د. رشا سمير تكتب: فاقد الشىء لا يُعطيه ولا يقليه!

مقالات الرأي




بالأمس كان السؤال التقليدى لأى طفل هو: «لما تكبر يا حبيبى عايز تطلع إيه؟»

وكانت الإجابة التلقائية: «دكتور أو مهندس»..

اليوم تغيرت الإجابة لتصبح:

«فاشونيستا/ بلوجر/ فنان زى الأسطورة/ لايف كوتش/ انفلونسر/ يوتيوبر أو مطرب مهرجانات»

إذن المهن الجادة توارت ولم تعد مأربًا أو حلمًا ولا حتى هدفًا للشباب..

ظهرت مهن جديدة هى أقرب إلى السبوبة من المهنة (وبعون الله كله ماشى فى مصر!).

على سبيل المثال ظهرت مهنة (الإنفلونسر) وهو بحسب المعنى اللفظى للكلمة، الشخص القادر على التأثير على من حوله.. إذن هو قدوة! ولكن الحقيقية إن هذا المدعو الإنفلونسر يتاجر بعقول الشباب ليحول عدد اللايكات التى تأتيه ممن يتابعونه بل ويصدقونه، إلى هدايا ومميزات ومنافع شخصية، والجوهر..لاشئ!.

ثم ظهرت موضة البرامج التدريبية التى تعطى للمتدربين مقابلاً ما يدفعونه من مال شهادة تؤهلهم ليصبحون لايف كوتش Life coach (نفس فكرة جدتك لما كانت بتقولك ماتلعبش مع الولاد الوحشين وكنت بتقلب بوزك وتلعب برضه)! ولكن الفارق هنا أنك تدفع بالساعة للايف كوتش وبالتالى أنت مجبر على تصديقه.. وسؤالى هنا: كيف نترك مساحة خالية لفاقد الشىء عله يعطيه؟ على الرغم من أن التعميم هنا غير صحيح، لأننى قابلت بعضهم ممن يمتلكون العقل والحكمة لإعطاء النصيحة بالفعل، ولكنى أكتب هنا عن من لا يمتلكون المحتوى ولا الفكر..

فهذه فشلت فى زواجها وتتحدث بكل ثقة وتعطيك نصيحة خالصة عن كيفية احتفاظك بشريك حياتك! وتلك يصلها استدعاء ولى أمر كل يوم فى المدرسة لسوء أخلاق ابنها وهى تعطى نصائح على الشاشات عن التربية السوية للأطفال! (يا جماعة فاقد الشىء لا يعطيه ولا حتى يقليه!)

كيف سمحت الدولة بمهنة مهمة مثل هذه المهنة أن تبدأ وتتغلغل فى مفاصل المجتمع؟

وهنا أتذكر كيف كانت بداية ظهور مأساة السبوبة الدينية وقتما كانت الإجازة التى يحصل عليها الدعاة أسهل من الحصول على مصل الإنفلونزا، وبالتالى أصبح اعتلاء هؤلاء لمنابر الدعوة فى مصر كارثة.

المصيبة الكبرى فى مصر الآن من وجهة نظرى هى نظرية احتلال العقول أو الزن على الودان، فما بالكم لو كان هذا الزن له شرعية وشهادة رسمية؟!.

نسيت أن أضم إلى هذه المهن المستحدثة مهنًا أخرى أكثر اثارة مثل: مستشار تسويق سياسى/ خبير استراتيجى/ عالم فلك وأبراج..

هؤلاء أيضا يقفزون علينا من شاشات التليفزيون، مما جعل من المصيبة مصيبتين، فهم دون شك ضيوف أعزاء على كل القنوات التى تبحث عن ضيوف والسلام لملئ فقرات الهوا، ولا مانع حتى من أن يصل الضيف ألى الاستوديو فى المناسبات ومعه قميصين زيادة لزوم التنقل من قناة إلى أخرى.

هكذا أصبح الحال على شاشات الفضائيات كل يوم..وجوه متكررة وثرثرة مضحكة وتعليقات لا يصدقها عقل وهرتلة إنسانية بلا رقيب (وادى إحنا بنملى هوا والضيف بيبعت للجيران لينكات إنجازاته على الواتس آب يمكن يمسكوه اتحاد الملاك)!.

تقع تحت يدى أحيانا مقاطع متناثرة على اليوتيوب بعد أن توقفت عن مشاهدة برامج التوك شو حفاظا على صحتى النفسية، لخبير أسرة وطفل، أو لايف كوتش يعطى نصائح على الشاشة، أو مذيعة قررت أن تقوم بدور الطبيبة النفسية تستمع وتوجه الآلاف من الفتيات اللائى يثقن فى تقييمها لمشاكلهن وتوجيههن للصح.. وسؤالى هنا: ما مؤهلهم الدراسى أو الثقافى الذى يسمح لهم بالتوجيه، وخصوصا أن الأمر تحول إلى معركة ندفع فيها الفتيات للانتصار على الرجال، وننصح فيها الرجل بالمثل؟.

سؤال آخر.. من هى الجهة المنوطة بمنح الشهادات التى تسمح بممارسة مهنة اللايف كوتش على سبيل المثال؟ وما هى المعايير والمقاييس التى يتم على أساسها استضافتهم فى المؤتمرات والتليفزيونات ليبثوا هذا الهُراء فى أذن المستمعين..ويضللوا أجيالاً بأكملها؟.

الضحية هى المتلقى.. هى بكل أسف جيل كامل احتلت عقله ثقافة القطيع ومريدى السبوبة..

أتمنى من الله أن تضع الدولة ضوابط لكل من يخاطب العقول فى مصر، وأن تكف عن إعادة تدوير الفاشلين تحت مسميات متعددة..

كان ماله بس الدكتور والمهندس!!