بطولات نسائية فى المصانع الحربية

العدد الأسبوعي

من المصانع الحربية
من المصانع الحربية


نساء مصنعى 300 و144 شاركن فى إنتاج المدفعية وصنع أجهزة الاتصالات العسكرية راندا

صاحبة المواصفات القياسية للعدادات الكهربائية فى إفريقيا

لم تقم الحضارة المصرية على أكتاف الرجال فقط، فالمرأة المصرية لعبت أدوارًا مهمة على طول التاريخ، ووضعت بصمتها المميزة فوق كل نجاح حققه هذا البلد فى شتى المجالات، وصولا إلى مشاركتها فى صناعة المعدات الحربية. وتمتد جذور تلك الصناعة فى مصر إلى عصور تاريخية موغلة فى القدم، وهذا ما أكدته نقوش البرديات الفرعونية ورسوم المعابد الأثرية، إذ سجلت إنتاج الفراعنة لمعدات القتال الدفاعية والهجومية، من عربات حربية، وغيرها.

ليس ذلك فحسب، بل كان المصرى القديم أول من استخدم السهام والأقواس، والسيوف المصنوعة من الصلب، والدروع الواقية فى معاركه الحربية، وسجل أحداثها على جدران المعابد المنتشرة على طول وادى النيل.

وبمجرد نشوب الحرب العالمية الثانية، بدأ التفكير فى إنشاء نواة للإنتاج الحربى فى مصر، فى ظل ما قد يتبع ذلك من حصار عسكرى واقتصادى، يتعذر معه إمداد قواتنا المسلحة بما يلزمها من أسلحة وذخائر، ما جعل إنشاء قاعدة للصناعات الحربية بالبلاد أمرًا ضروريًا.

وسريعًا، توالى تدشين وتشغيل معظم المصانع الحربية، وازدهرت تلك الصناعة، وتمكنت من تلبية مطالب القوات المسلحة، ما استلزم زيادة الطاقات وتعدد الأنشطة، ما بين صناعة الطائرات والصواريخ والمعدات العسكرية الثقيلة، وكذا المركبات ذات الاستخدامات العسكرية.

وطوال الرحلة، كان للمرأة المصرية نصيب من تلك الإنجازات الشاقة، فى الصناعات الحربية والمدنية على حد سواء، وخلال هذا التقرير، ترصد «الفجر» عدداً من النماذج المشرفة، لسيدات يعملن فى المصانع الحربية، بقطاعات مختلفة، والبداية من مصنع «45» الحربى للصناعات الهندسية، والذى تعمل به أكثر من 700 سيدة وفتاة.

«لأنها شغلانة عاوزة صبر ودقة وإتقان»، بتلك الكلمات كشفت المهندسة راندا رزق، مديرة مصنع العدادات الالكترونية بمصنع «45» الحربى، عن سبب وجود عدد كبير من السيدات بالمصنع، موضحة أن المصنع طاقته 300 عامل، منهم 200 سيدة وفتاة.

وتابعت: السيدات أثبتن كفاءتهن فى التعامل مع الالكترونيات الحديثة والتكنولوجيا المعقدة، والمصنع ينتج ما يزيد على 750 ألف عداد فى العام الواحد، لتلبية احتياجات السوق المصرية.

وعن عملها بوزارة الإنتاج الحربى، قالت المهندسة راندا: التحقت للعمل بالوزارة منذ 32 عاماً، من خلال مسابقة للتعيين، واتيحت لى بعد تعيينى فرصة إكمال دراساتى العليا، وبالفعل حصلت على درجة الماجستير فى الهندسة الالكترونية.

