مسلسل سويدى مبهر مستوحى من قصص حقيقية | من ستوكهولم إلى الرقة.. رحلة مراهقات داعش من «الغواية» إلى «الندم»

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر



بين العاصمة الداعشية «الرقة»، و«ستوكهولم»، تدور وقائع ومخططات «الخلافة»، المسلسل السويدى، الذى بدأت شبكة نتفليكس، عرضه قبل أسابيع، بعد نجاحه فى تحقيق نسبة مشاهدة غير مسبوقة، فى السويد، دفعت الشبكة العالمية بعد ذلك إلى شرائه، ليصبح متاحًا لمشتركيها حول العالم.

المسلسل الذى يقع فى 8 حلقات، ويحكى عن 5 فتيات سويديات مسلمات، تقع أربع منهن كضحايا لتجنيد تنظيم داعش الإرهابى، والمستوحى بالفعل من واقعة هروب ثلاث فتيات بريطانيات، إلى أراضى تنظيم داعش، هو واحد من أنضج الأعمال الفنية التى تتناول واقع وتكتيكات وخطط التنظيمات الإرهابية فى الغرب، وكذلك دوافع ونمط حياة الإرهابى داخل أرض «الخلافة».

وذلك بالتوازى مع الخط الدرامى الرئيسى فى المسلسل وهو تجنيد الفتيات الغربيات لصالح التنظيم، وكيفية التركيز على نقاط ضعف الضحية، واصطيادها، كما يتتبع مسار الفتاة بدءًا من مراحل التجنيد والهروب وحتى الانتهاء فى الكثير من الحالات، بالندم والرغبة فى الفرار من أراضى التنظيم والعودة إلى الوطن مرة أخرى، كما فى حالة (برفين)، إحدى بطلات المسلسل، التى سبق أن انخرطت فى علاقة عاطفية مع (حسام)، سافرا بعدها إلى أراضى داعش وتزوجا هناك، إلا أن قسوة الحياة فى ظل التنظيم وفظاعة الواقع هناك، والتى تصل بها إلى الوقوع كضحية للاغتصاب فى النهاية، تدفعها إلى التواصل سرًا، مع (فاطمة) التى تعمل ضابطة فى الشرطة السويدية لتساعدها فى العودة إلى وطنها.

إلا أن فاطمة تطلب من برفين أن تتجسس على زوجها، والوصول إلى معلومات من قلب التنظيم، تفيد فى منع هجوم إرهابى وشيك على السويد، فى مقابل مساعدتها على العودة.

وذلك فى نفس الوقت الذى تجرى فيه بالفعل عملية تجنيد ثلاث فتيات أخريات لصالح داعش، هن (زليخة) و(كريمة) و(ليشا)، يقوم بها المدرس (إبى) أو إبراهيم حداد «المسافر»، الذى يخطط للهجمة الإرهابية المرتقبة على السويد، وهو داعشى من أم سويدية وأب مصرى، عائد قبل شهور من أراضى التنظيم، كما تشير الأحداث.

فتبدأ أحداث المسلسل وكأنه يطرح نموذج سولى (زليخة) وبيرفن، كما وأنهما طرفى نفس القصة، إحداهما فى بدايتها، والأخرى وصلت للتو إلى خط النهاية، أو كأن حكاية سولى، هى فلاش باك واقعى، لحكاية برفين.

يشتبك «الخلافة» مباشرة مع قضية شائكة وشديدة الحساسية، تتمثل فى علاقة التطرف الإسلامى بالغرب، وغزو تنظيمات كداعش والقاعدة، للمجتمعات الغربية، واستغلال أزمات المهاجرين من أصول مسلمة، فى مقابل نمو ظاهرة الإسلاموفوبيا، فى تلك المجتمعات.

ويحاول المسلسل التفرقة بين المتطرفين، وبين المسلمين من المواطنين السويديين الذين انصهروا فى مجتمعهم، وأصبحوا جزءا منه، بل من منظومته الأمنية أيضًا وأشار إليهم عمليًا بـ(فاطمة)، وهى مسلمة من أصول بوسنية، فرت مع والدتها وهى طفلة، من المذابح الصربية، وكذلك الحال بالنسبة لزميلها نادر، وهو مسلم أيضًا، بخلاف نموذج الأب والأم اللذان يفزعان من بوادر التطرف لدى ابنتهما (زليخة).

كما يثبت المسلسل نفسه كأحد أكثر الأعمال الفنية الغربية وعيًا بتفاصيل ملف الإرهاب دون صخب أو مبالغة، أو توجيه للمشاهد بشكل فج إلى نقاط دعائية بعينها، فى سياق درامى يرى أن كل التفاصيل والزوايا على نفس الدرجة من الأهمية.

