الحياة السرية لـ"الست"

العدد الأسبوعي

أم كلثوم
أم كلثوم


تضع صورة العذراء فى صالونها الخاص وكانت تتردد على أولياء الله الصالحين قبل حفلاتها

تزوجت صوريًا ثم محت الزواج من حياتها

زعيم الصحافة الشعبية انكسر على شاطئ علاقتهما

اسمها الست، وألف لام التعريف تضع تاجًا على رأس الكلمة، الست هى ست الستات، والملك هو الذى لا يضاهيه الملوك، والأستاذ على إطلاقها هى أستاذ الأستاذة.

حين نقول الست.. تبقى أم كلثوم.. كوكب الشرق أكثر من 200 مليون مشاهدة لها بعد أكثر من نصف قرن على رحيلها.

الست هى ثومة صاحبة صوت أبعاده من 60 إلى 16 ألف ذبذبة فى الثانية، بينما أقوى صوت بعدها لا يزيد عن 10 آلاف ذبذبة.. حقيقة علمية .

ثومة التى أنام على صوتها وقصائدها وأغانيها فى كل الأزمات والثورات وحتى وباء كورونا.. أبدأ خائفة حائرة مع (حيرت قلبى معاك) و(عزة نفسى منعانى)، وأنام مطمنة على صوتها (بدى أشكيلك من نار حبى.. بدى احكيلك على فى قلبى.. وأقولك عالى سهرنى.. وأقولك عالى بكانى.. وأصورلك ضنى روحى وعزة نفسى منعانى)، فأشعر صباحا بأن يوما جميلاً قادمًا، حين أشعر بالخذلان.. أى نوع من الخذلان والأنواع كثيرة.. اسمعها وهى تقول (أنا أحيًا بغدى الآن بأحلام اللقاء.. فأت أو لا تأت أو فافعل بقلبى ما تشاء) وحين أبحث عن مقوى لحياتى اسمع (أنت عمرى) وحين تصل الست إلى مقطع (صالحت بيك أيامى سامحت بيك الزمن، نستنى بيك آلامى ونسيت معاك الشجن) أشعر بالصفاء النفسى وأنام بيقين أن القادم سيكون أفضل، أعشق صوتها وقصائدها وذكاءها وصلابتها رغم رقة أغانيها، حياتها بالنسبة لى لغز لم أعش زمانه ولا أعرف مفاتيحه، ما نقرأة أو نسمعه عنها هو الرواية التى أرادت أم كلثوم أن تبقى، فالحقيقة هى ما تراه ثومة، حتى بعد نصف قرن على وفاتها، كان مسلسل (أم كلثوم) هو تعبير جميل عن الحياة التى أرادت كوكب الشرق أن تسجل عنها، فى ظل هذا الحصار هل من جديد يروى عنها وعن حياتها؟ هل يمكن حتى طرح رؤية جديدة أو حتى غير متطابقة مع القصة التى أسردتها ست الكل عن حياتها، وعلى الجانب الآخر هل يمكن كتابة تاريخ النساء والزعماء دون أن تكون الست أبرز وأهم النساء فى مواجهة ملوك وزعماء؟ بالطبع لا أم كلثوم قاهرة الزعماء من كل نوع ولون، على مرساها انكسرت إرادة أكثر من زعيم.. فى الشعر فى التلحين فى الصحافة.. هى امرأة من نوع خاص جدا، لا تسأل عن حياتها الخاصة ولا زواجها ولا طلاقها.. لا يكشف أى سر فى حياتها حتى لو كان وجبة الغداء التى تناولتها قبل حفلة الخميس، فحياتها أسرار وقد وصف الكاتب الكبير الراحل محمود عوض السور الذى بنته ثومة حول حياتها بسور الصين العظيم، وعوض من القلائل الذين اخترقوا الحصار وله عنها كتاب ممتع اسمه (أم كلثوم التى لا يعرفها أحد) الأسرار فيه تكاد تكون منعدمة والمعلومات قليلة، ولكنه كان يعتبر من الكتب المهمة عنها، عوض لم يسألها عن الكثير، فقد كان اكتشافا أن تسمح له بوصف صالونها الخاص وأن يكتب أنها تعلق صورة للعذراء فى الصالون، وكان انفرادًا أن تعترف أم كلثوم له أنها كانت تزور الأولياء قبل حفلاتها، كانت أم كلثوم تزور الحسين والسيدة قبل حفلاتها، ولكنها توقفت بالطبع عن هذه العادة بعد شهرتها، واكتفت بأن تقرأ القرآن قبل الحفلات، ولكن الراحل محمود عوض لم يسألها لما تضع صورة للعذراء فى ركن خاص من منزلها، ربما كانت لديها قصة ما فى ركن ما من حياتها الممتدة، لها ذوق خاص جدا، امرأة تحب شرب القهوة باردة قبل الصعود إلى المسرح، حين تحدثا عن زوجها الوحيد مثلما أرادت كان الحديث جديا ومحافظًا جدا بالنسبة للمرأة التى تعتبر سفير الحب فى زمانها، تحدثت أم كلثوم عن التقدير المتبادل بينهما، ولكن مجرد حديثها عن زوجها كان انتصارًا صحفيًا لمحمود عوض، فهى لا تحب أن تكشف حياتها الشخصية لأحد، فما بالك بحياتها العاطفية أو الزوجية؟

