عبدالناصر حسن يكتب عن: راهب الحقيقة الدكتور هشام صادق

مقالات الرأي

بوابة الفجر


فى ذاكرة الأمم الحية ومجتمعاتها والأفراد أرقام وتواريخ فى الأعناق كإيمانهم بمعتقداتهم، يستخلصون منها العبر ويرجعون إليها مستلهمين الهمم خصوصا فى أوقات المحن، فحين الاستيقاظ من النوم وتبيان تاريخ اليوم الجديد تدور الذاكرة أنه يوم السابع والعشرين من يونيو ٢٠١٧ طلت روحه فى ذكرى رحيله الثالثة، ليس كونه أستاذًا جامعيًا والتبجيل والاحترام لأساتذتنا جميعهم، الاستاذ الدكتور هشام صادق العميد السابق لحقوق جامعة بيروت وأستاذ القانون الدولى الخاص بحقوق الإسكندرية إنه المفكر إنه النبراس، كانت أولى محاضراته لنا ونحن طلبة الفرقة الرابعة بحقوق الإسكندرية وكانت لدينا من سابقينا عن شخصيته الفذة، كأن ملائكة من الرحمن ترصنا وتضفى علينا إنصاتا لهذا العالم الجليل وفى شرحه كان يطلعنا على أحدث مستجدات عالم النزاعات الدولية فى قانون الجنسية وكان منطوقه بلغات تلك البلدان من عربية كمحكمة النقض المصرية والإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية ويرجع لنا ذلك بلغته العربية الممشوقة وكاملة البيان حببنا فى تلك مادته رغم صعوبتها وكما حببنا فى استزادة علوم اللغة، كان يطرح رأيه دون مواربة خوفا من تنصت أو غضب الحاكم وإصغائنا لدرسه وانبهار علمه وكاريزما شخصه، كان يحب شخص وسياسة الزعيم الخالد جمال عبدالناصر وكان ينتقد أساليب جهاز أمنه فما أعشقه من حرية الكلمة وحق الإنسان فى عيشة كريمة وحقه فى معرفه الحقيقة فى كل ما يدور حوله، وبعد تخرجنا فى الجامعة وانفتاحنا على مجتمعنا فى المجال المهنى طرحت اسم سيادته على نقيب المحامين ليلقى علينا محاضرات بمعهد المحاماة ولم يكن يعرفه فحضر وجلس بجواره نقيب المحامين وصار الجميع يستمع لعلم لم نعلمه، وما أن أنهى محاضرته إلا وقد ضجت القاعة تصفيقا وبادر النقيب يجلد نفسه لأنه فاته كل السنين دون علم أستاذنا وعظيم وكاريزما شخصه، ذات يوم طلبنى أستاذى الجليل الراحل فنلت شرف زيارة بيته، طلب منى بكل صراحة أن أطرح عليه وقتها مآس شخصية وأصر على استخراج الصدق منى وكأنه يعلم الكثير فصرت صادقا أخذ أشهرًا وسنينا يحاول معى إيجاد حل لبعض مما كنت أعانى، وعرض التدخل وأشهد الله أنه عرض المساعدة بمال وفير حتى يمكن أن تطيب نفسه هو حين تطيب نفسى شكرت إنسانيته وانحنيت احتراما له، فى التاريخ نفسه تذكرت عناء مصر من أزمات عديدة سد النهضة وتأمين الحدود غربا وشرقا أيضا فما أحوج عالم اليوم إلى أستاذ وخبير متمرس يعطى رأى ونصيحة لأن الوطن لنا جميعا ولا مجال الآن لتكميم الأفواه فالوطن فى خطر وما أحوجنا إلى الوحدة، ثلاث سنوات طللت علينا أستاذنا الجليل فما أحوجنا لعلمك وأنا فما أحوجنى لجميل قولك وعظيم مأزرتك، فسلام عليك يوم مولدك ويوم أن درست لنا ويوم رحيلك وسلام عليك أولاً وآخرًا.