داعش يسرق "ذئب لندن" من القاعدة

العدد الأسبوعي

الإرهابي عثمان خان
الإرهابي عثمان خان


عثمان خان تلميذ العولقى حاول تفجير بورصة لندن فى 2010.. و«أعماق» الداعشية سارعت إلى تبنى الهجوم

هجوم "جسر لندن" يحذر من خطر 74 إرهابيًا يتمتعون بالإفراج المشروط فى بريطانيا

فى محاولة لخطف الأضواء من جديد، وإثبات أنه لا يزال على قيد الحياة، قادراً على تهديد دول الغرب وإنهاكها، بعناصره وذئابه المنفردة، وبهجمات دعا إليها زعيمه أبو بكر البغدادى، قبل مقتله، وبعد سقوط «دولة الخلافة» المزعومة، سارع تنظيم داعش عبر وكالته الرسمية «أعماق» لتبنى هجوم جسر لندن، هذا الأسبوع، والذى حظى بتغطية إعلامية واسعة، ونفذه بريطانى تعود أصول عائلته إلى كشمير الخاضعة للسيطرة الباكستانية، ويدعى عثمان خان 28 عاماً.

وقام خان بطعن رجل وامرأة حتى الموت داخل قاعة فشيمونجرز التاريخية شمال جسر لندن، كما أصاب رجلاً وامرأتين آخرين، قبل أن يتوجه إلى خارج القاعة، لاستئناف هجومه على الجسر حيث تصدى له عدد من المارة وطرحوه أرضاً، قبل أن يلقى مصرعه بعد ذلك برصاص الشرطة البريطانية.

ليتضح بعد ذلك أن منفذ الهجوم سجين سابق، على ذمة اتهامات بالإرهاب منذ عام 2012، وأنه يخضع لضوابط الإفراج المشروط قيد المراقبة، بسوار تتبع إلكترونى، منذ العام الماضى، وقبل ذلك فعثمان خان هو تلميذ سابق أيضاً لأنور العولقى، أخطر القيادات الحركية لتنظيم القاعدة وذراعه «تنظيم القاعدة فى شبه جزيرة العرب» ومؤسس مجلة «إنسباير»، و«الأب الروحى» أيضاً لاستراتيجية الذئاب المنفردة، بعد أن أطلق دعوته الأخطر، فى مقاله الشهير «كيف تصنع قنبلة فى مطبخ أمك؟!»، بالاعتماد على الإمكانيات المتاحة فى تنفيذ هجوم إرهابى فردى، بما فيها الطعن والدهس بالسيارات وصناعة المتفجرات وغيرها، وعدم التقيد بضرورة الاتصال المباشر مع التنظيم، ووصول الدعم المباشر منه، وهى الاستراتيجية التى استلهمها داعش بعد ذلك وطورها ونشرها على نطاق واسع، على لسان «أبو محمد العدنانى» المتحدث السابق باسم التنظيم.

وقد تأثر خان بالدعاية الإلكترونية للعولقى الذى لقى مصرعه بضربة أمريكية بطائرة بدون طيار استهدفته عام 2011، ليصبح أحد أفراد خلية إرهابية خططت فى 2010 لزرع متفجرات فى دورات المياه فى بورصة لندن، ومهاجمة معالم بريطانية أخرى، وشخصيات بارزة مثل بوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا الحالى، وعمدة لندن آنذاك.

أيضاً، امتلكت الخلية التى اتخذت مدينة ستوك الإنجليزية مركزاً لها، علاقات وثيقة مع المتشددين فى لندن وعاصمة ويلز كارديف، وتبنت مخططاً لاستهداف الحانات المحلية، كما أراد عثمان خان تأسيس مدرسة فى كشمير، حيث تعود أصوله العائلية، لتدريب جيل جديد من المسلحين البريطانيين على القتال، سواء فى كشمير أو فى بريطانيا.

