"مهن رمضانية" المؤذن في العصر المملوكي.. هل اشتُرط أن يكون كفيفًا؟

أخبار مصر

بوابة الفجر


يحل علينا هذا العام عيد العمال موافقًا لشهر رمضان الكريم، حيث كان للشهر الفضيل مهن ترتبط به، ورغم أن المؤذن، مهنة متواجدة كل يوم طوال العام، إلا أن قد المؤذنين يزادا في هذا الشهر الفضيل حيث يصبح انطلاق صوت المؤذن ساعة المغرب هو الإذن للصائم بالإفطار، فكيف كان الآذان قبل اختراع وسائله الحديثة، وما هي الشروط الواجب توافرها فيه؟

الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو أول من وضع شرطًا للآذان حيث أمر بلالًا أن يصعد أعلى المسجد ويؤذن وعلل ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم "إنه أنداكم صوتًا"، ومن هنا انطلق الفقهاء في وضع الشروط للمؤذن مع تطور البلدان والعمران.

ومن الشائع بخصوص اختيار المؤذنين في العصور الوسطى أنه يفضل في المؤذن كفيف البصر على المبصر، وذلك اتقاءً ومنعًا لكشف عورات البيوت المحيطة بالمساجد، وهنا يأتي السؤال هل مُنع المبصرين من الآذان، فالوثائق تعطينا عدد المؤذنين على سبيل المثال في جامع ومدرسة السلطان حسن 32 مؤذن، وفي جامع ومدرسة الأشرف برسباي 9 مؤذنين، ونجد أن السلطان الناصر محمد بن قلاوون جمع مؤذنين مصر لاختيار عدد منهم لمسجده ولم هنا يرد ذكر هذا الشرط، فما هي قصة هذه الوظيفة وما الاشتراطات الموضوعة لها؟

يقول شريف فوزي المنسق العام لشارع المعز لدين الله الفاطمي، إن كتب الفقه الإسلامي وضعت صفات وشروط وجب توافرها في المؤذن، ووصلتنا تلك المواصفات في وثائق العصر المملوكي، وأفضل من عرض لتلك الوثائق هو الدكتور عبد الله كامل موسى في رسالته للدكتوراه "تطور المئذنة المصرية بمدينة القاهرة من الفتح العربي وحتى نهاية العصر المملوكي"

وتابع فوزي في تصريحات إلى الفجر، "ذكر كامل في رسالته أن وظيفة المؤذن من خلال الوثائق المملوكية لها شروط وقد ورد في وثيقه السلطان حسن "يُرتب بالمكان المذكور ريسين مأمونين عالمين بالمواقيت، ويرتب معهما 32 نفرًا من المؤذنين الحسني الأصوات في نوبتين كل نوبة ريس 16 نفرًا من المؤذنين، يفعل كل ريس في نوبته ما جرت عادة أمثاله، ويجتمع كل أربعة من أهل كل نوبة في مئذنة من المآذن ويفعلون ما جرت به العادة من الآذان والذكر والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والتبليغ خلف الأئمة على جاري العادة في ذلك يتناوبون ذلك نوبة بعد نوبة يومان وليلتان".

ثانيا وثيقه قراقجا الحسني جاء فيها "يُصرف لتسعه نفر من المؤذنين حسان الصوت على أن يكونوا ثلاث جوق كل جوقة "مجموعة" ثلاث نفر يتبادلون الآذان المشروع على المئذنة ويسبحون في الثلث الأخير من الليل في كل ليلة ويذكرون في أيام الجمع قبل صلاة الجمعة ويسلمون ويؤذنون على المئذنة"

وتابع فوزي قائلًا، نجد هنا أن الوثيقتين لم تشترط أن يكون المؤذن كفيفًا، بل اشترطت حسن الصوت، كما نجد أن الدكتور عبد الله كامل في رسالته قد أورد ما يسمى بالآذان السلطاني، وهو وجود أكثر من مؤذن في وقت واحد، يتبادلون الآذان، أو يؤذنون معًا، وهو عمل يتطلب تنسيقًا دقيقًا، حيث كانوا يقفون إمام في شرفة واحدة، أو الشرفات العليا والسفلى للمأذنة، وهو ما يسمح بتوزيع الصوت ووصوله لأبعد مكان.

شروط اختيار المؤذن 

وقال فوزي، كان من شروط اختيار المؤذن العقل والبلوغ وألا يكون فاسقًا، ولكن هل كان يفضل أن يكون المؤذن كفيفًا، والرأي هنا بجواز آذان الأعمى، ويستحب أن يكون مبصرًا حتى يعلم بدخول وقت الصلاة، ويكون عالمًا بعلم المواقيت وعمل الساعات الشمسية "المزولة" والاسطرلاب واللذان يحددان الوقت، ولو كان كفيفًا فيكون معه مرافقًا مبصرًا.