تزوجت زواجا صوريًا ومحته من تاريخها الرسمى، فلكى تسافر لتغنى بالعراق اضطرت للزواج صوريًا من أحد معارف والدها، فى هذه الأيام كان شرط الزواج ضروريًا لسفر المطربات، المثير أن محفوظ عبد الرحمن وجد نسخة من هذا العقد، ولكنه تجاهله فى مسلسله الرائع عنها، ربما لأن ثومة نفسها لم تعترف سوى بزواج وحيد.

وتركت الناس حيارى فى قصة أو لغز علاقتها بعدد من الرجال فى حياتها، هل تزوجت الكاتب الكبير مصطفى أمين أم كان مجرد صديق سمحت له برؤية دموعها ؟ هل تزوجت الملحن محمود الشريف فى سرية وطلقا فى صمت بسبب زوجته الأولى؟ أم أنها كانت مجرد خطوبة؟ لا أحد جرؤ على سؤالها فى ذلك، بل إن الكاتب الراحل محفوظ عبدالرحمن روى لى أن إحدى صديقاتها أكدت له أن أم كلثوم تزوجت مصطفى أمين وأنها رأته عند ثومة بالبيجاما، ولكن الصديقة المقربة لم تجرؤ على سؤالها (هو مصطفى بيعمل إيه عندك)، اسمع روايات متعددة عن زواجها منه.. حين قبض على مصطفى أمين وجدو عقد زواج عرفى بزواجه من أم كلثوم، رفعوا الأمر للرئيس عبد الناصر فأمر بإخفاء العقد، وأضاف بحسم الزعيم: دى الحياة الشخصية لأم كلثوم، مصطفى أمين ينفى والدكتورة رتيبة الحفنى تؤكد أنها تزوجت مصطفى أمين بعقد عرفى لمدة 12 عامًا، ثمة أسباب تعطى لرأى الدكتورة رتيبة الحفنى وزنا وثقلاً، فوالدها أحمد محمود الحنفى عاصر أم كلثوم وله 45 كتابًا عن الموسيقى، ولكن الأهم أن أستاذها الأول هو المحلن الكبير محمد القصبجى الذى كان ملازما لأم كلثوم كظلها..، ثمة سبب إضافى يميل بنا إلى تصديق الزواج، فأم كلثوم المشهورة بحرصها على المال، أم كلثوم التى قالت يوما (من ولد فقيرا سيظل يشعر بالفقر حتى لو اغتنى) أم كلثوم ساندت حلم مصطفى أمين بإطلاق جريدة أخبار اليوم بـ30 ألف جنيه، ثمة سبب رابع لتصديق قصة الزواج، فخلال سجن مصطفى أمين فى القضية الشهيرة التى عرفت باسم قضية التجسس لصالح أمريكا، كانت أم كلثوم من القلائل الذين يرسلون له رسائل فى السجن وكانت الرسائل تصل إليه بانتظام، كما أنها ساندت أسرته خلال فترة السجن، كل ذلك دون أن تغضب من تصرفاتها أو بالأحرى وفائها للرجل عبد الناصر، تنتابنى ثورة شك فى الست (أكاد أشك فى نفسى لأنى أكاد أشك فيك وأنت منى).

