الدكتور أسامة حمدي "خبير هارفارد" لـ"الفجر": علاج "السكر" ممكن لو تم اكتشافه خلال الـ5 سنوات الأولى

العدد الأسبوعي

الدكتور أسامة حمدي
الدكتور أسامة حمدي


مصر تحتاج لبرنامج وطنى للوقاية.. وكل جنيه تنفقه للتوعية يوفر 100 جنيه من تكلفة العلاج

خفض الوزن يحمى من الإصابة بنسبة 58%.. وقلة النوم والضغوط النفسية والعصبية تزيد من خطورة المرض

توصلنا فى أمريكا لبنكرياس اصطناعى نجربه على 150 مريضاً.. وتطبيق إلكترونى يراقب نسبة السكر وفر 60% أدوية وخفض تكلفة العلاج 44%


من بين كل 20 شخصاً تراهم فى الشارع أو العمل هناك واحد منهم على الأقل مريض بأحد أنواع مرض السكر، وسيعيش طيلة حياته فى معاناة وربما يموت إذا لم يتعامل بدقة مع المرض، إذ إن السكر يأتى بعد أمراض القلب والسرطان كسبب للوفاة.

ولا يمكن اعتبار الأمر يخص المريض فقط أو محيطه العائلى ولكن المرض يؤثر على الاقتصاد القومى لأى بلد خصوصاً مع ارتفاع عدد المصابين سنوياً، إذ تنفق الولايات المتحدة الأمريكية 327 مليار دولار سنوياً على مواطنيها المرضى بالسكر، ويزيد الإنفاق ٤٠٪‏ كل 5 سنوات وهو أمر دفع واشنطن إلى الإنفاق على الأبحاث لاكتشاف سبب الإصابة بالمرض وطرق جديدة للعلاج وأساليب للوقاية.

«الفجر» لجأت إلى الدكتور أسامة حمدى، أستاذ السكر بجامعة هارفارد، مدير مركز السمنة والسكر بمركز جوزلين بولاية بوسطن الأمريكية، لمعرفة كل ما يتعلق بهذا المرض الخطير وطرق علاجه وأحدثها وكيفية الوقاية منه، خصوصاً مع خطورة تأثيره على المواطنين فى مصر إذ أصبح واحد من كل 5 بالغين مصابا بالسكر و2 من كل 5 لديهم استعداد للإصابة.

حديث الدكتور أسامة حمدى، كان باعثاً على الأمل أيضاً لأن الأبحاث الحديثة التى شارك فيها وأشرف عليها بنفسه توصلت لمعرفة أفضل للمرض وطرق التعامل معه والوقاية منه ولكنه كشف حقائق مؤلمة تثير الرعب، منها أن مريض السكر يحمل الموت معه فى كل لحظة إذا لم يهتم بحالته إذ إن المرض يعادل خطورة الإصابة بجلطة فى القلب، كما أنه يأتى فى المرتبة الثالثة كمسبب للوفاة بعد أمراض القلب والسرطان.

حسب الدكتور أسامة حمدى، فإن مرض السكر ليس نوعاً واحداً ولكن ثلاثة، الأول سببه مناعى يصيب صغار السن وهو نادر إذ يصل المصابين به لـ٥٪‏ من إجمالى عدد المرضى، وعلاجه الوحيد حصول المريض يومياً على حقنة أنسولين وإلا أصيب بمضاعفات خطيرة تؤدى للوفاة، لأن خلايا البنكرياس لديه تكون مدمرة.

أما النوع الثانى وهو الشائع فيصيب الكبار خصوصاً الذين يعانون من السمنة أو البدانة خاصة فى منطقة البطن، إذ لم تكشف الأبحاث العملية بعد بشكل دقيق عن سبب الإصابة بين هذه الفئة ولكنها وجدت ارتباطاً بين زيادة نسبة الإصابة وزيادة الوزن وهؤلاء يموتون نتيجة إصابتهم بجلطات فى القلب والمخ بنسبة من 65 لـ80% خصوصاً مع العلاقة الوثيقة بين هذا النوع من السكر والإصابة بأمراض القلب.

الأمر الإيجابى الذى كشفه لنا الدكتور أسامة حمدى، أن الحالة الصحية للمصابين تتحسن جداً إذا قاموا بتخفيض الوزن وغيروا نمط الغذاء ومارسوا الرياضة بانتظام، مع تعاطى أدوية تخفض مستوى السكر فى الدم فى السنوات الأولى وحقن الأنسولين بعد سنوات أطول.

