حكاية البحث عن مقبرة أوزيريس.. وترنيمات الحج عند المصري القديم

أخبار مصر

معبد
معبد


الاكتشافات الأثرية دائمًا ما تخفي ورائها مغامرة ما، ومعاناة فرق البحث التي استغرقت أشهرًا وأعوامًا حتى وصلت لحقيقة جديدة تتعلق بتاريخ مصر في مختلف مراحل عصورها المختلفة الثرية، واليوم بين أيدينا حكاية مقبرة أوزيريس وهل بالفعل تم العثور عليها؟ 

البحث عن مقبرة أوزيريس

قال الدكتور حسين عبد البصير، مدير عام متحف الإسكندرية: إن علماء المصريات اعتقدوا أن مقبرة أوزيريس إما أن تكون في أبو صير أو أبيدوس، ويُعتقد أن أبيدوس تحوي رأسه وفيها مكانين مناسبان الأول هو الأوزيريون الذي بناه الملك سيتي الأول أحد ملوك والأسرة التاسعة عشرة وعصر الدولة الحديثة، والثاني هو مقبرة الملك "جر" من ملوك الأسرة الأولى. 

إملينو في أم الجعاب

وعن جبانة أبيدوس، قال "عبد البصير": إنها تمتد خلف قرية البلينا في صحراء سوهاج، وقُسمت إلى قسمين، الأول الشمالي الغربي وعرفة الأثري الفرنسي أوجست مارييت باشا بـ"الجبانة الشمالية"، والجزء الجنوبي الشرقي ويعرف بـ"الحبانة الوسطى"، وتقع جبانة أم الجعاب أو "أم القعاب" على معبدة حوالي 1.7 كم من الحافة الزراعية. 

وتابع، عُرفت بهذا الاسم لوجود كميات هائلة من الفخار، وبها آثار من فترات تاريخية متعددة، وفيها بنى ملوك الأسرتين الأولى والثانية مقابرهم، وأصبحت مكانًا للحج وتقديم التقدمات ونذر النذور على اعتبار أن إحدى تلك المقابر هي مقبرة أوزيريس، وتحديدًا مقبرة الملك "جر"، وتمتلئ أم الجعاب بالفخار، وخاصةً فوق مقبرة الملك "جر"، وبدأ العمل من فوق المقبرة الأثري الفرنسي" إميل إملينو" لإعادة اكتشاف الأوزيريون عام 1898. 

وأضاف "عبد البصير"، أنه عندما بدأ موسم حفائره الأول لفت نظر إملينو كثرة الفخار المنقوش باسم أوزيريس فوق مقبرة الملك "جر"، وعثر أثناء حفائره على تمثال صغير لأوزيريس مما أكد ظنه بأن مقبرة الملك "جر" هي مقبرته، وبعد أربعة أيام من الحفائر، ظهرت جدران حجرات تشكل مقبرة تشبه جميع مقابر المنطقة، وكانت مكونة من عدد من الحجرات، وظهرت حجرة الدفن على شكل مربع، وظهرت مقصورة خشبية مركزية، وكانت محاطة من ثلاث جهات بمخازن من الطوب اللبن.

وتابع، كان يحتوي بعضها على بقايا أثاث جنائزي مثل جرار تخزين، وبعضها فارغًا وبعضها يحوي لوحات أثرية صغيرة، وربما تم فرش أرضية الحجرات بالخشب، ولكن أتت النيران على المقبرة بأكملها، وحدث ذلك بين الأسرة الثانية وقبل بداية عصر الدولة الوسطى.

وأثناء قيام رجال إملينو -والكلام لعبد البصير- بتنظيف الجزء الغربي من المقبرة، عثروا على تمثال كبير من البازلت الأسود يمثل الرب أوزيريس راقدًا على نعشه أو سريره على جانبه الأيسر، وتم تشكيل جانب السرير على شكل أسدين. 

