حوار مع رئيس فريق ترميم وصيانة ونقل المومياوات الملكية.. يكشف عن أسرار العملية وكيفية التنفيذ

أخبار مصر

بوابة الفجر


يُعد موكب المومياوات الملكية والمقرر فيه نقل 22 مومياء من المتحف المصري في التحرير إلى المتحف القومي للحضارة المصرية أحد أهم الأحداث الأثرية التي ينتظرها العالم خلال الفترة المقبلة، وحول الاستعدادات الفنية والتقنية التي تمت مع المومياوات الملكية قبل مرحلة حملها على العربات إلى المتحف القومي للحضارة كان لنا هذا الحوار مع مصطفى إسماعيل مدير مخزن المومياوات ورئيس معمل صيانة المومياوات بالمتحف القومي للحضارة المصرية في الفسطاط فإلى نص الحوار: 





من هو فريق العمل وما هي مهمته الأساسية؟

"فريق العمل يتكون من عدد من المتخصصين كل في مجاله، وهم الدكتور مصطفي إسماعيل، والدكتورة إيمان إبراهيم، وولاء صلاح، ومحمود عبد الله، واستعان الفريق بالدكتورة سامية الميرغني، وهي من أفضل الشخصيات في مصر بمجالها، حيث تخصصها النادر في البقايا الآدمية، وكانت مهمة الفريق الرئيسية هي، تغليف المومياوات ووضعها في كبسولات النيتروجين بعد عمل الترميم والصيانة اللازمة لها، ثم الإشراف الكامل على نقلها حتى فتارين العرض النهائي في المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط"، وهي كانت 18 مومياء معروضة في فتارينها الشهيرة بقاعة المومياوات الملكية في متحف التحرير، و4 مومياوات أخرى في المخازن ستعرض لأول مرة"




ما هو شعوركم وكيف ومتى كان بدء العمل؟

"نشعر بالفخر لأنه لأول مرة في التاريخ يقوم مرمم آثار مصري بترميم مومياء، ويقوم بالعمل كله فريق مصري كامل، ولأول مرة يتم نقل مومياء في كبسولة، وقد حاول البعض من قبل لكنه لم ينجح، واستغرقنا وقتًا طويلًا في الإعداد للعمل حيث اضطررنا في البداية لعمل تقرير حالة عن كل مومياء، لمعرفة مناطق القوة والضعف فيها، وتحديد من أي مكان سيتم رفعها لوضعها في الكبسولة، ومعرفة شكل جسم كل مومياء لصنع السرير المناسب له، وكذلك معرفة طبيعة العظام والجسد، والبيئة المحيطة والرطوبة والحرارة ودرجة التكثيف، وكنا في حاجة لهذه التقارير لأن المتوافر من معلومات عن المومياوات يرجع لعام 1886م، والتقارير الحديثة لا تتناول الأثر بالشكل الكافي، ولا تجيب عن كل ما يحيط بالمومياء من ظروف، وكي تتم عملية النقل بشكل ناجح ودقيق، يجب معرفة حالة جسم كل مومياء ومواطن الضعف والقوة والبيئة المحيطة، وكذلك بيئة الأثر والموازنة بينهما، بحيث لا تحدث أي صدمة لجسد المومياء عند اخراجها من فاترينة عرضها".


كم استغرقت فترة التوثيق وإعداد تقارير الحالة؟

"في هذه الفترة كنت، وولاء، وإيمان فقط، الذين نعمل على إنجاز تقرير حالة كل مومياء، واستغرق العمل في الفحص والإعداد، عام كامل وثمانية اشهر، منها سنة كنت بمفردي، وهذه المدة بدأت أول عام 2017، وخلالها كنا نجري دراسة علي الـ 22 مومياء، لإعداد تقارير الحالة، والتي بناءً عليها سيتم إعداد خطة الترميم ثم خطة النقل، واستعنت بإيمان وولاء حيث أنهما متميزتان في عملهما، وفي تخصصهما، وهو ما كانت تتطلبه المعلومات التي نسعي لها، فالمطلوب يجب أن يتم بمنتهي الدقة، وتقارير الحالة كنا نعدها لكل المومياوات سواء المعروضة أو المخزنة وهي مسألة صعبة جدًا، خاصة وأنه ساعة ما "اكتشفوا خبيئة المومياوات" عام 1881م كان بعضها منزوع عنه الأغلفة الذهبية ومقطوع معها أجزاء من الجسد".