كما يحقق سبقًا بأن ينقل للمشاهد، صورة حياة تبدو «حقيقة» من داخل أسر ومنازل تنظيم داعش فى مدينة الرقة، عاصمة «دولة الخلافة»، ومرورًا بشكل الحياة داخل أحياء الرقة، ومشاهد الإعدام فى الساحات، ودوريات الشرطة الداعشية فى المدينة، كما يتعرض لتفاصيل دقيقة كشكل الإجراءات المتبعة داخل مراكز استقبال النساء الوافدات لأراضى الخلافة.

وقبل ذلك يقدم المسلسل السويدى أنماطًا مختلفة للعناصر داخل صفوف التنظيم، يجعله يربح بالتأكيد، فى حال مقارنته بعدد من الأعمال الدرامية العربية التى سبق أن تناولت الحياة داخل تنظيم داعش بشىء من السذاجة.

فلا يمكن للباحث أو المتخصص فى شئون الإرهاب وتنظيماته، ألا يربط أثناء المشاهدة بين شخوص المسلسل وبين وقائع حقيقية، أو إرهابيين حقيقيين، سبق أن نفذوا أو أداروا مخططات لداعش فى أوروبا، وذلك يحسب بالتأكيد لصالح المسلسل، الذى يترجم بحث دقيق لاستراتيجيات تلك التنظيمات ومسار عملياتها فى الغرب، قام به مؤلفو المسلسل، الصحفى السويدى ويلهلم بيهرمان، وشريكه فى الكتابة نيوكلاس روك ستروم، الأمر الذى حول المسلسل إلى عمل حقيقى، من لحم ودم، واستراتيجيات، إرهابية نراها على الشاشة.

فلا يمكن على سبيل المثال أن لا يستدعى ذهنك «عبدالحميد أباعود» أو «أبو عمر البلجيكى»، منسق عمليات داعش فى أوروبا، وقائد هجمات باريس 2015، وأنت تشاهد «المسافر» يتحرك على الشاشة ويخطط لهجماته المتزامنة على ستوكهولم، كما لن تغيب عن ذاكرتك مشاهد شميمة بيجوم أو غيرها من مراهقات أوروبا فى لقاءاتهم التليفزيونية، بعد انهيار «دولة الخلافة» الداعشية، وأنت ترى واقع (برفين)، بعد أن تربط بين صور مراهقتهن قبل الانضمام إلى داعش، وبين شخصيتى (كريمة) و(سولى).

بخيط درامى حريرى وسياقات مغزولة درامية بنعومة شديدة إذن، يجسد المسلسل ماخلصت إليه البحوث والدراسات عن دوافع «عرائس داعش» الأوروبيات، من المراهقات اللواتى أصبحن ضحية لوهم «الدولة الإسلامية»، فصدر «الارتباط العاطفى» كأولوية دفعت برفين سابقا للسفر إلى سوريا بعد ارتباطها بحسام القدورى، وهو أيضًا نفس الخيط الذى اعتمده «المسافر»، الإرهابى «المحورى» الذى تلتقى لديه كل خيوط القصة فى النهاية، فى استدراجه للفتيات الثلاث الرئيسيات فى قصة المسلسل، واللواتى يمثلن بدورهن نماذج من فتيات داعش الأوروبيات، ودوافعهن للالتحاق بالتنظيم.

فـ(كريمة) تعانى من الاضطراب الأسرى، بسبب إدمان والدها السكير وسلوكه العنيف جراء صدمة تعرض لها من الحرب فى الشيشان، ثم وفاة والدتها بعد ذلك، كما تجذبها صور مقاتلى التنظيم، الأزواج المنتظرون للفتيات فى حالة سفرهن إلى أراضى داعش، ويظهرن كأبطال خارقين، شديدى الوسامة والجاذبية الجنسية، مفتولى العضلات، وفارعى الطول، كما تصدرهم الفيديوهات، والآلة الدعائية للتنظيم.

أما (زليخة) المراهقة الأكثر وعيًا، والمهتمة بما يتعرض له الشعب الفلسطينى من قهر من قبل إسرائيل، يناقض ماتروج له وسائل الإعلام الغربية والأمريكية، تعيش أيضًا أزمة الهوية، وتهميش أبناء المهاجرين إلى أوروبا، وترى أن سقف طموحها وزميلاتها وزملائها فى نفس المدرسة من أبناء المهاجرين، مقضى عليه تمامًا.

وكلاهما «سولى» أو «كريمة»، استطاع «إيبى» ومن بعده «غادة» بعد ذلك، التى تبدو كسمسارة فتيات للتنظيم، فى تسويق «دولة الخلافة» لهما بوصفها «المجتمع المثالى» والملاذ الوحيد، التى يحصل فيها المرء على المساواة والعدل، وأيضًأ على طعام وصحة وتعليم مجانى، تحت راية « الشريعة الإسلامية»، كما تقول سولى فى حوارها مع والدها، فى مقابل واقع مادى صعب تعيش فيه العديد من أسر هؤلاء المهاجرين فى الدولة الأوروبية والغربية.