وأضاف، كانت الصقور تحرس (رمز الرب حورس) كل جانب من جوانب السرير، وترقد الربة "إيزيس" فوق الأسدين حتى تُشبع نفسها وتحمل بالطفل الصغير حورس من أبيه أوزيريس، وفي إحدى الحجرات على الجانب الشرقي من المقبرة، عثر إملينو على جمجمة نسبها إلى أوزيريس بناءً على النذور التي وجدها على سطح المقبرة من لوحات وغيرها. 

وواصل "عبد البصير"، أن إملينو  اعتقد أن مدخل المقبرة الذي كان على شكل سلم يوصل إلى حجرة الدفن التي تمثل مقام الرب العظيم كما ذكرت النصوص عن أوزيريس، وبالرغم أن فحص الجمجمة أثبت أنها صغيرة وربما كانت لامرأة، عارض إملينو هذا الرأي وقال إن أوزيريس ربما كان صغير الرأس بناءً على ظهوره في تماثيله، وادعى أيضًا أن المقبرة كانت المستقر الأخير لكل من المعبودين حورس ابن أوزيريس وأخيه الشرير ست. 
أبحاث بتري لها رأي آخر

قال عبد البصير إنه ابتداءً من عام 1899، بدأ العالم الأثري الانجليزي الشهير السير وليم فلندرز بتري مؤسس علم المصريات الحديث حفائره في أبيدوس، وأثبتت حفائره أن ما كان يعتقد إملينو أنه مقبرة أوزيريس ما هي إلا مقبرة الملك "جر"، وأوضحت حفائره في موسمها التالي عام (1900-1901) أنه تم تعديل مقبرة الملك "جر" في تاريخ ما متأخر كي تكون مقبرة لأوزيريس، وحتى يكون بها سرير أوزيريس المنحوت والمقام فيها والذي عثر عليه إملينو، وأن السلم المؤدي إلى مدخل حجرة الدفن أضيف كي يكون مناسبًا لزيارة الحجاج لأبيدوس.

وتابع، تم تحديد موقع مقبرة أوزيريس في منطقة "باقر"، وفي وقت ما من عصر الدولة الوسطى تم اعتبار إحدى المقابر الملكية القديمة على أنها مقبرة الإله أوزيريس، غير أن هذا الاقتراح لم يكن له ما يدعمه، والأكثر منطقية أن تكون جبانة أم الجعاب هي جبانة ملوك مصر الأوائل، ومن باب أولى أن أوزيريس تم دفنه بها، واعتبرت مقبرة الملك "جر" مقبرة أوزيريس؛ لوجودها في مقدمة الجبانة، وهذا أنسب للحجاج حتى يمارسوا احتفالهم السنوي بمعبودهم أوزيريس. 

أوزيريون سيتي الأول

ورجح بتري -والكلام لعبد البصير- أن أوزيريس قد تم دفنه في الأوزيريون، هو اصطلاح استخدمه الإغريق للإشارة إلى المقاصير الخاصة بالرب أوزيريس، وكان بتري هو أول من أطلق هذا المصطلح على ذلك المبنى الموجود خلف معبد الملك سيتي الأول بأبيدوس حين اكتشفه في شتاء العام 1901 -1902، والذي اكتمل تنظيفه العام 1926. 

ويقع الأوزيريون خلف المعبد الجنائزي الخاص بالملك سيتي الأول وعلى نفس المحور وله نفس التخطيط والنقوش ويشبه مقبرة ملكية، وله ممر طويل منحدر، يؤدي إلى الحجرة الرئيسية وهي قاعة كبيرة تشبه الجزيرة، تحيط بها المياه من كل جانب، وفي قلبها، يقع التل الأزلي الذي يرمز إلى إعادة بعث وقيام أوزيريس، ويحمل سقف هذه الحجرة عدد من الأعمدة الجرانيتية الضخمة، وبقي وسط سقف الحجرة مفتوحًا. 

