تعرف على "أصغر أم" مرشحة للاتحاد الأفروآسيوي للقانون الدولي وتسوية المنازعات

أخبار مصر

بوابة الفجر


بصوتها الهادئ وضحكتها المتميزة، تبدأ أولى محاضراتها على طلاب جدد مداعبة لهم وهي تقلد مشهدًا من فيلم فول الصين العظيم: "كل واحد جواه قوة روحية أما يكون عنده إرادة تطلع" ، لتسرد كلامها محفزة لهم "حياتك قصة ليه متبقاش بطلها؟ وأن كل شخص أمامه الاختيار أن يكون رقم واحد أو اثنين أو ثلاثة ولأن الإنسان غير كامل، وعليك أن تختار بين أن تطور من نفسك أو أن ترضى بأن تكون شخصاً عادياً".

وقالت المعيدة الصغيرة، أن السعي الدائم للتطوير أمر مرهق نفسياً، وأن ضريبته قد تكون صعبة، ولأن كل شيء نريده في الحياة له ثمن، يحدد سعره بنهاية قصته، ولأن الحياة في مجملها صعبة فأختار التعب اللى بيكون آخره نجاح حتى لو ثمنه غال، ولأن الحياة لا تمضي على رتم واحد أو كما وصفتها "اللي أوله شقى أخره فرح، ولأننا أقوى مما نتخيل في كل أزمة أما بنفكر بيها بالمواصفات العقلية والظروف بنلاقي أن التحدي فاشل واستحالة ننجح .. لكن بإراتك واستعانتك بربنا وامنع كلمة الظروف وهتعيش الحياة فى أجمل معانيها ليك ولكل اللي حوليك "أنا".

"دنيا طارق" معيدة بإحدى الجامعات الخاصة، المعيدة الأم الصغيرة والتى استطاعت أن تجعل من حياتها قصة نجاح هى بطلتها، لتكون مثالاً وقدوة لكل مثابر لا يعرف المستحيل، بدأت نقطة تحول "دنيا" بعد مجموع الثانوية العامة والذى تحطم بيه الحلم الأول لها ولوالدتها كما كتبت على باب غرفتها "الدكتورة دنيا"، فلم يرضى لها مجموع الثانوية العامة أن تدخل كلية علمية من كليات الصيدلة أو الطب، ورغم وجود فرصة أن تكمل فى الجامعات الخاصة العلمية إلا أن الثانوية العامة أنهكتها وقضت على بريق الأمل فرضيت بقضائها، ودرست الإعلام إحدى الجامعات الخاصة.

بدأ التحدى عندما تفاجئت أسرتها فى السنة الأولى، أن "دنيا" أخذت منحة مالية كاملة من جامعة أتوا فى كندا لأنها رتبت المركز الأول، على دفعتها فتحول تعليمها لمنحة مالية كاملة بشهادة مزدوجة إحدهما من جامعة أوتوا والأخري من جامعتها الخاصة، لكنها كانت مشروطة أن تظل الأولى أربعة أعوام، وأما الشرط الثانى كان اللغة، ليقف أول عائق أمامها اللغة، لم يكن لديها خبرة غير أنها كانت مادة تدرسها فى سنوات التعليم ما قبل الجامعى، ولم يكن لديها الإمكانية فى تلك المرحلة أن تأخذ الكورسات والدورات فى اللغة.

وأصرت الطالبة دنيا على أن تعكف على اللغة، فبدأت بالتعليم الذاتى، واجتازت اختبار الايلتس بنجاح، مرت الأربعة سنوات الجامعية، بمثابرة وكفاح وإستقلال مادى، ففى العام الثانى لها فى الجامعة وفرت جامعتها فرص عمل للطلاب بمقابل مادى زهيد، عملُ فى الشهور الصيفية كخدمة عملاء ولاستقبال الطلبة الجدد، الا أنها وجدت المعادلة مربحة ففى نهاية الامر خبرة وعلاقات جديدة ستخرج بها من تلك التجربة، وفى عامها الرابع اتيحت لها الفرصة لان تدخل العملية التعليمية بمهام إدارية، ومن خلال تلك التجربتين وصفت "دنيا" انها وجدت نفسها فى محاولة للإستقلال المادى لتثبت بداخلها قدرتها على التحمل والقدرة على التكيف التى ورثتها عن أبيها، تتخرجت الأولى على دفعتها لتستلم فى حفل تخرج 500 دولار كندى وميدالية ذهبية، ويتحقق حلمها تعينت فى الجامعة لينبض باب غرفتها من جديد تحت المسمى الرسمى "الدكتورة دنيا" ليتحقق حلم والدتها.

وتخرجت دنيا عام2015م و تعينت فى الجامعة "وبالزامن مع سنة أولى شغل كانت سنة أولى جواز"، لتجد نفسها فى تجربتين جديدتين فى سن صغير، مرت الشهور لتجد نفسها فى صفوف دراسية مرة آخر فى مقاعد الدراسات العليا، وقبل شهر من امتحانات العام الدراسى لأول لها فى مرحلة التمهيدى رزقت بطفلها ، لتزداد مهامها وصفتها معيدة و زوجة وطالبة دراسات عليا وأم.