وبحسب وكالة رويترز فقد قال القاضى البريطانى، ألان ويلكى، عندما أصدر الحكم على خان وخليته الإرهابية فى عام 2012: «تعد مجموعة ستوك مجموعة بارزة، وأعضاؤها يعدّون أنفسهم جهاديين أكثر جدية من الآخرين» وأنهم «خططوا لأن يعودوا فى نهاية المطاف، وغيرهم من المجندين، إلى المملكة المتحدة على أنهم إرهابيون مدربون وذوو خبرة قادرون على القيام بهجمات إرهابية فى هذا البلد».

و صدر الحكم على عثمان خان عام 2012، بالسجن عدد غير محدد من السنوات بحد أدنى 8 أعوام، ثم تغير فى الاستئناف عام 2013، إلى 16 عاماً، أمضى خان نصفها داخل السجن، ثم أفرج عنه فى 2018، شريطة وضع حلقة إلكترونية بقدمه لمراقبة تحركاته، ضمن برنامج أمنى سمح لـ 74 آخرين مدانين بالإرهاب من الاستفادة بالإفراج المبكر.

ثم حصل خان من الشرطة البريطانية على تصريح يمكنه من السفر إلى لندن، بحيث لا يصدر سوار التتبع إنذاراً. وقالت الشرطة البريطانية إن خان كان ملتزماً بكل الشروط المرتبطة بإطلاق سراحه، إلى أن حدثت المفاجأة بتنفيذه الهجوم الدامى، الذى راح ضحيته أولاً جاك ميريت عضو معهد كامبريدج لعلوم الجريمة، ومنسق برنامج «التعلّم سوياً» الهادف إلى التقريب بين العالم الأكاديمى وعالم السجون، حيث كان عثمان خان مدعواً لمحاضرة الجمعة لتأهيل السجناء تحت رعاية البرنامج الذى تنظمه كامبريدج.

لكن، ومع ظهور المعلومات بشأن العلاقة السابقة بين خان وفكر القاعدة وقائده البارز أنور العولقى، لم يعد إعلان داعش عن تبنيه لهجوم لندن الأخير، وحده برهاناً كافياً للقطع بنسبة العملية للتنظيم، الذى أصبح فى أمس الحاجة إلى هجمات من هذا النوع، تحفظ له مكانه على خريطة الإرهاب الدولى، بوصفه مصدر ازعاج لا يستهان به فى هجمات الغرب، خاصة مع عدم وجود دليل حتى الآن يثبت تحول عثمان خان، منفذ الهجوم، إلى الانتماء لتنظيم داعش، أو مبايعته له، كما هو الحال فى عمليات سابقة.

فأصبح الهجوم، أقرب فى نسبته إلى تنظيم القاعدة، الذى لا يزال ينظر إليه الكثيرون بوصفه التهديد الإرهابى الأقوى والأكثر خطورة، خاصة مع صدور تقرير عن الأمم المتحدة، قبل بضعة أشهر، قالت فيه إن التنظيم استغل انشغال العالم خلال الفترة الماضية بالحرب على داعش لإعادة ترتيب أوراقه الداخلية وتقوية فروعه.

لكن ذلك لا ينفى أن «الذئاب المنفردة» لداعش، ستظل أحد الأسلحة المحورية التى يراهن عليها التنظيم فعلياً، فى طوره الجديد، الذى ودع فيه مرحلة «التمكين» بسقوط «دولة الخلافة»، ليعود من جديد مرة أخرى، إلى مربع حرب العصابات فى مناطق التوحش، فى سوريا والعراق وغيرها، بالتوازى مع حرب «النكاية والإنهاك» بالعمليات ضد دول الغرب، وذلك وفقاً لما نص عليه، كتاب «إدارة التوحش»، الدستور الحركى للتنظيم، والذى سبق وأن وضعته القاعدة، قبل سنوات، بتوقيع أبو بكر ناجى، ثم اعتمده داعش بعد ذلك. وهو أيضاً سيناريو يتشابه إلى حد بعيد مع استراتجية تنظيم القاعدة بعد ضرب قيادته المركزية، بالحرب على أفغانستان 2001، ثم مقتل مؤسسها أسامة بن لادن.