 

ما هي أبرز المفاجآت التي صادفتموها أثناء العمل؟

"أبرز ما فوجئنا به كانت مومياء الملك رمسيس السادس، حيث وجدنها مفككة، وريزنر قال إنه ساعة اكتشافها وعندما فك لفائفها هو وماسبيرو وجدا انفصال عند الكاحل، أي أن المومياء كانت مفككة منذ اكتشافها، ووجدناها منفصلة إلى 187 قطعة وهي ضمن المومياوات التي كانت في المخازن، وكذلك مومياء الملك أمنحتب الثاني وجدناها مفككة إلى أكثر من 170 قطعة، وكانت بعض المومياوات المعروضة بها أجزاء منفصلة لكنها ليست ظاهرة للعين لأن المومياء ملفوفة، ووضعنا في الاعتبار هذا العامل، وبعد السنة و8 شهور وضعنا خطة العمل وأخذنا آراء في المواد التي سنستخدمها في الترميم والصيانة والتي لابد أن تكون خالية تمامًا من الحموضة، وهي المواد التي ستتلامس مع الأثر سواء في الترميم أو التغليف، وتمت عمليات الصيانة والترميم لكل مومياء حسب حالتها".



 

كيف تمت عمليات الترميم والصيانة؟

"الترميم تم وفق أسس وقواعد المدرسة المصرية والتي هي امتداد لطريقة المصري القديم، والتي قاعدتها الرئيسية تقوم على "أقل تدخل يعطي أفضل النتائج" ولن يؤثر علي المومياء أثناء النقل، وكي يتم تجميع الأجزاء بشكل آمن، فالمواد المستخدمة لابد أن تكون استرجاعية أي تصلح لنزعها دون الإضرار بالمومياء، ودون أي تأثير سلبي عليها، كما أن رفع الأثر له مواد معينة تستخدم في ذلك، وكذلك الكبسولات والسرير الذي سيتم وضع المومياء عليه كي يمتص الاهتزازات، وهذا السرير له مواصفات وخصائص معينة ومواد يُصنع منها، والصيانة لها مواد معينة، والنيتروجين المستخدم له خصائص ولم نستخدم النيتروجين العادي، بل أحضرنا جهازًا خاصًا بالمواصفات التي أردناها وتتناسب مع حالة الأثر الذي لدينا، وهذا الجهاز تم تصنيعه خصيصا لنا بإمكانياتنا طبقا للدراسة التي قمنا بها، وكنا نسهر حتي الرابعة فجرا لنقوم بهذه الدراسة علي أكمل وجه، وبكرم وتوفيق من الله نجحنا في تصميم الكبسولة نفسها، وهي من جزئين الأول السرير الداخلي والثاني الجزء الخارجي بمثابة غلاف، وصندوق يتم فكه وتجميعه وتقفيله بحيث لا يضر ذلك بالكبسولة أو يؤدي إلي انفجارها".

 

ما هي أخطر مراحل العملية؟

"صدقًا العملية كلها في منتهى الصعوبة ولكنها ليست مستحيلة، وضمن المراحل الحساسة كانت نقل المومياء من فاترينة عرضها إلى كبسولة الحفظ، حيث قمنا بتهيئة درجات الحرارة لتتناسب فيما داخل فاترينة عرض المومياوات بالمتحف المصري بالتحرير مع خارجها، بحيث لا تحدث لها صدمة عند إخراجها، ولو لم نضبط البيئة المناسبة لها لتحللت".

"وكنا هنا في حاجة لفريق قوي من المتخصصين في الميكروبيولوجي والحشري، وعلي رأس هذا الفريق كانت الدكتورة سامية الميرغني والدكتورة داليا المليجي، وكانوا يقومون بالتعقيم للمومياوات نفسها وإلا حدث لها تحلل أثناء العمل، وفريق للفحص بالأشعة لمعرفة حال العظام ومناطق الضعف والقوة، برئاسة الدكتور زاهي حواس والدكتورة سحر سليم رئيس قسم الأشعة في طب القصر العيني والدكتور طارق عبد الأعلى وهو من المتخصصين المتمكنين في مجاله"

"والتعقيم تم بمواد طبيعية كان المصري القديم يستخدمها، وذلك في أواخر عام 2018 حيث بدأ التعقيم وقام به مركز بحوث وصيانة الآثار برئاسة الدكتورة داليا المليجي، ثم بدأ فريق متحف الحضارة في العمل بحالة كل مومياء علي حدة".



 

ما هي نسبة المخاطر المحتملة أثناء النقل؟

"لا مجال للخطاء هنا ولا لأي نسبة مخاطرة، وأي نسبة مخاطرة سألغي عملية النقل فورًا، أولًا حافظنا علي الطبقات تحت جلد المومياوات، وأعدنا مقاومة كل جسم إلى ما كانت عليه، ثم قمنا بعمل صناديق تلائم جسد كل مومياء، كي لا يحدث أي ضعف أو انفصال أثناء النقل"

"وبناء على دراسات حالة التي قمنا بها في السابق لكل مومياء، فالحمد لله نسبة المخاطر والخسائر أثناء النقل والتحرك وآية طوارئ هي 0 %، فالسرير قابل لامتصاص كل أنواع الصدمات سواء الأفقية أو الرأسية، والتثبيت بأحزمة معدة لمنع أي درجة اهتزاز للمومياء أو للسرير الموضوعة عليه"