الأكثر إثارة بالنسبة لى أن يكون مجرد صديق، فمصطفى أمين أبو الصحافة الشعبية فى مصر والوطن العربى، الصحفى الباحث عن الانفراد والخبر والسبق تحول إلى مجرد صديق حميم يسمع ولا يكتب، لم يكن لدى أم كلثوم أصدقاء حقيقون تكشف نفسها أو بالأحرى تعرى نفسها أمامهم، فقط صديقة واحدة اسمها روحية، ولكن لاشك أن روحية لم تكن تمتلك خبرات تفيد أم كلثوم فى صخب حياتها من الفن للصحافة ومن الأدب للسياسة، الصديق الذى باحت له بدموعها وضعفها وحكت له أسرارها كان مصطفى أمين، ويتردد أن ثومة تركت مذكرات لديه وتركت له حرية نشرها إذا ماتت قبله، وبالفعل ماتت أم كلثوم وعاش مصطفى أمين بعدها بنحو 20 عامًا دون أن يفتح باب مغارة أسرارها الشخصية، وحياتها الخاصة جدا جدا، لقد كسرت أم كلثوم بذكائها وشخصيتها فضول زعيم الصحافة الشعبية، وأذهبت جنونه الصحفى من خلال جلسات منتظمة فى الصالون الصغير الملحق بغرفة نومها. حرص مصطفى أمين ونفيه قصة الزواج، لم يمنع أم كلثوم من أن تجرى حوار ًا صحفيًا عكسيا مع الكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل، فلعبت أم كلثوم دور الصحفى وكان على هيكل أن يجيب على أسئلتها، ولمن لا يعلم فإن هيكل يوصف بأنه الصديق اللدود لمصطفى أمين، بل إن ابنته صفية قالت إن والدها مات غاضبا على هيكل، بل إن نسبة لا يستهان بها من تلاميذ مصطفى أمين اتهموا هيكل أنه مدبر القضية لتخلو له زعامة الصحافة المصرية.

هل أحبت الشاعر الكبير أحمد رامى أم أحبت حبه لها أم أرادت الشاعر ورفضت الرجل، فحين تزوج الرجل وقل لهيب الحب فى قلبه، أرسلت له خاتمًا، فاشتعل الحب مرة أخرى، وكتب المحب الجريح قصيدته الرائعة (جددت حبك ليه بعد الفؤاد ما ارتاح) هل كانت كوكب الشرق تؤمن أن العذاب ثمن عادل لشعر رامى، أم أن الأنثى أرادت ألا تقع لؤلؤة من عقد محبيها فى مسارات الحياة، هل كانت أم كلثوم مثلا تملك أو ترفض أن يظل القصبجى زعيم الموسيقى الأصيلة عازفا فى فرقتها لمجرد أن يبقى بجانبها؟ هى كانت الأنثى سعيدة بإعلانه هذا الغرام على الملأ وبالطريقة التى لا تناسب تاريخ هذا الرجل؟ سعيدة أن يقال إنها كسرت الزعيم القصبجى على شاطئ حياتها.

أعتقد أننا لم نعتد أن نسأل هذه الأسئلة المزعجة لأننا كلنا لا نريد لأحد أن يمس مجرد مساس للست التى تحدت ملك حقيقى، وصادقت أهم زعيم سياسى فى عصره؟ وهذه قصة أخرى.