عبده الزرّاع يكتب: الأصدقاء الأوفياء.. وحيلة "تالا" لـ إيهاب القسطاوي

الفجر الفني

عبده الزرّاع
عبده الزرّاع


التخطيط الجيد لأحداث القصة بكل تفاصيلها قبل البدء فى كتابتها أحد الأساليب المهمة لنجاح القصة وتميزها؛ وهذا الأسلوب يلجأ إليه عدد كبير من الكتاب، بينما يفضل البعض الآخر كتابة قصصهم مباشرة دونما تخطيط مسبق لها حينما يقبضون جيدا على الفكرة، ويتركون أحداثها تتداعى لحظة الكتابة.

 

وقصة "الأصدقاء الأوفياء" للكاتب إيهاب القسطاوى، المنشورة ضمن مطبوعات مجلة "خطورة" التى تصدر عن المجلس العربى للطفولة والتنمية، كمطوية داخل العدد الصادر فى ديسمبر 2019، تنتمى القصة للنوع الأول حيث خطط لها جيدا، قبل البدء فى كتابها، فجاءت الفكرة واضحة جلية دونما لبث، لتناسب أطفال مرحلة "الطفولة المبكرة".

 

ف"سيليا" المتفوقة دراسيا، والتى تحصل على المرتبة الأولى دائما فى الامتحانات، والمحبوبة من جميع زملائها ومعلميها فى المدرسة، أثارت غيرة "تالا" زميلتها فى الفصل، فأرادت أن تكيد لها حتى لا تحصل فى امتحان الرياضيات على الدراجات النهائية.

 

هنا ظهر نوع من التناقصيين "سيليا" المتفوقة، وزميلتها "تالا" فى الفصل، فإن هذا التناقض بين شخصيات القصة الأساسية مبعثه الاختلاف فى تكوين الشخصية، فأخبرتنا القصة أن سلوك "تالا" العدواني تجاه زميلتها "سيليا" أتى من الغيرة.

 

فحينما أجابت "سيليا" على المسألة الرياضية التى كلفوا بها من قبل معلمهم، ووضعت كراستها داخل الحقيبة، وخرجت من الفصل مع زملائها إلى حوش المدرسة، تسللت "تالا" إلى حقيبة "سيليا" وفتحتها وأخرجت كراسة الرياضيات ومحت الإجابات الصحيحة، وكتبت مكانها إجابات خاطئة.

 

هنا تصاعد الحدث ليصل إلى الذروة، بهذا الفعل العدواني الذى مبعثه الغيرة من زميلتها كما أخبرتنا القصة، هذا التصاعد الدرامي لابد له من لحظة إضاءة أو حل فى نهاية القصة.

 

فى تلك اللحظة كانت تمر مصادفة زميلتهم "تالين" أمام نافذة الفصل فشاهدت ما حدث من "تالا"، وقررت أن تحكى ما شاهدته للمعلم فى الصباح.

 

لعبت هنا المصادفة دورا حيويا وفاعلا فى كشف الحقيقة، وتنامى الحدث باتجاه الحل.

 

ومن ثم تحدث مفاجأة تحول مسار القصة، حينما بكت كراسة الرياضيات داخل الحقيبة بكاء شديدا، فأسرع إليها القلم الرصاص والممحاة، والآلة الحاسبة، وهنا تتدخل تلك الأدوات فى حل مشكلة صديقتهم "سيليا"، وتصحيح الفعل العدواني الذى حدث من "تالا"، فقامت الممحاة بمسح ما كتبته "تالا" خطأ عمدا فى كراسة "سيليا"، وقالت الآلة الحاسبة بحل المسألة، وراح القلم الرصاص يدون الحل الصحيح فى الكراسة.

 

أراد الكاتب بذكاء أن يوظف أدوات الهندسة لتشترك فى الحدث، وهذا يدل على تفهم الكاتب لفنيات الكتابة لأطفال هذه المرحلة المبكرة، لأن الطفل فى هذه المرحلة يرتبط بشكل كبير بأشيائه وأدواته، فيما يسمى بأنسنة الأشياء فقد أضفى عليها صفات بشرية فبكت الكراسة، وراحت الممحاة تمسح، والآلة الحاسبة تحل المسألة، والقلم الرصاص يسجل الحل فى الكراسة.

 

وفى صباح اليوم التالى قصت "تالين" ما شاهدت على المعلم، الذى قال لها: "سوف ألقنها درسا لن تنساه أبدا" هنا بدأت تتكشف الحقيقة لنقترب من لحظة الإضاءة، قال المعلم: من منكم قام بحل العملية الحسابية؟، رفعت "سيليا" وعدد من التلاميذ أصابعهم، وقالوا: نحن يا أستاذ، فقال المعلم: احضري كراستك يا سيليا، وعندما اطلع على الكراسة، وجد الاجابة صحيحة، فنادى على "تالا" وقال لها: "لقد شاهدتك زميلتك تقومين بفتح حقيبة "سيليا" أثناء الفسحة، وتمحين إجابتها الصحيحة، وتكتبين بدلا منها إجابة خطأ، هذا سلوك سيئ يستوجب العقاب.

 

كان رد "تالا" أن بكت واعتذرت عما بدر منها وسط استغراب "سيليا" الشديد، وتساءلت إذن من قام بإصلاح الإجابة بالكراسة بعدما محتها "تالا"، هنا ضحك القلم الرصاص، والممحاة، والآلة الحاسبة، وقالوا: "نحن يا صديقتنا المجتهدة، فنحن أصدقاء أوفياء لك"، وهنا تعالت ضحكات الجميع.

 

لحظة الإضاءة، وحل الصراع حينما انتصر الخير على الشر فى النهاية وهذا هو جوهر الكتابة للأطفال، ف"سيليا" الجميلة والمجتهدة تمثل عنصر الخير، والذين ساعدوا على انتصاره وتحريك الأحداث باتجاهه هم "تالين" التى شاهدت ما فعلته "تالا" وأخبرت به المعلم، وأدوات الهندسة الأوفياء، بينما تمثل "تالا" عنصر الشر فى القصة.

 

حرص الكاتب أن يبث الكثير من القيم الايجابية والأخلاقية، مثل: الأمانة، ووفاء الأصدقاء، وشهادة الحق، والانتصار للخير.. فى مقابل بعض القيم السلبية، مثل: الحقد، والكره، والغيرة.

 

كما جاءت اللغة بسيطة وسهلة ومناسبة لأطفال هذه المرحلة، وجاء تسلسل الأحداث منطقيا من البداية إلى الوسط حتى وصولنا للذروة ثم الحل فى النهاية.

 

ما أخذته فقط على هذه القصة الجيدة أن أسماء أبطالها ليست أسماء مصرية، رغم أن أحداث القصة تدور فى أجواء مصرية.. تحية التقدير للمبدع إيهاب القسطاوى على هذه القصة الرائعة.