عادل حمودة يكتب: زمان الوصل فى شرم الشيخ.. مبادرة الخمسين مليار تفضح مؤامرة غالبية البنوك للإجهاز على ما تبقى من السياحة

مقالات الرأي



قروض طويلة الأجل تزيد على 10 سنوات لن تقل عن 20 ألف دولار للغرفة الفندقية بفائد لن تزيد على 13 فى المائة

بسبب الشروط الصعبة مبادرة الخمسة مليارات لم يستهلك منها سوى 1.8 مليار

منتدى الشباب دعاية مبتكرة والسياحة البريطانية تصل بعد أيام


شرم الشيخ دفتر عشق.. تقسيم منفرد على القلب.. لؤلؤة شفافة ساحرة تحرضك على أن تموت حبا فيها من النظرة الأولى.

موعد الغرام الأول بيننا كان قبل تحررها من ثقل الاحتلال الإسرائيلى.. فى 5 يونيو 1981 طرت مع السادات على جناحى طائرة عسكرية إليها ليتفاوض مع مناحم بيجن ــ الذى وقع معه معاهدة كامب ديفيد ــ حول اللمسات الأخيرة التى تسبق إطلاق سراح شرم الشيخ واستعادة أساورها وضفائرها من بيوت الرهونات فى تل أبيب.

بقدر ما فرحنا بعودتها بقدر ما بكى الإسرائيليون عليها وتظاهروا مطالبين بمستعمرة على شاطئها رغم أنهم لم يضفوا إليها أكثر من مركز غوص ومدرسة بيئة فى هضبة تطل على خليج نعمة كانت غطاء للموساد كى يمارس تجسسه مطمئنا وعندما غادروها حملوا معهم كل شىء حتى صنابير المياه.

ولم تتردد مصر فى تعميرها واستثمار ثرواتها لتتصدر أهم مراكز الجذب السياحى بـ 180 فندقا تزيد عن 51 ألف غرفة كانت تحقق دخلا سنويا يزيد عن ستة مليارات دولار.

برهافة ذوق وروعة اختيار تكاثرت المنتجعات الراقية على المياه البنفسجية وفرشت الخضرة سطح الصحراء ونبتت بين الجبال العتيقة زهور برية نادرة بدت وكأنها سقطت من بساتين الله وخرجت من البحر أسماك ملونة وجنيات تركن المغارات ليستقبلن السياح بمودة لا تنتظر بقشيشا.

ولكن.. الشر الذى يكره الحياة ويتربص بها ــ مثل أسماك القرش ــ لم يتردد فى زرع المتفجرات فى أسواقها وفنادقها.. واختفى القمر من سمائها.. وأخذت النجوم إجازة وسافرت بعيدا.. وسألت شرم الشيخ نفسها: من أين اشترى خبز الفرح إن كانت المخابز التى تعرفها لا تبيع إلا خبز الأحزان؟.

على أن سيمفونية المقاومة من أجل البقاء لم تكف عن العزف وقبل أن يسيطر الظلام كانت الألعاب النارية تبرق وتلعلع فى سمائها لتؤكد أنه مهما كانت العتمة لن تطفئ أنوار شرم الشيخ.

يوم حلو.. ويوم مر.

لكن اليوم المر هذه المرة طال.. وطالت معه متاعب من يعملون فى السياحة.. خاصة أصحاب المنتجعات الذين أنفقوا دم قلوبهم عليها.. تراكمت الديون عليهم.. ووجد أغلبهم نفسه مهددا بالسجن.. ولم يتردد بعضهم فى بيع ما يملك لسداد ما عليه.. ولم يحتمل البعض الآخر ما جرى له فخنقت قلبه الجلطات القاتلة من شدة حسرته.

أكثر من ستين فى المائة من الفنادق أغلقت وسيطر عليها الخراب وجفت حدائقها.. ووصلت مطالبات الكهرباء فى منطقة نبق وحدها إلى 500 مليون جنيه.. ولم ترحم البنوك المستثمرين بعد أن كسبت منهم المليارات وراحت تطالبهم بفوائد مركبة رغم تراجع السياحة حتى تضاعفت الديون فى سنوات قليلة.. تأتى فى الفرح وتتبخر فى الحزن.

وحسب ما عرفت خسر أحد المستثمرين الكبار فى سنوات قليلة مبالغ أسطورية بسبب تحمله لتكاليف استمرار فنادقه رغم ندرة العوائد التى لا تذكر ودون أن يتخلص من عامل أو موظف واحد وعندما طلب قرضا بعشرين مليون دولار أعطته البنوك ظهرها.

وضاعف من الأزمة مطالبات إضافية برسوم الشواطئ وتهديد بالحجز إذا لم تسدد.

ونشط صيادو الثروات ليشتروا الماس بسعر الفضة والذهب بسعر النحاس وفندق الخمسة نجوم بسعر بيوت الشباب.

وتأكيدا لشر البلية الذى يضحك كان مأمورو الضرائب ومحصلو البنوك يسارعون إلى أصحاب الفنادق فور أن يروا طائرة تحمل سياحا تستعد للهبوط أو يروا أتوبيسا سياحيا يقترب منهم.. صقور جارحة لا تجيد سوى الانقضاض على الفريسة.

ولجأ المستثمرون إلى الوزراء والكهنة وقارئى الغيب وأصحاب الكرامات وصانعى الأحجبة فأخبروهم أن متاعبهم لن تحل إلا بمعجزة لا أحد يعرف متى ستهبط من السماء ولا من الذى سيحمل بشارتها.