وتابع فوزي نجد هنا أن الوثائق التي تحدثت عن وظيفة المؤذن في العصر المملوكي، كوثيقه برقوق وكافور الشبلي وبرسباي والسلطان حسن، لم نجد أنها قد اشترطت العمى في المؤذنين، بل الأصل هو حُسن الصوت، وكذلك جاز اتخاذ أكثر من مؤذن للمسجد الواحد بل يجوز تواجد أكتر من مؤذن في المئذنة يؤذنون واحد بعد واحد أو دفعه واحدة "الآذان السلطاني" وبأعداد كبيرة.

قال فوزي إن أهم شرط وضع للمؤذن هو أن يكون حسن الصوت، وأتعجب الآن من بعض من يمتهنون هذه الوظيفة ولا يمتلكون الصوت الشجي العذب، فللأسف نجد من يقوم بالآذان الآن صاحب محل مجاور للمسجد، أو جار للمسجد، أو الأكبر سنًا بالمسجد ولم تعد نداوة الصوت شرطًا لهذه الوظيفة الجليلة.

ونجد أن هذا الشرط في العصر المملوكي كان لازمًا في المؤذنين حتى أطلق عليهم اسم "جوقة" أي المجموعة التي تؤذن وتسبح وتذكر مثل "الكورس" بصوت حسن ندي، وهذا هو اللقب الذي أخذته فيما بعد فرق الإنشاد الديني والموسيقي قديمًا.

وتابع فوزي، من اشتراطات المؤذن أيضًا رفع الصوت بالنداء في حدود طاقته حتى لا يجهد نفسه وصوته ويستحب أن يكون قائمًا مستقبلًا للقبلة وهو يؤذن.

كما يستحب أن يؤذن من مرتفع أو من على سطح المسجد وقد أصبحت المئذنة هي مكان الآذان كما كان في العصر المملوكي يؤذن مثل المقاصير الموجودة في المسجد والتي كان يصلي فيها الخلفاء والسلاطين وكان يؤذن داخل الفوارات ودكة المبلغ. 

كما يستحب ألا يأخذ المؤذن أجرًا وإن كان عثمان بن عفان رضي الله عنه قد أعطى المؤذنين أجرًا، مما جعل ذلك جائزًا، كما يستحب أن يكون طاهرًا ولو لم يكن جاز مع الكراهة ولم يكره ذلك الأحناف والشافعية وأحمد.

ومن المستحب للمؤذنين عند قوله حي على الصلاة أن يلتفت برأسه وعنقه وصدره يمينًا وعندما يقول حي على الفلاح فيفعل ذلك جهة اليسار، ويستحب له كذلك وضع إصبعيه في أذنيه، كما يستحب التمهل في الآذان، وألا يتكلم أثناء الآذان أو الإقامة وعدم التغني أو اللحن بزيادة حرف أو حركة أو مد حتى لا يغير معنى الكلمات، وافتى الأحناف بجواز التغني الحسن إلا إذا غير كلماته بزيادة حركة أو حرف

كذلك يشترط فيه التقوى وأن يكون أمينًا على العبادات وعالم بالسنن ومؤتمن من المستحب أن يكون المؤذن مواظبًا أي معروفا لأهل المسجد إلا إذا حدث عذر وتخلف المؤذن المختص بالمسجد يجوز أن يؤذن غيره، ومن الاشتراطات كذلك في المؤذنين سلامة اللغة والنطق والعلم بالتجويد.

آذان المرأة 

رأى العلماء هنا أنه لا آذان للمرأة حتى لا تحدث شهوة أو فتنة ممن سمعها، وإن كان من الحنفية من يرى صحة آذان المرأة، وأن وقوعه منها يرفع الإثم عن أهل الحي ولكن يمتنع إن ترتب عليه إثارة شهوة من يسمع صوتها والشافعية يرون أن آذان المرأة لصلاة النساء باطل ويحرم إذا قصد التشبه بالرجال ولا كراهة فيه إذا خلا عن رفع الصوت.

وقال مالك ليس على النساء آذان ولا إقامة قال فإن أقامت المرأة فحسن، ومن المعروف أن السيدة عائشة كانت تؤذن وتقيم وتؤم النساء وتقف وسطهن، ولعل آراء الفقهاء الان قد غيرت أو أضافت جديد في اشتراطات أو بالأصح ما يستحب أن يكون في المؤذن من صفات.