عبده الزرّاع يكتب: شعر الأطفال واللغة

الفجر الفني

عبده الزرّاع
عبده الزرّاع


تعتبر الكتابة الشعرية للأطفال في غاية الصعوبة، لأنها تحتاج إلي قدرات فنية ولغوية خاصة لا تتوفر عند أي شاعر ممن يكتبون الشعر للكبار، بل هي تتمثل في: قدرة الشاعر ومدي تمكنه من اللغة العربية، لخلق صياغات شعرية بسيطة تناسب قاموس الطفل في المرحلة العمرية التي يتوجه إليها بالكتابة، وقد عرف سابير اللغة بأنها "طريقة إنسانية خالصة –وغير غريزية- لتوصيل الأفكار، والانفعالات والرغبات بواسطة نسق من الرموز المولدة توليدا إراديا" إذن المسألة مرتبطة بوظيفة اللغة "فوظيفة اللغة في الأدب تشكيلية جمالية في المقام الأول، أي أن غايتها التصوير إلي جانب وظيفتها التوصيلية حيث إن اللغة وظيفة في الحياة العامة وهي الكلام، أي أن في اللغة جانبا نفعيا أو صناعيا من جهة، وهناك من جهة أخري جانب جمالي" علاوة علي ضرورة توفر الموهبة الاستثنائية، والخيال الخصب المنطلق، وعلي أن يكون شاعر الأطفال متمتعاً بقدر كبير من البراءة والتلقائية التي تؤهله لخوض هذه التجربة الشعرية الصعبة والممتعة بنجاح.

 

وقد أخفق الكثير من الشعراء الذين حاولوا الكتابة الشعرية للأطفال ظناً منهم أنها كتابة سهلة، ولكنهم لم يوفقوا فيها.. وتبين لهم مدي صعوبتها.. لأنها تستوجب أيضاً علي الشاعر أن يكون من المتعاملين مع الأطفال عن قرب من خلال الندوات وورش العمل الأدبية والفنية، لكي يتعرف علي طبيعة تفكيرهم وتوجهاتهم، وميولهم وعالمهم الخاص بهم حتي يكون قادراً علي التعبير عنهم بصدق يصل إلي قلوبهم وعقولهم.

 

فلدي الطفل خيال جامح قادر علي تصديق كل ما يصل إلي وجدانه وروحه، معبراً وقادر أيضاَ علي رفض كل ما لا يتناسب مع ذائقته بحرية كاملة، لأن الطفل بطبعه لا يعرف المجاملة، وتكون آراؤه صارمة، وصادقه، وصادمة أحياناً، لأنه لا يعرف اللون الرمادي، فيعبر عن آرائه دونما حساب لشيء.

 

 وإن كان رواد أدب الطفل وشعرائه قد اعتمدوا في البداية علي محاكاة الآداب الأجنبية، والنقل والاقتباس منها، كما يقول الكاتب عبد التواب يوسف في كتابه "عن أدب الطفل": تأثر أطفالنا بأدب أيسوب وشارل بيرو ولا فونتين وجريم أندرسون، ولكننا حاولنا أن نضيف.. بمعني أن عثمان جلال، وأمير الشعراء أحمد شوقي، وغيرهم قدموا صياغات منقولة عن هؤلاء الرواد، لكنهم قدموها في صياغات شعرية جميلة، لأننا أمة عكاظ والمربد أكبر مهرجانات الشعر علي مدي التاريخ، ولكن هؤلاء وغيرهم لم يستمروا كثيراً في النقل عن الآداب الأجنبية، ولكنهم ألفوا بعد ذلك خصيصاً للأطفال، وليس هؤلاء فقط، بل هناك مجموعة من الشعراء المصريين والعرب قدموا إنجازات ملموسة في شعر الأطفال تلت هؤلاء الرواد، ومن هؤلاء الشعراء: إبراهيم العرب (مصري) ويرجع الفضل في تقديمه بعد أن كان منسياً للكاتب: عبد التواب يوسف الذي قدم أشعاره في كتاب صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، والرصافي (عراقي) وسليمان العيسي (سوريا)، وفاروق سلوم (العراق)، وصولاً إلي علي الشرقاوي (البحرين) فاروق شوشة، وشوقي حجاب، أحمد زرزور، أحمد سويلم، السماح عبد الله (مصر)، وأحمد فضل شبلول، ومحمد الدش، وغيرهم الكثير.