محمد مسعود يكتب: أساطير الدراما 25.. «أوان الورد» «قنبلة» وحيد حامد.. و«فتنة» المتشددين.. و«حكمة» البابا شنودة

مقالات الرأي




وحيد حامد لم يكتب المسلسل بتكليف من جهة سيادية لمواجهة الفتنة الطائفية.. والفكرة تتحقق فى حفل توزيع جوائز يجمعه بوزير الإعلام

صفوت الشريف طالبه بتقديم عمل فى قوة مسلسل «العائلة».. والكاتب يرد: «فى موضوع مهم.. لكن الرقابة لن تسمح بعرضه».. والوزير الأسبق: «اكتب.. ولا يهمك منهم» 

مدينة الإنتاج الإعلامى كانت ستنتج المسلسل بمفردها ووحيد حامد أصر على المشاركة فى إنتاجه

محمود عبدالعزيز حصل على 100 ألف جنيه عربونًا وخمس حلقات لقراءتها.. لكنه تراجع قبل توقيع العقود

المؤلف رشح فاروق الفيشاوى للعب بطولته بشرط التفرغ الكامل للمسلسل والفيشاوى يرد: «أنا عندى شغل كتير يا وحيد»

دعاوى قضائية تطارد المؤلف وتتسبب فى أزمة قلبية مزمنة.. ومحامون تابعون للجماعات الإسلامية المتشددة حاربوه فى «العائلة» وعرضوا خدماتهم فى معركة «أوان الورد» 

طلبوا من وحيد حامد الدخول لقاعة المحكمة حاملاً الإنجيل والدستور.. ووقتها سيحصل على البراءة حتى لو كان القاضى مسيحيا 

البابا شنودة استدعى وحيد حامد وسمير سيف ويسرا وعددًا من الأقباط الغاضبين ليخمد فتنة المسلسل

كانوا صغارا، ربما فى الصف الأول الإعدادى، متلازمين على الدوام، طوال اليوم الدراسى، قبل أن يفرزونهم، ويفصلون المسلم عن المسيحى، فى حصة «الدين». إلى أن دخل مدرس الدين الإسلامى، ليقدم لتلاميذه ما عنده، رافضا خروج الطلاب المسيحيين، مُصرا على أن يحضروا الحصة على السواء مع المسلمين، تعجب الطلاب جميعا من ذلك الإجبار، ومرت الحصة، وتنفس الطلاب المسيحيون الذى أجبروا على حضور حصة الدين الإسلامى الصعداء، ليفاجأ الطلاب بالحصة التالية، هى حصة دين أخرى، لكن للدين المسيحى، وسيحضرها الطلاب المسلمون.. مثلما حضر زملائهم المسيحيين حصة الدين الإسلامى.

كان المدرس الحكيم فى إحدى مدارس الأرياف، يريد أن يقدم درسا، فى معرفة الآخر.. والتعايش معه.

لم ينس الكاتب العظيم وحيد حامد، هذه الرسالة، كونه كان طالبا حضر الحصتين، ورغم تعجبه واندهاشه مما حدث، لكن التصرف حظى بتقديره وإعجابه الشديد فيما بعد، فتعامل مع الشخصيات الإنسانية فى حدودها، دون أن يتقيد بأى معايير.. غير المعايير الإنسانية، التى تجمع المسلم بالمسيحى فى نسيج واحد، فوق طاولة طعام واحدة، فى عمل واحد، فى سجن واحد!.

وعندما أراد تطبيق فكرة التعايش والتسامح، وفرض الإنسانية على حدود التعاليم الدينية، اصطدمت أفكاره بصخور الواقع، وبعد أن كان عدوا للتيارات الإسلامية المتشددة نتيجة لتقديم مسلسل «العائلة»، وجد نفسه أمام متشددين آخرين من المعسكر الآخر، نتيجة لتقديم مسلسل «أوان الورد».

1- لا أكتب بتكليف

كانت التهمة سريعة التحضير، التى يمكن أن يوجهها أى شخص، للكاتب الكبير العظيم الراحل وحيد حامد، هو أنه لسان السلطة، ويكتب أعماله بتكليفات من جهات سيادية، وهى تهم فاسدة، لم تثبت صحتها فى كل مرة صوبت نحوه، لكن فى مسلسل «أوان الورد» قالوا إن وزير الإعلام الأسبق صفوت الشريف، كلف وحيد حامد بكتابة مسلسل، عن الفتنة الطائفية، وكيفية التعايش والسلام بين المسلم والمسيحى، وأن وحيد لم يكذب خبرا، وشرع على الفور فى كتابة المسلسل.

والحقيقة، وبناء على لقاءات تليفزيونية، وأخبار منشورة، وكواليس مضمونة المصدر، أن وحيد حامد لم يتم تكليفه بكتابة العمل، وكل ما حدث أن وحيد حصل على جائزة أوسكار الشرق الأوسط، لأفضل مؤلف، وحصلت زوجته المذيعة الكبيرة زينب سويدان على جائزة أفضل مذيعة إخبارية، وأثناء صعود وحيد حامد لاستلام جائزته، مازحه صفوت الشريف، كونه وزوجته لم يجلسا على ترابيزة واحدة.