وذلك بخلاف «مريم» العاملة فى المطار، المهاجرة من العراق، التى تحمل فى طيات نفسها، توقًا للانتقام من الغرب، نجح إيبى فى استغلاله بعد التقدم لخطبتها، لتقوم مريم بتمرير «قنبلة»، إلى الطائرة التى خطط التنظيم لتفخيخها.

فنرى أن الفتيات الثلاث قد لخصن شرائح كاملة من الفتيات اللواتى تم تجنيدهن من قبل التنظيم، فى الغرب.

بوضوح، يلقى المسلسل الضوء على الجيل الثانى من أبناء المهاجرين الذين لا تتوفر لديهم فى كثير من الأحيان أى ثقافة بالدين، ولا حتى بكيفية الصلاة أو قراءة القرآن، وبالتالى يمكن استدراجهم بسهولة للتطرف من بوابة الجهل الدينى.

وذلك فى مقابل أسر مسلمة قد تكون معتدلة لكنها لا تملك إجابة على الأسئلة والحجج الشائكة لدى هؤلاء الفتيات، اللواتى يكلن لأسرهن الاتهامات بالجبن عن مواجهة مجتمعات تناهض الإسلام، كما تم تلقينهن من قبل دعاة التنظيم، ورسله فى الغرب، وهى الشريحة التى يجسدها والد ووالدة زليخة وليشا، حيث لا يملكان إجابات شافية أو واضحة للانتقادات التى توجهها زليخة.

يجسد «المسافر» أيضًا فى مسلسل «الخلافة» السويدى، النموذج المثالى لمسئول الاتصال التنظيمى الغربى، شديد الذكاء والدقة، ودود، يتمتع بكاريزما، لنسج العلاقات المتشعبة فى عدة اتجاهات فى وقت واحد.

وقد نجح الممثل لانسيلوت نوكوبى، الذى جسد شخصية إبراهيم حداد فى تحويل وجهه إلى لوحة إلكترونية تترجم لنا إحداثيات العملية بمراحلها، من التركيز الشديد، إلى الود اللين وخفة الدم والنكتة الحاضرة، وإلى الابتزاز والمساومة، كما فعل مع العريشى المصرى، وهو يضغط عليه ليوفر له السماد الصناعى اللازم لصنع المتفجرات، وكذلك فى الوصول إلى الوحشية فى قتل ضحيته العجوز، فى المشاهد النهائية للمسلسل.

يعرض أيضًا المسلسل لظاهرة الماضى الجنائى للمنضمين إلى داعش فى أوروبا، كما فى حالة «أحمد» الذى سافر قبلاً إلى «الرقة» واغتصب وقت اللزوم برفين زوجة صديقه، وكذلك الحال مع «جاكوب» الذى تحول إلى الإسلام فى آخر مرة سجن فيها، وتم تجنيده، لتنظيم «الدولة»، ومن ثم قام بتجنيد، شقيقه «إيميل»، ويكلفان من قبل «المسافر، بالهجوم الذى يتم التخطيط لتنفيذه فى محطة المترو.

وكما أن الشقيقين فى هذه الحالة هما تجسيد لعناصر داعش من المتحولين للإسلام حديثًا فى أوروبا، فهما أيضًا مثالًا صريحًا للعديد من خلايا الأشقاء التى ظهرت فى العديد من العمليات الإرهابية فى أوروبا، سواء من القاعدة أو داعش، حيث يبدو لرابط «الأخوة» الأولوية فى ضمان الثقة والولاء بين عناصر الخلية الواحدة.

الداعية المتطرف الذى يشحن الإرهابيين دفعات إلى أراضى الخلافة متمثلًا فى شخصية «أبو جبريل»، وكذلك الأهداف التى تحتل دوما الأولوية لدى تلك التنظيمات، لتحقيق أكبر صدى إعلامى ممكن وإسقاط أكبر عدد من الضحايا، كالطائرات ومترو الأنفاق والحفلات الغنائية، كلها نقاط تم التركيز عليها بوعى لافت.

فيما يتبنى وجهة نظر صريحة مفادها أن هؤلاء الفتيات المراهقات المنضمات إلى داعش، ربما يكن فى مرحلة من المراحل قد وقعن ضحية مشتركة للتنظيم ولأجهزة الأمن الغربية على حد سواء.

استمرار إيبى فى هجمة أخرى فى حفلة للمراهقات، رسالة واضحة للأمن السويدى، أنه لن يستطيع أبدا أن يبقى الجميع تحت سيطرته كما يتخيل مادام ينتهج تلك السياسة غير القانونية فى ترك الإرهابيين طليقى السراح، حتى اللحظة الأخيرة لتحقيق بروباجندا إعلامية، فـ»المسافر» الذى ينتهى المسلسل دون القبض عليه، لم يكن أبدا تحت السيطرة الكاملة.