون فيلمًا يناقش قضايا المرأة بالأداء التمثيلى الذى أداره زيد بشكل أكثر من جيد، حيث عبرت كل واحدة من الأخوات الأربع عن شخصية متكاملة نقلت حالة الإيهام بإتقان للمشاهد مدعومة بالملابس والأداء الحركى لا فقط الحوار وملامح الوجه، لذلك اختيارات البطلات الأربع المذكورين بالإضافة إلى الابنة هبة (ياسمين العبد) المصرية التى قدمت شخصيتها فى الفيلم باللهجة الأردنية، كل هذه التفاصيل على الشاشة تدل على حسن إدارة المخرج واختياراته المناسبة للممثلين فى شخصياتهم وأيضًا دراسة هؤلاء الممثلين لشخصياتهم وتقديمها بهذا الشكل الناجح.