وبعد نهاية القفشة الوزارية، سأله صفوت الشريف عن أعماله الجديدة، ولماذا لم يقدم للتليفزيون أعمالا جديدة بعدما حقق نجاحا طاغيا فى مسلسل «العائلة» قبل خمس سنوات، وبالتحديد سنة 1994، هنا قال وحيد حامد للوزير إن لديه بالفعل موضوعا مهمًا، ربما يكون حساسا لأنه يناقش العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، لكنه يخشى عليه من الرقابة، فربما لا تسمح أبدا بتقديم مثل هذه العلاقة الشائكة على الشاشة، وهنا قال له صفوت الشريف: «اكتب ومالكش دعوة بالرقابة.. ولا يهمك منهم».

2- محمود عبد العزيز

بعد النجاح الطاغى الذى حققه الفنان الكبير الراحل محمود عبد العزيز، برائعته الأهم على الإطلاق «رأفت الهجان» بأجزائه الثلاثة مع الكاتب الكبير صالح مرسى، والمخرج الكبير يحيى العلمى، مر الفنان الكبير بمرحلة من انعدام الوزن.

فنجاح «رأفت الهجان» كان مبهرا ومدويا، لدرجة تجعله يخاف من تقديم مسلسل بعده، فماذا سيحقق، بعد أن حقق كل هذا النجاح فى مسلسل كشف عملية بطولية للمخابرات العامة المصرية، وربما كان وحيد حامد يعلم ذلك، لكنه كان يستخسر السنين التى تمر من دون أن يقدم محمود عملا تليفزيونيا جديدا.

عرض وحيد حامد الفكرة على النجم الكبير الذى وافق على أن يلعب بطولة المسلسل، خاصة أن ثمة عقودًا تم توقيعها بالفعل بينه وبين وحيد حامد كمؤلف ومنتج لفيلم «سوق المتعة»، لكن وحيد وحتى يأخذ الموضوع طابع الجدية، حرر شيكا بمائة ألف جنيه كدفعة تمثل 10% من أجره، وقدمه إليه مع الخمس حلقات الأولى من المسلسل، حصل محمود على الشيك والحلقات وسافر إلى مراقية، وبعد أيام اختلف مع وحيد حامد، ورفض لعب بطولة المسلسل.

وهنا تجدر الإشارة، أن مسلسل «أوان الورد» كان من المفترض أن تنتجه مدينة الإنتاج الإعلامى، وكان يجلس على رأس مجلس إدارتها المهندس عبدالرحمن حافظ، لكن وحيد حامد رفض التعامل مع الأمر بوصفه مؤلفا فقط، وطلب أن يكون شريكا فى إنتاج المسلسل، ووافق عبدالرحمن حافظ، بعد الحصول على موافقة وزير الإعلام وقتذاك.

وكلفت المدينة المنتج الفنى الكبير عادل الشاذلى للإشراف على الإنتاج، وتعاون عادل الشاذلى بالفعل مع وحيد حامد (فعلا كلفتنى المدينة بالتعاون مع الأستاذ الراحل وحيد حامد، وكنت فى كل صباح أذهب إليه فى مكان كتابته بالمريديان، وذات صباح أبلغنى بتراجع الفنان الكبير محمود عبدالعزيز، ولأننى كنت أعرف الأستاذ محمود وعملنا سويا فى مسلسل رأفت الهجان من قبل، كلفنى الأستاذ وحيد بالسفر إليه فى مراقية، واسترجاع الشيك، وحلقات المسلسل، وذهبت إليه بالفعل، وما إن خرجت حدثت الأستاذ على الهاتف المحمول لأحمل إليه نتيجة الزيارة، فأوقفنى كمين شرطة وسحب رخصة القيادة لأننى أتحدث فى الهاتف المحمول أثناء القيادة، وطلب وحيد حامد أن يتحدث للضابط، لكنه رفض، فقال لى أترك له الرخصة، وتركتها بالفعل، وفى اليوم التالى ذهبت لتسليم الأستاذ الشيك والحلقات.. فسلمنى الرخصة المسحوبة!).

3- فاروق يرفض.. والخائن يقبل

قال لى المنتج الفنى الكبير عادل الشاذلى إن اعتذار محمود عبدالعزيز عن العمل، لم يكن مفاجئا لوحيد حامد، فقد كان فى رأسه خيارا آخر (وقتها كان فاروق الفيشاوى فى حساباته، وبعد اعتذار الأستاذ محمود، اتصل بالفيشاوى، وتقابلا بالفعل فى الفندق، وعرض عليه لعب بطولة المسلسل، ووافق على الفور بدون أن يقرأ حبا وثقة فى وحيد حامد، لكن الأستاذ وحيد اشترط عليه التفرغ الكامل للمسلسل، وألا يرتبط بأى أعمال أخرى، وهنا رفض الفنان فاروق الفيشاوى لأنه مرتبط بعقود أفلام من بينها فيلمه مع وحيد حامد «سوق المتعة»، علاوة على ارتباطه بعرض مسرحى).

