الجهاد والمال.. كيف تجند تركيا المرتزقة للحرب عنها بالوكالة؟

تقارير وحوارات

أرشيفية
أرشيفية


لا تزال تركيا محط انظار المجتمع الدولى، لما تنتهجه من ممارسات لا تمت إلى السياسة بصلة، ولا تحترم القواعد والقوانين والمواثيق الدولية، إذ تلجأ دائما إلى تأجيج الصراعات، وإشعال الأزمات، ويصل الأمر إلى تجنيد المرتزقة، والدفع بهم إلى المعارك، وإلى جبهات القتال.

مرتزقة تركيا فى ليبيا وأذربيجان

ففى ليبيا، حرصت تركيا على إرسال مرتزقة الفصائل السورية الموالية لأنقرة، إلى أراضى المختار، للقتال، ولمعاونة حكومة الوفاق المنتهية ولايتها، برئاسة فايز السراج، الذى استقال، بعد ضغوط شعبية لم يستطع هو ولا حكومته الصمود أمامها، متخليا بذلك عن داعمه التركى، رجب طيب أردوغان، الذى طالما أمد الميليشيات الموجودة فى ليبيا بالمال والسلاح، وحتى الأفراد، حين جند المرتزقة، ودفع بهم إلى الأراضى الليبية، لقتال الجيش الوطنى الليبى، ومع استقالة السراج، لم يجد الغازى التركى طريقا أمامه سوى سحب المرتزقة الموالين له من الأراضى الليبية، خصوصا بعد التطور الحاصل فى المفاوضات التى جمعت أطراف التنزاع برعاية دول عدة، فى مقدمتها مصر، إلى جانب تطور الحوار الليبى - الليبى، الرامى إلى توحيد المؤسسات الليبية، وتفكيك الميليشيات، وطرد الأتراك والمرتزقة من ليبيا، وصولا إلى إجراء انتخابات مبكرة، واستعادة الأمن والاستقرار.

ومع انتهاء دور المرتزقة فى ليبيا، وإعادتهم إلى سوريا مرة أخرى، ظهرت مهمة جديدة تحتاج فيها تركيا إلى المرتزقة، للحرب عنها بالوكالة، فمع اندلاع الاشتباكات والقتال، والقصف المتجدد، بين أرمينيا، العدو التاريخى لتركيا، وأذربيجان، الحليف القوى لها، حول منطقة ناجورنو كاراباخ، الانفصالية، وهى منطقة عرقية أرمينية داخل أذربيجان، خرجت عن سيطرة أذربيجان منذ نهاية الحرب فى عام 1994، وللجانبين وجود عسكرى مكثف على طول منطقة منزوعة السلاح تفصل المنطقة عن بقية أذربيجان، بادرت تركيا بإعادة تجنيد المرتزقة السوريين، وإرسالهم إلى جبهات لقتال لمعاونة أذربيجان، فى حربها ضد أرمينيا، إلى جانب وقوف تركيا داعمة لأذربيجان بالجند والسلاح، وهو ما اعتبرته أرمينيا طريقة ممنهجة لإبادة جماعية تركية أخرى بحق الأرمن.

حروب بالوكالة

وفى تقرير له، اليوم الأربعاء، قال المرصد السورى لحقوق الإنسان: "يبدو أن تركيا اعتادت على أن تشارك فى حروب بالوكالة، مع حرصها ألا تتكبد إلا الحد الأدنى من الخسائر البشرية والمادية، فى مقابل الوصول لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب والأهداف الاستراتيجية، فهذه المرة الثانية التى تلجأ فيها أنقرة لاستغلال السوريين والزج بهم في حروب لا طائل من ورائها، فبعد تحويل المقاتلين السوريين الموالين لها إلى مرتزقة فى ليبيا بحجة قتال روسيا التى تتدخل فى شئون بلادهم، ها هى تعيد الكرة، وتقوم بتجنيد المقاتل السورى فى الصراع الأذربيجانى - الأرمينى، على إقليم ناجورنو كاراباخ، القائم منذ 1992، عقب انتهاء الحقبة السوفيتية، وتلقى بهم فى حرب لن يجنوا منها سوى الموت".