وتزوجت فى سن صغير، فى بداية العشرينات، فى الوقت الذى تتجسد فيه صورة فارس أحلام الفتيات الآخريات بالوسيم الغنى، وحلمهن بقاعة الأفراح و تكاليف الزواج الباهظة، لكن كل ما رسمته فى عقلى عن الزواج هو "الحب النقى"، ومن خلال تجارب وقصص سمعتها أيقنت أن الذى يبقى بعد الزواج هو الطباع والشخصية، فأحببته وأحببت شخصيته وطموحه، اكتفينا بكتب الكتاب، كان لى خير زوج وخير داعم، لا أتذكر اننى رغم انشغالى الدائم أنى سمعت منه كلمة سلبية فى يوم من الأيام، بل كان مسانداً لى فى أوقات امتحانتى والتى تزامنت مع الشهور الاولى لمولد جديد، كان يأخذ اجازات لرعاية طفلى، أو يقوم بإلغاء اجتماعات مهمة له أو أن يتحول عمله من مكتبه إلى شاشة الهاتف الصغير فى سيارته، ويظل قابعاً فيها بالساعات تحت أشعة الشمس الحارقة فى رمضان، فقط لينتظر خروجى من امتحانات السنة التمهيدية يراها البعض بالتكملية وليست بالأساسية، وكان يكفى أن أرى فى عينه بعد كل إنجاز لمعة فخر فى عينه وكأنى ابنته.

وتابعت حديثها " أن الحياة لم تكن مفروشة لى بالأمانى، وأنها لم من الصعوبات أو ظروف ، بل أن أصعب وقت فى حياة اى أم أول سنتين من عمر طفلها، كأم كانت أصعب لحظاتى برؤية صغيرى فى حاجة لى بمروره بتعب أو حتى احتياج الطفل لأمه، فكانت والدتى من تخفف عنى وعنه تلك الفترات، أمى تلك الصديقة التى تظل وافية فى حب لا يفنى"، وكأن الظروف كلها اتجمعت لتوقفنى أو لتعلمنى أن كلمة مستحيل هى كلمة وهمية من صنع خيالنا "وأننا اللى بنخلق كلمة الظروف كحجج " مع بداية تقديمى لرسالة الماجستير كنت بسمع يومياً "مستحيل تخلصى الماجستير فى أقل من أربع أو خمس سنين"، ليأتى الرأى المخالف مديرتى فى الشغل د. ماجى الحلوانى "أن الماجستير ممكن يخلص فى سنة ولذلك لتضمن أحد البنود الخاصة فى تقديمه أن أقل مدة يمكن أن تقدم فيها الرسالة" مما جعل كلمتها حافزاً كبيراً لى، ولأن "الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً" أنهيت رسالتى فى عام وشهر، بفضل الله و بفضل الداعم الأول لى زوجى وأسرتى ومشرفتى دكتور "منى الحديدى" وهيئة التدريس فى جامعتى.

لم يكن إنجاز الرسالة الماجستير بتقدير الإمتياز فى عام واحد بالأمر السهل، والأصعب انى شخصية أرفض قطعاً أن أكون مقصرة، أو أن أقدم نصف الشئ، فأصبحت ظابط فى معسكره، فى عملى و دراستى كان علىَ أن أقدم أفضل ما يمكن، كنت استيقظ يومياً مع دقات الرابعة فجراً يومياً، كان يومى يبدأ قبل بزوغ الشمس، كان الحل الوحيد لكتابة المعادلة بطريقة صحيحة، هو أن تضحى بأشياء قد تكون مهمة وفرعية، و علىَ أن ترتب أولوياتى، وأن تتخلى عن وسائل الترفيهه فى أبسط صورها لخلق التوازن ، قبل الانتهاء من رسالتها بشهرتم إختيارها كأفضل عضو هيئة معاونة في أكتوبر 2018م.

وعاشت "دنيا" حياتها البحثية والتعلمية تحت عنوان"علم ينتفع به"، ووجدت شغفها فى إعلام المرأة فكانت رسالتها تحت عنوان "دور الإذاعة المصرية في معالجة واقع المرأة وقضاياها"، كما شاركت في العديد من المؤتمرات بأبحاث تهتم فيها بالمرأة وقضايا النوع وعلاقتهما بوسائل الإعلام المختلفة، لتسجل أفضل بحث في مؤتمر المعهد الكندي العالي لتكنولوجيا الإعلام الحديث الدولي الثالث عام 2018م تحت عنوان " دور الإذاعة المصرية في دعم المشروعات الصغيرة للمرأة"، وحصلت علي درع إتحاد المستثمرات العرب كجائزة له، وسجلت رسالة الدكتوراة تحت عنوان "علاقة التعرض للأفلام التسجيلية المصرية بإتجاهات مشاهديها نحو تمكين المرأة"، وبعدها التحقت فى عام 2020".او اعداد الدبلوم الاحترافى بإعداد قادة المرأة عربياً واقليميا ودوليا من المركز الدولي لاعداد القادة، لتصبح ضمن المرشحين لعضوية الاتحاد الافرو اسيوى للقانون الدولى وتسوية المنزاعات، مشيرة لأهمية أبحاث المرأة والتى يصفها الكثرين بأنها "واخدة حقها" مشيرين الإ كلمة الكوتة والتى تعتبر فى حد ذاتها تعبيراً على الإنتقاص، وأن التقرير والإحصائيات تظهر تدنى الظروف المعيشية المتدنية للمرأة العربية.

ويبقى لي حلمي أو هدفي تحت شعار"علم ينتفع به"، ففي أي بحث أقوم به لا أستطيع تقبل فكرة أنه بالنهاية يكون "مجرد ورق مركون على الرف" فأقوم بإرسال الجهات التي تمت عليها البحث بإرسال النتائج، ويبقى الشكر الأول لبيتى الثاني وجامعتي التي كانت تدعمني وأنا طالبة 4 سنوات ومعيدة 5 سنوات بتوفير الجو المناسب دراسياً وبحثياً لطلبة والباحثين، وفخرها واعتزازها الدائم بأبنائها.