دكتور خالد صلاح يكتب: لماذا.....؟

مقالات الرأي

بوابة الفجر


يتبادر سؤال رئيس إلى أذهاننا جميعاً بكل أدوات الإستفهام المقروءة والمكتوبة ومختوماً بكل علامات الاستفهام والتعجب لماذا يقوم المتحرش بهذا الفعل القبيح؟
وبالطبع لا يجيب ولم ينجح أحد.
ويتبع هذا السؤال أسئلة أخرى.
ما هي الأسباب الكامنة وراء التحرش؟
ما هي المتعة التي يجدها المتحرش في هذا الفعل الغير أخلاقي؟
والسؤال الرفيع والذي عليه ثلث الدرجة وربما الدرجة كلها لو أجاب المتحرش عليه وهو
ماذا تفعل لو كانت المُتحرَش بها هي أمك أو أختك أو زوجتك أو ابنتك؟
للأسف لا يوجد إجابة لدى المتحرش ولم ينجح أبداً.
والمفأجاة أنه أساساً لا يعرف معنى التحرش.
فلا يعرف أن التحرش عند سيبويه إمام النحاة هو تَحَرّش.. يتحرش.. مُتحرّش.
 والتَّحَرُّشُ الجنسي هو إثارة المرأة وإغراؤها للإيقاع بها جنسياً.

والتحرش عند آخرين هو كل قول أو فعل أو إشارة  أو إتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على الرغبة في الإيقاع الجنسي بالطرف الآخر أو إهانته أو إستفزازه أو تحقيره بسبب جنسه أو مجرد خدش حياء الأُذن أو خدش حياء العين.

والتحرش في القانون المصري كما نصت المادة 306 مكرر(ب) من قانون العقوبات على:

 " يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة الآف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرّض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية".

 وملحقات هذا القانون بمضاعفة العقوبة إذا تكرر الفعل أو إذا كان المتحرش الجاني له سلطة وظيفية  أو أسسرية أو دراسية على المجني عليه أو مارس عليه أي ضغط تسمح له الظروف بممارسته عليه.

نعتذر على الإطالة فقد أُغرمت بالقانون ونصوصه وسعدتُ به سعادة متشفياً في المتحرش وما ينتظره من عقوبة حتى ولو بالتفكير في خياله المريض.

وقد لفت إنتباهي من التعريفات السابقة أن التحرش يكمن في عدة أسباب لابد أن نهتم بها ونسأل أنفسنا كثيراً عنها.

هل التحرش سببه ضعف الوازع الديني, أم سببه اقتصادياً أم اجتماعياً أم نفسياً.

في الحقيقة كل هذه الأسباب مجتمعة وراء ظاهرة التحرش والباعثة له والمنتجة لهذه الآفة.

ربما يكون سبب التحرش هو ضعف الوازع الديني لدى المتحرش سواء كان بأحكام الدين بأن هذا الفعل حرام شرعأ أو إيمانياً بارتفاع الشهوة لديه على الروح التي مجددها الأديان السماوية, فإذا كان الوازع الديني لديه ضعيف فانتظر من المتحرش فعله.

وربما يكون سبب التحرش اقتصادياً والمتمثل في البطالة الحقيقية والفراغ وعدم وجود فرص عمل أو بطالة غير حقيقية والمتمثلة في الأعمال والوظائف والتي يذهب إليها المنتسبين إليها في الصباح ليوقع الحضور ثم ذهب ولم يعد.

وربما يكون سبب التحرش اجتماعياً وملحقاته من التفكك الأسري وغياب دور الأسرة عن القيام بواجباتها في التنشئة الاجتماعية السليمة وعدم مراقبة الابناء وتوجيههم التوجيه الصحيح وتركهم فريسة لسلبيات الانفتاح التكنولوجي والميديا غير المسئولة.

وربما يكون السبب وراء التحرش نفسياً والمتمثل في أن المتحرش إنسان.... عفوا ليس إنسان بل من ذات القدمين ذو سلوك مضطرب بصرف النظر عن عمره أو مستواه الاجتماعي أو الثقافي وأنه ليس مريضاً: المرض الذي لا يعاقب عليه القانون.....حتى لا يستغل ذلك من يدافعون عنهم مقابل الجنيه والدولار, وأن المتحرش مدرك لأفعاله ولكنه يعاني خللاً يجعله يتصرف بعنف تجاه الآخرين, بالإضافة إلى أن المتحرش يجد لذة وقتية في إيذاء ضحيته  وانكسارها وكلما شعرت الضحية وأظهرت ضيقها كلما زادت سعادته بسبب خلفية نفسية مضطربة لديه والهروب من الشعور بالضعف والانكسار.

وعليه أقول أن الأسباب السابقة ليست مبرراً للمتحرش على فعله وإنما أردت بها أن أدق باب كل الجهات المسئولة والمهنية والتي يؤرقها ظاهرة التحرش, والتي يجب أن تقوم بدورها على أكمل وجه لبتر وجود هذه الظاهرة الشنيعة من مجتمعنا.

فواجب رجال الدين من تغيير الخطاب الديني لدى البعض وعدم إلقاء المسؤولية كلها على الفتاة والضحية وزيادة الدروس الدينية الثقافية والتوعوية والإيمانية للشباب وجميع أفراد المجتمع.

وواجب المؤسسات الاجتماعية في الدولة بما فيهم المدارس والجامعات والنوادي من ايجاد استراتيجية تعليمية وتوعوية والمتمثلة في الندوات والمؤتمرات لبيان اسباب وعلاج التحرش.

وواجب كل أب وكل أم  أن ينتبها ويستفيقا لادوارهما وان يؤدوه بشكل طبيعي ومتكامل غير منقوص وأن يملأوا فراغ ابناءهم ويزرعوا فيهم القيم والمثل وأن يعملا على الارتفاع بالروح على الجسد وينموا فيهم الاخلاق الحميدة والتشبع الروحي.

وأن يزرعوا في ابناءهم حقيقة الشهامة والمروءة بأن كل طفلة هي بنتنا وكل فتاة هي أختنا وكل أمرأة هي أمنا وأن مهما كانت الأسباب الدافعة للتحرش ليست مبرراً له وأن يرددوا دوما في أعماق أنفسهم سؤال واحد فقط :  لماذا التحرش؟

للتواصل مع الكاتب.. [email protected]