أحمد صلاح.. بطولات الفتى الطائر

الفجر الرياضي

بوابة الفجر



للتاريخ حساباته التي لا يُخطئها أحد، ربما تستطيع إنجاز ما، تحقيق اختراع هنا، أو حتى قيادة دولة بكل عدل وديمقراطية، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أنك ستصبح ضمن حسابات التاريخ، أوراق الكتب التي تُخلد العظماء، والمادة البحثية لكل باحث يريد أن يعرف كيف يُصنع المؤثرين، كل ذلك يتوقف في النهاية على "الجماهير"، كلمة السر الأولى والأخيرة في أي شيء، إذا أردت أن يذكرك التاريخ فعليك جعل عشرات الآلاف يؤمنون بما تقدمه.

بالطبع المهمة ليست سهلة، الجماهير لا تُشترى ولن تقدم لك شيك على بياض، فقد ترضى عنك اليوم وتلعنك غدًا، لذلك فإن تلك المعادلة الصعبة جدًا حاضرة دومًا أمام لاعبي كرة القدم الذين يُدركون أن المدرجات هي وحدها من تمنح حق البقاء. 

والسؤال وماذا إن كانت الجماهير غائبة، لا ليس غيابًا إضطراريا لكنه غياب قدري لأن اللعبة غير جماهيرية في المقام الأول، وقتها يصبح مُطالب من الذي يريد أن يخلده التاريخ، ليس فقط كسب قلوب الجماهير بل خلقها، تصبح المهمة مستحيلة بالطبع!

لكن أحمد صلاح، لاعب كرة الطائرة للنادي الأهلي حقق المستحيل، ليس فقط بعدد البطولات التي أحرزها، الأهداف التي سجلها، قيادته لمئات المباريات المهمة والحاسمة، بل حقق المستحيل لأنه جذب مشاهدين جدد للعبة، وجعل حتى من لا يعرفها يحب هذا للاعب حتى لو لم يراه، أليست تلك طموحات أحلام الفتى الطائر التي تحققت.

لكن البداية لم تكن سهلة على الإطلاق، ونعود إلى بدايته، 19 أغسطس 1984، ذلك اليوم الحار الذي وُلد فيه نجم كرة الطائرة بالنادي الأهلي، ربما جذبته كرة القدم بالطبع في البداية، ربما أراد سماع هتاف أصدقائه له وهو يحرز الأهداف، لكن المؤكد أيضًا أن كرة الطائرة انتصرت على القدم، وفاز الذراع على القدم، وانتصر لقب ضاربًا بدلًا من هداف، خاصة أنه نشأ في عائلة رياضية وأخوته لاعبوا كرة طائرة أيضًا.  

بمجرد أن بلغ 6 سنوات فقط، وجد الطفل الذي بدا بجسد متناسق مقارنة بزملاءه، نفسه ضمن ناشئين النادي الأهلي، لم يفهم الولد الصغير قيمة المكان حتى الآن، أي شعبية يمتلكها وأي قيمة للقميص الأحمر، لكن الأكيد أنه ولد أهلاويًا، وعلى يد الكباتن أحمد رجب وعلي العسال وجمعة عبد الحميد، تعلم كيف يستخدم ذراعيه في الضرب، المراوغة، الحفاظ على اللياقة البدنية، والخروج منتصرًا فالأهلي لا يقبل الهزيمة. 

رغم قلة الأحاديث الصحفية التي أدلى بها أحمد صلاح، لكنه في حوار سابق تذكر تلك الفترة واختص الكابتن شريف الشمرلي مدرب منتخب ناشئين الأهلي لكرة الطائرة في عام 2001، بأنه وراء تأسيسه رياضيًا والرجل الذي حصل معه "صلاح" على المركز الرابع في بطولة العالم التي أقيمت بالقاهرة.