وأضاف المرصد السورى: "منذ أوائل أكتوبر 2020، تواجد أعداد من المرتزقة السوريين الذين يقاتلون فى كاراباخ، بالرغم من نفى الجانب الآذرى لوجودهم فى الإقليم المتنازع عليه بين باكو ويريفان، إذ بلغ عددهم ما لا يقل عن 1450 مرتزقًا، توفى منهم نحو 119 فى العمليات القتالية الدائرة فى الإقليم، وصلت جثث 78 منهم إلى سوريا فيما لا تزال البقية فى أذربيجان".

وتابع المرصد أنه كان قد أعلن، يوم الأحد الماضى، عن وجود شريط مصور بحوزته يضم مقاطع مصورة لفصيل "السلطان مراد"، فى أجزاء من إقليم كاراباخ.

مراحل وطرق تجنيد المرتزقة السوريين وإرسالهم إلى أذربيجان

وعن مراحل وطرق تجنيد المرتزقة السوريين وإرسالهم إلى أذربيجان، قال المرصد: "يتم تجنيد الشبان السوريين من قبل مكاتب تجنيد بدعم من المخابرات التركية، أو من خلال قادة الفصائل التابعة لتركيا شمال وشمال غرب سوريا، في المناطق الواقعة ضمن نفوذ الجانب التركى، وذلك من خلال عمليات الترغيب سواءً باستمالة هؤلاء الشباب عاطفيًا ودينيًا، عن طريق عمليات غسيل العقول، وإصدار الفتاوى، فقد أصدر أحد ممثلى الجيش الوطنى فتوى تقضى بأن الجهاد فى أذربيجان فرض كفاية، بغض النظر إن كان من تقاتل معهم من الطائفة الشيعية، نظرًا لأن أغلبية المسلمين الآذريين هم من الشيعة".

وأوضح المرصد: "كما يتم التجنيد أيضا من خلال التحفيز المادى، حيث تم تخصيص راتب يتراوح بين 1500 و2000 دولارًا لمن يجند ضمن المرتزقة السوريين المرسلين إلى أذربيجان، كذلك تم إقناعهم بأنهم لن يشتركوا في أعمال القتال بل سيقتصر دورهم على حراسة منشآت النفط الآذرية، التى ترتبط بتعاقدات مع الجانب التركى".

وأكد المرصد السورى: "يتم نقل المرتزقة من سوريا إلى تركيا، ثم ينقلون جوا إلى أذربيجان داخل بؤر الصراع وساحات القتال بواسطة شركات أمن تركية خاصة".

وعن أسباب لجوء الجانب التركى لتجنيد المرتزقة السوريين، وإرسالهم إلى إقليم ناجورنو كاراباخ، قال المرصد السورى: "هناك أسباب عدة، يعد أبرزها: استغلال أنقرة لتدهور الأوضاع الاقتصادية وانتشار البطالة، إلى جانب رغبة تركيا فى حماية مصالحها الاقتصادية فى الإقليم، لا سيما فى مناطق إنتاج البترول والغاز ومنشآته، كما استغلت أنقرة الدعم الروسى لأرمينيا، وقامت بتحريض المرتزقة السوريين للتواجد فى كاراباخ، من أجل دعم الجانب التركى - الآذرى هناك بدعوى الثأر من موسكو، ومحاولة الضغط عليها، وتصفية حسابات معها تتعلق بالملف السورى، ومن ناحية أخرى يحرص أردوغان على خفض معدل الانتقادات الداخلية التى توجه له، وتؤثر سلبًا على شعبيته، بسبب استنزاف القوى العسكرية التركية والمقاتلين الأتراك فى عمليات خارجية لا طائل من ورائها، وتكبده المزيد من الخسائر على غرار ما حدث عند قتل الجنود الأتراك فى سوريا، لا سيما وأن هذه الحرب هى حرب اقتحامات لا تلائم الجيوش، وإنما تناسب المرتزقة، كما سعت أنقرة إلى استغلال وجود الفصائل التركمانية السورية واستمالتهم، حيث يتم تدريبهم وإدارتهم من خلال تركيا علمًا بأنهم الأكثر ولاءً وانصياعًا للنظام التركى، للروابط القومية المشتركة، مما سهل عملية التجنيد لكثير من المرتزقة السوريين، خصوصا من تلك الفصائل، إلا أنه وعلى الرغم مما سبق تواجه الحكومة التركية صعوبة فى تجنيد المقاتلين للذهاب نحو أذربيجان، بسبب رفض الكثير من الفصائل الذهاب لأسباب عدة أبرزها الجانب الطائفى".