ما إن انتهى موضوع فاروق الفيشاوى، رشح وحيد حامد، الممثل الهارب الخائن لوطنه هشام عبدالحميد الذى وافق دون أى شروط، ووافقت الفنانة الكبيرة يسرا على لعب بطولة المسلسل دون أى اعتراض، وكانت متحمسة للعمل، لثقتها الكبيرة فى وحيد حامد.

4- لعنة الحلقة التاسعة

عُرض المسلسل فى شهر رمضان للعام الميلادى 2000، لم تكن الحلقات الأولى تنذر بالأحداث الساخنة التى سيواجهها المسلسل، حتى جاءت الحلقة التاسعة، وفيها تزوج ضابط الشرطة المسلم «محمود»، من الفتاة المسيحية «أمل»، وقفت الدنيا على قدم واحدة، دعاوى قضائية ضد وحيد حامد، وهجوم لاذع، وكما واجه متشددين مسلمين، اصطدم بأقرانهم فى المعسكر الآخر، شعر وحيد وقتها بالغيظ والقهر، فهدفه كان ساميا.. وأمام كل هذه الضغوط.. أعلن قلبه العصيان عليه ودخل فى أزمة قلبية مفاجئة فيما بعد.

حاول بعض الأقباط أن ينقلوا إلى «البابا شنودة» أخبارا مغلوطة عن المسلسل، لكن بعض أهل الثقة أخبروه بحقائق يحملها المسلسل بين طياته، فسألهم عن سر غضب الغاضبين، فقالوا لأن وحيد حامد «زوج» فتاة مسيحية إلى شاب مسلم وهذا ضد تعاليم الكنيسة، وانهالت الدعاوى القضائية على وحيد حامد.

وبخلاف الدعاوى القضائية، وصلت إلى مكتب وزير الإعلام وقتذاك صفوت الشريف 150 برقية عاجلة مفادها «أوقفوا هذا المسلسل»، وكان الغريب أن جميع البرقيات تم إرسالها من إحدى القرى فى بنى سويف، وخرجت من نفس مكتب البريد!.

5- الإنجيل والدستور

وجد وحيد حامد نفسه وحيدا فى معركة لا يحمل فيها سوى قلمه وأفكاره، لكن أعداء الأمس، تحولوا فجأة وحاولوا أن يوحوا له بأنهم أصبحوا أصدقاء له، وأنهم لن يتركوه وحيدا فى معركته ضد الأقباط.

زار وفد من المحامين التابعين لجماعات إسلامية متشددة وحيد حامد، وطالبوه بأن يذهب إلى المحكمة فى كل قوة، وأن يدخل إلى القاعة حاملا بين يديه كتاب الدستور المصرى، وفى يده الأخرى «الإنجيل»، وأن يقف أمام القاضى ويقدم له الدستور المصرى الذى ينص على أن الدين الإسلامى، هو الدين الرسمى ومصدر التشريع، وأن الشريعة الإسلامية تحل زواجًا المسلم من مسيحية، علاوة على أن الإنجيل لا يوجد به نص صريح يمنع ذلك.. هكذا قالوا له، وأكدوا أن بهذه الطريقة سيحصل على البراءة.. وحتى إن كان القاضى الذى سيصدر الحكم مسيحيا.. سيحكم برفض الدعوى!.

لكن وحيد حامد لم يصدقهم، ورفض التعاون معهم تماما، فكيف يتحول عدو الأمس إلى حليف اليوم؟، وكيف يخسر معركة الفكر؟، مقابل مكسب محدود هو الفوز ببراءة من ساحة المحكمة، فإن فعلها فإنه سيخرج من نطاق الدفاع عن الفكر للدفاع عن النفس، وكان لوحيد حامد قناعة، أن يدافع عن فكره، حتى وإن ضحى بنفسه.

6- حكمة البابا شنودة

احتدمت الأمور برفض وحيد حامد عرض المحامين التابعين للجماعات الإسلامية المتشددة، لكنه فوجئ باستدعاء صريح من البابا شنودة الثالث لأسرة المسلسل، طلبهم جميعا، وحيد حامد وسمير سيف ويسرا للقائه، كما استدعى المعترضين، وجعل أسرة المسلسل تستمع إلى أقوالهم التى لم تخرج عن فكرة زواج مسيحية من مسلم فى الحلقة التاسعة، فقال لهم وحيد حامد إنها ندمت أشد الندم فى الحلقة الخامسة عشر، فقالوا إن هناك 6 حلقات كاملة هى زوجة ولم تندم فقال هذا لدواع درامية.

والحقيقة كان لوحيد حامد رأى، أن علاقة الزواج، حتى وإن تمت نتيجة لقصة حب، فأنها تفتر مع الزمن، ومن كانا حبيبين.. عندما تزوجا واجها شبح الطلاق، فعلى ذلك فليتزوج المسلم من مسلمة.. والمسيحى من مسيحية، لأن فى النهاية، النتيجة واحدة!.

بتدخل البابا شنودة بحكمته المعهودة انتهت الدعاوى القضائية، خاصة عندما ابتسم البابا وقال «المفروض تشكروه لأنه جعلها تندم.. بدلا من أن تهاجموه».