النوع الثالث شائع أيضاً ولكن فى السيدات أثناء فترة الحمل خاصة إذا كن يعانين من السمنة أو أن لدى عائلاتهم تاريخا مرضيا للإصابة، خطورة هذا النوع أن حياة الأم معرضة لخطر شديد أثناء الولادة إذا لم يتم علاجها باهتمام ودقة كما تزيد من احتمالية وفاة الجنين أو تضخم حجمه وصعوبة الولادة الطبيعية، وقد يزول المرض بعد الولادة لكن الإصابة به تعود ولكن فى صورة النوع الثانى بعد عدة سنوات إذا لم تقم المرأة بخفض وزنها.

يقول الدكتور أسامة حمدى إن معاناة المصاب بالسكر تزيد مع مضاعفات المرض مع طول فترة الإصابة بسبب عدم انتظام نسبة السكر فى دمه، فتتأثر شبكية العين ويضعف بصره وقد يفقده لذا ينصح المريض بالكشف السنوى على قاع العين.

أما المضاعفات الخطيرة فهى تدهور عمل الكلى إلى حد الإصابة بالفشل ما يتطلب غسيلا دوريا أو زراعة كلى، لذا يجب قياس نسبة الزلال الدقيق المعروف بـ»ميكروالبومين» فى البول مرة سنوياً على الأقل، وخفض ضغط الدم للمستوى الطبيعى. ومن المضاعفات الشائعة أيضاً إصابة المريض بالتهاب الأعصاب الطرفية خاصة فى الأقدام والذى قد يؤدى لفقدان الإحساس بالقدمين وإصابتها بقرح ما يتطلب البتر أحياناً.

ومرضى النوع الثانى أكثر عرضة للإصابة بأمراض الشرايين كشرايين القلب والدماغ والأطراف، وتزيد نسبة وخطورة الإصابة بين المدخنين ومرضى ارتفاع الضغط وارتفاع الكوليسترول لذا يجب خفض هذه النسب للمستوى الطبيعى مع الامتناع التام عن التدخين.

يشعر الدكتور أسامة حمدى، بالأسف الشديد خصوصاً أن الإحصائيات تضع مصر فى المركز الثامن بين دول العالم فى عدد المرضى المصابين بالسكر، إذ تصل نسبة البالغين المصابين لـ5.15%، ومن المتوقع زيادتها لـ8.18% خلال الـ10 سنوات المقبلة، بسبب زيادة نسبة السمنة خاصة بين النساء والتى وصلت حالياً لـ47% منهم، بسبب العادات الغذائية السيئة.

الأرقام مع الدكتور أسامة تتحول لكابوس إذ يقول إن هناك فى مصر حوالى 2.8 مليون مصاب بالسكر، و2.3 مليون آخرين لم يعرفوا بعد أنهم مرضى، أى أن إجمالى المصابين 5.1 مليون ولو استمر معدل الزيادة فمن المؤكد أن مصر ستواجه كارثة صحية واقتصادية لأنها هؤلاء سيكونون عبئا على أنفسهم وأسرهم وعلى الاقتصاد الوطنى، لأن المرض يؤثر على كفاءتهم فى العمل ويجبر الحكومة على زيادة الإنفاق علاجهم بدلاً من الإنفاق على المشروعات والخدمات وإذا كانت دولة بحجم الولايات المتحدة الأمريكية تعانى بسبب الـ327 مليار دولار التى تنفقها سنوياً فماذا ستفعل دولة مثل مصر.

ويرى الدكتور أسامة حمدى، أستاذ السكر بجامعة هارفارد، مدير مركز السمنة والسكر بمركز جوزلين بولاية بوسطن الأمريكية، أن المعرفة بمرض السكر والتعامل معه تطورت بنسبة كبيرة من خلال أبحاث المركز، رغم عدم الوصول إلى سبب الإصابة بشكل محدد، إذ توصلت الأبحاث إلى طريقة لتقليل خطورة المرض بمتابعة نسبة السكر فى الدم يومياً بالتحليل قبل وبعد الوجبات وقبل النوم، من خلال تطبيق إلكترونى على الهاتف، بجانب قياس معدل تخزين السكر أو «A1C» مرة كل 3 أشهر والحفاظ على هذه النسبة أقل من ٧٪‏ باستمرار، وكذلك قياس نسبة الكوليسترول الضار كل ٦ شهور وفحص نسبة الزلال فى البول ووظائف الكلى والكبد وفحص قاع العين سنوياً.