برقت الشرارة الأولى للمعجزة فى فبراير 2017 حين رصد محافظ البنك المركزى طارق عامر خمسة مليارات جنيه لدعم السياحة.. ولكن صدق أو لا تصدق.. لم يستهلك منها إلا مليار وثمانمائة مليون جنيه بسبب الشروط الصعبة التى وضعتها غالبية البنوك.. فماتت المبادرة قبل أن تولد.. وفقدت النطق قبل أن تتعلم المشى.

وبدا واضحا أن عامر شعر بأن هناك أموراً يجب بحثها وفحصها والتأكد منها قبل أن يرفع قيمة مبادرته من خمسة مليارات إلى خمسين مليار خلال عام واحد يستمر حتى الساعات الأخيرة من العام القادم.

استهل عامر أيامه الأولى فى ولايته الثانية بهذه المبادرة الجريئة بعد أن زاد شعوره بالإنجاز بزيادة الاحتياطى النقدى وصعود قيمة الجنيه فى مواجهة الدولار.

وعلى غير ما نتوقع عادة أسعدت المبادرة مستثمرى شرم الشيخ وراحوا يتحدثون معى بفرح نسوه منذ سنوات عن تفنيد عامر لحجج كثير من مدير البنوك لإبقاء المراكب الغارقة على حالها حطام تحت الماء.

كان المستثمرون قد انتهوا من وضع القواعد الصارمة التى ستحدد على أساسها مستوى الفنادق والمراكب السياحية بعد أن اختلط الحابل بالنابل وزورت شهادات تمنح بعض المنشآت تصنيفا أعلى مما تستحقه مما زاد من الفوضى فى سوق السياحة وكأنها تنقصها.

وكان على اللجنة المختصة بالتصنيف تطبيق ما استقروا عليه نظريا على الفنادق والسفن السياحية ليصبح أمرا واقعا.. ووجدوا فى مبادرة البنك المركزى فرصة لتشجيع أصحاب الثلاثة نجوم على أن يزيدوا إلى أربعة أو خمسة نجوم بضخ استثمارات جديدة تمول من الخمسين مليارا.

ومن نفس المبلغ أيضا سيعاد فتح فنادق مغلقة رفضت البنوك تمويلها.

وفى تقدير المستثمرين فإن الغرفة الفندقية الواحدة تحتاج ما بين 20 إلى 50 ألف دولار لتسترد عافيتها ورونقها وأغلب الظن أنهم وجدوا من يوافقهم على ذلك فى اجتماع ممثلى الغرف والاتحادات السياحية مع محافظ البنك المركزى ومديرى البنوك التجارية.

وغالبا لن تزيد فائدة القروض عن 12 أو13 فى المائة ويمكن أن تمتد مدة القرض إلى أكثر من عشر سنوات.

وفى هذا الاجتماع بدا واضحا أن عامر يقف فى صف السياحة بصفتها مصدرا مباشرا للعملات الصعبة بعد قناة السويس وتحويلات المصريين العاملين فى الخارج كما أن المؤشرات التى لديه تؤكد تعافى القطاع وزيادة عوائده بنحو ثلاثين فى المائة ما يعنى أنه سيسترد قروضه وعليها مئات القبلات.

ومن حسن الحظ أن المبادرة تأتى فى وقت رفعت فيه بريطانيا الحظر عن سفر مواطنيها إلى شرم الشيخ واستعدت المدينة لاستقبالهم بعد أيام فى إجازات الكريسماس بإضاءة شوارعها ومداخل فنادقها التى وضعت شجرة الميلاد فى مداخلها.

عادوا إلى الدفء بعد أن حرموا منه.. يستعدون لمغادرة الصقيع الذى جمد الدم فى عروقهم.. فتحوا من جديد ألبوماتهم التى تحتوى على صور ذكرياتهم فى شرم الشيخ.. هنا أكلوا استاكوزا.. هنا قضوا يوما فى الصحراء.. هنا شهدوا ميلاد قصة حب شاب من أيرلندا وفتاة من إنجلترا نسيا ما بين بلديهما من عداء وتزوجا.

وللإنصاف فإن السفير البريطانى السير جيفرى آدامز لعب دورا مباشرا مؤثرا فى هذا الملف على عكس سلفه جون كاسن الذى حرض وفودا برلمانية من بلاده على عدم الذهاب إلى شرم الشيخ حتى لا يفضح تقصيره فى ذكر الحقيقة التى تؤكد أن المدينة بشهادة بعثات أمنية متعددة الجنسيات آمنة مكتفيا بشرب السحلب فى خان الخليلى زنقة الستات.

ولا شك أن تنظيم منتدى الشباب العالمى بتلك البراعة التى ظهر عليها ضاعف من الشعور بالأمان الذى أحست به جنسيات من قارات وحضارات مختلفة ووفر على مصر تكاليف دعاية يشكك فى نجاحها عبر وسائل تقليدية لم نغيرها منذ سنوات طوال.

وربما يساهم ذلك المشهد الذى شارك فيه سفراء ومراسلون وشخصيات تمثل منظمات دولية فى حل اللغز الروسى: لم يظل على موقفه من شرم الشيخ؟.

ولو صحت التكهنات فإن اللغز يمكن أن يحل فى فبراير القادم.

شكرا طارق عامر.

رسالة حملتها إليه من مستثمرى شرم الشيخ الذين يشعرون الآن بأن أفران المدينة عادت تنتج خبر الفرح من جديد.

ولو كان لغيرهم رأى آخر لن أتردد فى نشره.