وتابع عبد البصير، كانت المقبرة مغطاة في السابق بتل أرضي محاط بأشجار على مسافات منتظمة، وتمثل تلك المياه الأزلية إعادة عملية الخلق من العدم والمحيط الأزلي المعروف باسم "نون" العظيم عند المصريين القدماء. 

وهناك حجرة أخرى لها سقف منحدر بنقوش ملكية تشبه تابوتًا حجريًا، والنقوش غير مكتملة، ويغطي سطوح الممرات الداخلية فصول من كتاب البوابات (من كتب العالم الآخر عند المصريين القدماء)، والأجزاء الخارجية بعض فصول من كتاب الموتى. 

إضافة إلى بعض المناظر التي تمثل سيتي الأول والملك مرنبتاح، وتاريخ المبنى مختلط، ويعود في الأصل إلى الملك سيتي الأول، وأكمل نقوشه حفيدة الملك مرنبتاح، واستمرت زيارة هذا الأوزيريون إلى القرن الثالث الميلادي كما ذكر المؤرخ "سترابو".

الحج إلى أبيدوس 

وعن الحج إلى أبيدوس قال عبد البصير، بداية من النصف الثاني من الأسرة الثانية عشرة على الأقل، بدأ الحجاج يتوافدون على أبيدوس من جميع أنحاء مصر القديمة كي يشهدوا الاحتفال السنوي بمعبودهم الأكبر أوزيريس. 

وتروي لنا لوحة " إيخرنفرت" أحد كبار الموظفين في عهد الملك سنوسرت الثالث تفاصيل هذا الاحتفال كاملًا وهي محفوظة بمتحف برلين، هذا الاحتفال فيقول: "فعلت كل شئ طلبه جلالته، ونفذت أمر سيدي من أجل أبيه، أوزيريس-خنتي إمنتيو، سيد أبيدوس، عظيم القوة، الموجود في إقليم ثني، وكان الابن المحبوب من أبيه أوزيريس-خنتي إمنتيو. وزينت مركبه الخالد العظيم، وصنعت لها مقصورة تظهر وتشرق بحسن وبهاء خنتي إمنتيو، من الذهب، والفضة، واللازورد، والبرونز، وخشب السدر. 

"وصاحبت المعبودات في رحلتها، وصنعت مقاصيرها المقدسة من جديد، وجعلت الكهنة يمارسون واجباتهم بحب، وأن يعرفوا طقوس كل يوم، عيد رأس السنة، وسيطرت على العمل فوق المركب، وزينت المقصورة وصدر سيد أبيدوس باللازورد والفيروز، والشفاه الإلهية بكل حجر كريم، وغيرت ملابس الإله في حضوره، ونظفت ذراعه وأصابعه، ونظمت خروج الرب "وب واووت"، فاتح الطرق العظيم، عندما قرر الانتقام لأبيه، وطردت المتمردين من المركب، وهزمت أعداء أوزويريس، واحتفلت بهذا الخروج العظيم، وتبعت الإله عند ذهابه، وجعلت المركب يبحر، وأدار الدفة الرب جحوتي (رب الحكمة). وأمددت المركب بمقصورة وبالزينات الجميلة الخاصة بأوزيريس عندما تقدم إلى منطقة "باقر" (منطقة في أبيدوس)، وأرشدت الإله للطرق التي تقوده إلى مقبرته في منطقة "باقر"، وانتقمت لـ "ون نفر" (اسم من أسماء "أوزيريس") في هذا اليوم ذي القتال العظيم، فطردت كل أعدائه من على الشاطئين. وجعلته يتقدم في مركبه العظيم. وأخرجت للناس جماله. وجعلت أصحاب المقابر في الصحراء الشرقية سعداء، وشاهدوا جمال المركب وهي تتوقف بأبيدوس، عندما أحضرت أوزيريس-خنتي إمنيتو إلى قصره، وتبعت الإله إلى بيته، وقمت بتطهيره، وأوسعت له مقعده، وحللت له كل مشكلات إقامته بين حاشيته المقدسة".