كما أدت الأبحاث التى أجراها مدير مركز جوزلين الأمريكى إلى الوصول إلى أن تحسين نوعية الغذاء أمر فى صالح المريض جداً، لذا ينصح المريض بشدة بخفض نسبة النشويات فى طعامه، من خلال تقليل حجم الوجبات للنصف وتناول الخضروات بجميع أنواعها والفواكه بنسبة معتدلة، بجانب الفول والبقوليات والخضار المطبوخ ومنتجات الألبان والبيض والشاى والقهوة بدون سكر أما الأسماك والدجاج واللحوم الحمراء بدون دهن فيكفى مرتين أسبوعياً على الأكثر، مع الابتعاد تماماً عن تناول المشروبات الغازية التى تحتوى على السكر.

وينصح الدكتور أسامة حمدى، بناءً على نتائج أبحاثه والمركز، المريض بجانب تغيير مكونات الغذاء بممارسة الرياضة يومياً لمدة 30 دقيقة على الأقل بواقع ١٠ دقائق على 3 مرات، ورفع الأثقال لأن مريض السكر يفقد نحو نصف كيلوجرام من العضلات سنوياً.

السؤال الذى كان يجب طرحه على هذا النوع النادر من الخبراء فى هذا المرض اللعين، هو هل هناك إمكانية للوقاية منه، وكانت الإجابة تدعو لليأس أحياناً والأمل كثيراً، إذ قال الدكتور أسامة حمدى، إنه لم يتم اكتشاف كيفية الوقاية من النوع الذى تسببه المناعة، وإن كان المركز الذى يديره يعمل على العديد من الأمصال ولكنها فى مرحلة البحث، أما النوع الثانى المرتبط بالبدانة فتوصل هو ومجموعة كبيرة من الباحثين بأمريكا إلى أن أفضل وقاية من مرض السكر هى خفض الوزن الذى يقلل من فرصة الإصابة بنسبة ٥٨٪‏، وهو ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تطبق البرنامج الوطنى للوقاية مِن السكر على جميع مواطنيها.

كما بدأ المركز بتجربة تركيب بنكرياس صناعى على 150 من المرضى بالنوع المناعى يخضعون بالفعل لبرنامج تأهيلى.

أما فى النوع الثانى من مرض السكر والذى يحتاج لتغيير نمط الحياة والغذاء وممارسة الرياضة فتم ابتكار برنامج متكامل يعتمد على الذكاء الاصطناعى يستخدمه المريض عن طريق الهاتف يوجه ويرشد الشخص طوال الْيَوْم مع مدرب صحى ويسمى «لماذا الانتظار»، وحقق البرنامج نجاحاً مذهلاً إذ أدى لخفض كمية أدوية السكر بنسبة ٥٠-٦٠٪‏ وخفض تكلفة العلاج سنويًا بنسبة ٤٤٪‏، وهو متاح حاليًا لجميع المرضى الأمريكيين.

ينصح الدكتور أسامة حمدى وزارة الصحة فى مصر بتأسيس برنامج قومى للوقاية من السكر والتشخيص المبكر وإنشاء سجل كامل لجميع المرضى لتقديم الخدمة الطبية المناسبة لهم، خصوصاً أن أطباء السكر على أعلى مستوى من المهارة، إذ أن كل جنيه تنفقه الدولة للوقاية من المرض يوفر أكثر من 100 جنيه ستنفقها على علاج مضاعفات السكر فى المستقبل مثل الفشل الكلوى وفقدان الإبصار وساعات العمل المهدرة.

وينصح الدكتور أسامة حمدى أيضاً بالتوعية من خطورة المرض والعادات الغذائية السيئة عبر وسائل الإعلام، وبحظر أنواع عديدة من المبيدات الحشرية التى تم اكتشاف ارتباطها الوثيق بزيادة نسبة الإصابة.

وتأتى أهمية نصائح مدير مركز السمنة والسكر بمركز جوزلين الأمريكى إلى أنه يمكن علاج المرض إذا تم اكتشاف الإصابة به ولكن خلال السنوات الـ5 الأولى، وفى حال حصول المريض بعد هذه المدة على الرعاية المناسبة يمكن تقليل مضاعفاته ومشاكله والجرعات المطلوبة إذا تم معرفة الأسلوب الصحيح للعلاج.