عرف أحمد صلاح منذ الصغر ما هي أجواء البطولات القارية والعالمية، كيف تكون الأحوال وأي عبأ يقع عليك حين تلعب باسم بلدك، ساعده المدير الفني للنادي الأهلي وقتها 2001، محمد مصيلحي الذي علّمه كيف يصبح طموحًا وصاحب شخصية قوية ومسئول، علمّه أن اللاعب العظيم هو إنسان عظيم.

في مدرسة الناشئين تعلم أحمد صلاح كل ذلك، وجاءت اللحظة الحاسمة في عام 2000/2001 حين شارك في الدوري الممتاز لكرة الطائرة وهو بالكاد أكمل 16 عام، يتذكر هو أن الفضل يعود للكابتن إبراهيم فخر الدين المدير الفني للنادي الأهلي في ذلك الوقت، لكن الاختبار صعبًا إذ دفع به في مباراة مع الزمالك واستطاع أن يحصد اللاعب الناشيء تصفيق الجميع بما فيهم مدربه كابتن فخر الدين. 

منذ هذا العام وحتى 2010 استطاع أحمد صلاح أن يثبت نفسه كلاعب جدير بأن يحقق المستحيل، شخصية قوية داخل الملعب، تركيز، قيادة، والأهم عدم افتعال أي مشاكل أو شعور بنجومية زائفة تقضي على الجميع في سن مبكر، حصد بطولة الدوري في 2003 ، 2004، 2010، وشارك مع المنتخب القومي في عدة بطولات.

في 2011 كانت الخطوة الأولى للاعب الذي لفت الأنظار عالميًا، فأتجه في تجربة احترافية لنادي دينامو الروسي، ثم تجربة أخرى في نادي هك بنك التركي موسم 2013/2014 استطاع فيها الحصول على كأس تركيا وكأس أوروبا، وهو ما جعل التنافس التركي عليه كبيرًا حتى احترف في نادي جالاطا سراي موسم  2014/2015 سبقه تجربة قصيرة في الإمارات، وأخرى في لبنان لمدة شهر حصد فيه على الدوري مع نادي البوشرية اللبناني. 

بعد تلك التجارب التي جعلت من أحمد صلاح موهبة كروية بامتياز، عاد للنادي الأهلي في 2018 بعد فترات قصيرة في طلائع الجيش، ليكلل أسطورته ببطولات جعلت الذين لا يعرفون شيئًا عن كرة الطائرة يعرفون أحمد صلاح!

أما عن الأرقام فربما تُدهش البعض، وليتحملنا القاريء في الإطالة التي لا مناص منها، فهذا اللاعب في تاريخه، 13 دوري مصري، 13 كأس مصر، 7 دوري أبطال إفريقيا، 6 بطولة عربية، 6 بطولة أمم إفريقيا، 1 كأس الاتحاد الأوروبي، 1 كأس تركيا، 3 دورة الألعاب العربية، 1 دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط.

أما الألقاب وليعذرنا القاريء مرة ثانية على الإطالة، أفضل ضارب في كأس العالم 2011، أكثر مسجل نقاط في كأس العالم 2015، أفضل لاعب في مصر 7 مرات، أفضل لاعب في دوري أبطال أفريقيا 3 مرات، أفضل لاعب في الأمم الإفريقية 3 مرات، أفضل لاعب في البطولة العربية 3 مرات، أفضل لاعب في تصفيات أولمبياد بكين، أفضل إرسال في البطولة العربية مرتين، أفضل إرسال في البطولة الإفريقية مرتين.

وفي مارس الماضي اختار الاتحاد الدولي للكرة الطائرة أحمد صلاح ضمن أفضل 100 لاعب على العالم بعد مساهمته في الإرتقاء باللعبة على الصعيد المحلي والدولي والإفريقي. 

خارج الملاعب يحيط أحمد صلاح عائلته بمساحة خصوصية كبيرة، فقط صور نادره له مع أولاده بين الحين والآخر، وتركيز في الكرة الطائرة فقط.