"والسرير نفسه موضوع داخل صندوق مبطن ومدعم ضد أي أدني حركة أو اهتزاز، أما كل سيارة فبها وحدة اتزان لمنع الحركة الأفقية أو الرأسية مع التدعيم، وهذا أوصل نسبة الأمان إلى  300٪، ووضعنا خطة منذ البداية تتعامل مع أسوأ الاحتمالات الممكنة، ومنها نقل المومياوات علي العجلات الحربية، وهو ما يمثل أعلي معدل صدمات وتم وضع الخطة على هذا الأساس، وهو ما أوصل نسبة الأمان إلى 300٪"

"فكا ما يهمنا هو المحافظة علي جثامين أجدادنا فهي الأثر الأندر، كما أننا أمام ملوك عظام حكموا مصر وحققوا لها سيادة وصنعوا حضارة وتاريخ، مما جعلنا نضع في الحسبان أن تكون نسبة المخاطر صفر%".


ما هي عوامل أمان الكبسولة وأين توجد المومياوات الآن؟

"ما فعله فريق متحف الحضارة يعد معجزة حرفيًا، وحاليًا المومياوات داخل الكبسولات في أمان، في الغرفة 55 بالمتحف المصري في التحرير، وكي تكون الكبسولة مؤمنة تمامًا، استقدمنا جهازًا هو الأحدث في العالم، يعطينا نيتروجين آمن يحفظ المومياء في كبسولتها لمدة خمس سنوات كاملة، حيث استخدمنا أعلى تكنولوجيا في العالم لضبط نسب ترطيب النيتروجين كي تتوافق مع محتوى كل مومياء، وهو نيتروجين غير متصل تمامًا بالبيئة الخارجية مما سيحافظ على المومياء بشكل تام، وبلاستك الكبسولة 3 أضعاف الحماية المعتادة، ويفصل تمامًا ما بين المومياء وما بين البيئة الخارجية، وتم غلق الكبسولة بإحكام بـ 15 نقطة غلق، مما سيعطي حماية مضاعفة".



 

ماذا عن المرحلة الأخيرة والتي لم تأت بعد وهي رحلة الموكب نفسه؟

"قام فريق ترميم وصيانة المومياوات، بدراسة نقاط رفع كل مومياء بدقة، واستخدمنا نسيج قوي لا يضر المومياء بأي نسبة، وتم رفع المومياوات ووضعها في أسرتها، والسرير داخل الكبسولة الخاصة بها، حيث سيتحرك الموكب من القاعة 55 في المتحف المصري بالتحرير حتى الباب الرئيسي، وسيتم حينها تجهيز المدخل بمنصة توازي ارتفاع عربات النقل، والكبسولة داخل صندوق مجهز، وعلى العربة سيكون الاثنان داخل صندوق المجهز بالطريقة التي توفر صفر صدمات، والفريق سيشرف على وضع المومياوات على العربات، وسيصاحبها طوال الطريق إلى المتحف القومي للحضارة المصرية.


وماذا بعد أن تصل إلى المتحف القومي للحضارة المصرية؟

"بعد الوصول ستوضع المومياوات أولًا في الحضانات كي يتم تجهيز كل مومياء، وطبقًا للخطة، أول مرحلة هي فتح الكبسولة لإخراج المومياء، وسيتم تجهيز البيئة المحيطة لتناسب بيئة المومياء في الكبسولة، حتى لا يحدث صدمة للجسد، وما تم عمله في المتحف المصري هو صيانة وقائية، أما ما سيتم عمله في المتحف القومي للحضارة هو صيانة دائمة، وستستغرق من 10 إلى 15 يوم قبل أن توضع في قاعات العرض النهائية".


هل هذا المستوى من الاتقان كان له تأثير على قرار موعد نقل الموكب؟

"هذا الإتقان في العمل، أعطى ارتياح للقيادة السياسية، في أن تختار الموعد المناسب لنقل المومياوات الملكية، والذي سيكون له اعتبارات كثيرة منها عوامل الجو والظروف العالمية، ولن ينطلق الموكب إلا مع الظروف الملائمة التي تدرسها القيادة السياسية بمنتهى الدقة، حيث تستطيع تلك الكبسولات الحفاظ على المومياوات لخمس سنوات كاملة".


هل كان الدعم للمشروع كما تخيلت أم أن الدعم من الوزارة لم يسعفكم؟

"كان وزير السياحة والآثار قوي حيث استجاب لكل ما نطلبه، ويرجع ذلك لأن القيادة السياسية تدعم وتقدر المتحف ودوره، الذي هو ضمن اهتمامها العام بالآثار المصرية كافة، ولولا هذا الدعم لما نجح المشروع، من جانبنا أعددنا التقارير والدراسات اللازمة، ولولا الإرادة السياسية لكان هذا كله مجرد ورق ولم يكن ليتحول إلي واقع، ومديرين المتحف بداية من المهندس محروس سعيد المدير العام الأسبق، وحتي الدكتور أحمد غنيم الحالي، جميعهم وثقوا فينا وكانت هذه الثقة دعما كبيراً لنا".