لا يرث الشخص مرض السكر مباشرة، ولكن مجموعة من الچينات عندما تنشط تجعل الجسم يقاوم الأنسولين الذى يفرزه البنكرياس، فعندما يصل عمر الشخص لـ٢٠-٣٠ سنة يزيد وزنه ١ أو ٢ كيلو جرام لأن الجسم يميل لتخزين الطاقة بنسبة أكثر من حرقها، ولكن هذا الوزن البسيط قد يكون كافياً للإصابة بالمرض إذا كان الشخص يحمل الجينات المسببة له إذ يحتاج الجسم إلى السكر الذى يأتى من النشويات ما يتطلب كمية أكبر من الأنسولين الذى يفرزه البنكرياس حتى يمكن للجسم الاستفادة من السكر.

وإذا كان البنكرياس لايزال سليماً فإنه يفرز كمية أكبر من الأنسولين ليلبى حاجة الجسم لمزيد من الطاقة، ولكن الجينات ستجعل الجسم يقاوم الأنسولين وهو بالمناسبة هرمون نمو، وإذا زاد إفرازه سيسبب زيادة جديدة فى الوزن ليدخل المريض فى دائرة مغلقة حيث يزيد وزنه أكثر فيحتاج مزيدا من السكر ويفرز البنكرياس أنسولين أكثر يقاومها الجسم بدرجة أكبر بإفراز مزيد من الهرمون فيزيد الوزن وهكذا وتتحول الـ1 و2 كيلوجرام لـ10و٢٠ كيلوجراما حسب قدرة البنكرياس السليم على زيادة الإفراز.

وعند مرحلة ما يتوقف البنكرياس عن الاستجابة لنسبة الإفراز المطلوبة فيترفع مستوى السكر فى الدم ويتوقف الجسم عن الاستفادة من الأنسولين فيرتفع مستوى الأنسولين بالدم أيضاً وفى هذه الحالة يشعر الشخص بالإرهاق والتعب والجوع والرغبة فى أكل مزيد من النشويات والسكريات وينزل السكر الزائد إلى البول.

وفى المراحل الأولى للمرض لا ينتفع المريض بتعاطى الأنسولين لأن الجسم لا يزال ينتج كمية كبيرة منه.

اكتشف الدكتور أسامة حمدى من خلال أبحاثه التى أجراها فى أمريكا أن خفض الوزن بنسبة 7 % يحسن من حساسية الجسم للأنسولين بنسبة 57 % وهى نسبة كافية لوضع المريض على طريق الشفاء خصوصاً إذا تم اكتشاف الإصابة خلال الـ5 سنوات الأولى ويعتبر هذا الاكتشاف طفرة فى فهم الأطباء للمرض وكيفية التعامل معه وربما شفاءه.

أما أفضل علاج للسكر فهو الميتفورمن أو كما يسمى فى مصر جلوكوفاج أو سيدوفاج، وهو الوحيد الذى يحسن حساسية الجسم للأنسولين بنسبة 31 % لكنه لايغنى عن خفض الوزن.

وترتبط السمنة بشكل وثيق بمرض السكر خاصة عند الأشخاص الذين لديهم مصابين بين أقاربهم من الدرجة الأولى مثل الوالدين والأشقاء والأعمام والأخوال، واكتشف الدكتور أسامة حمدى من خلال أبحاثه فى مركز جوزلين بجامعة هارفرد أن الزيادة فى محيط الخصر عن ١٠٢ سنتيمترا فى الرجال و٩٠ سنتيمتر فى النساء يزيد من احتمالية الإصابة بالسكر وأمراض القلب لأن الدهن الداخلى فى منطقة البطن قاتل إذ يعمل كغدة صماء ويفرز هرمونات ومواد تؤدى لالتهاب مزمن فى الجسم بالكامل، كما توجد علاقة قوية بين هذه الدهون ومرض السكر من النوع الثانى وأمراض شرايين القلب، كما أن هذا الدهن يتجمع بالكبد ويزيد من مقاومته للأنسولين.

وينصح الدكتور أسامة بالنوم 7 ساعات يومياً لأن قلة النوع تزيد مقاومة الجسم للأنسولين، وينصح أيضاً بالابتعاد عن الضغط النفسى والعصبى قدر الإمكان لأنهما يسببان زيادة بنسبة السكر وارتفاع ضغط الدم وهما يؤديان لزيادة الوزن، بجانب الامتناع نهائياً عن التدخين لأنه يزيد جداً من إصابة المريض بجلطات القلب والمخ.