مديرة مصنع العدادات الالكترونية بمصنع «45» الحربى أضافت: رشحتنى الوزارة للسفر خلال فترة عملى لأكثر من دولة، لتبادل الخبرات، منها سويسرا وألمانيا واليونان وجنوب إفريقيا، كما تم ترشيحى لأكون عضو لجنة إقليمية لوضع المواصفات القياسية للعددات الكهربائية على مستوى إفريقيا بالكامل، تمهيداً لتصدير «الإنتاج الحربى» لآلاف العدادات الذكية لدول أفريقيا، التى ترغب فى خوض التجربة المصرية بـ«العدادات الالكترونية»، خاصة بعد نجاحها الهائل. 

وعلى صفيح ساخن وآلات تعمل بالحديد والنار، قالت هناء سعد، ذات الخمسين عاماً، إنها عملت طوال 33 عاماً بقطاع الجودة لإنتاج المسامير الصلبة، التى تستخدم فى السكك الحديدية، مؤكدة أنه عمل شاق، يتطلب منها العمل على آلات تصب الصلب المنصهر ليتشكل المنتج النهائى، وسط درجات حرارة تتجاوز 70 درجة مئوية.

ولم تخف «هناء» فخرها بالعمل فى ذلك القطاع، الذى كان دائماً خاصا بالرجال، ورغم صعوبته وخطورته إلا أنها دائما تفخر بكونها سيدة، تعمل داخل مصنع حربى، وفى قطاع لا يدخله إلا الرجال الأشداء، ممن يتحملون التعامل مع درجات الحرارة العالية، علاوة على خطر التعامل مع الصلب المسلح.

ورغم أن مهنة الخراطة ظلت خاصة بالرجال على مر العصور، إلا أن وزارة الإنتاج الحربى كسرت تلك القاعدة، بتعيين المهندسة هند صلاح، كمديرة لمصنع الأجزاء المعدنية النحاسية، التى تدخل فى العديد من المنتجات الحربية والمدنية.

وأكدت صلاح لـ«الفجر» أن وزارة الإنتاج الحربى تولى اهتماماً كبيراً بالسيدات، وتعتبرها قوة رئيسية فى العمل لايستهان بها، فى كافة القطاعات الحربية والمدنية، وأكبر دليل على ذلك أن الدكتور محمد العصار، وزير الإنتاج الحربى، سمح بسفرها هى وخمس سيدات أخريات لروسيا، للحصول على دورة تدريبية، فى إطار تبادل الخبرات، واستطعن التفوق على نظرائهن من الأجانب خلال تلك الدورة.

وتتيح وزارة الإنتاج الحربى الفرصة للعديد من السيدات، للحصول على درجات الماجستير والدكتوراه خلال العام، ممن تنطبق عليهن الشروط، وتضع العديد منهن وخصوصا الكوادر النسائية الشابة، فى مناصب إدارية عليا، منها رؤساء مصانع بالعديد من الشركات والقطاعات التابعة للوزارة.

ويعتبر مصنع ١٤٤ الحربى «بنها للإلكترونيات» شركة رائدة فى مجال الصناعات الإلكترونية، وتمتلك مجموعة من المصانع المزودة بأحدث الأجهزة والمعدات، ويعمل بها نخبة من الكوادر النسائية الفنية ذات الخبرة والكفاءة العالية، فى خطوط إنتاج وتجميع المعدات العسكرية الخاصة بالاتصالات، كجهاز الاتصال اللاسلكى وأجهزة الميكرويف طراز « R» العسكرى، فضلا عن أنظمة المراقبة المختلفة.

وخلال الشهور القليلة الماضية، تم نقل عدد من الكوادر النسائية المدربة على أعلى مستوى من الكفاءة، لمصنع «300» الحربى «شركة أبوزعبل للصناعات الهندسية»، وهي  إحدى شركات الهيئة القومية للإنتاج الحربى، والتى تختص بتلبية احتياجات القوات المسلحة من الأسلحة بمختلف أنواعها.

وتشارك السيدات العاملات فى المصنع فى إنتاج وتصنيع وتجميع المدافع بأنواعها (مدفعية الميدان والهاوترزات)، بالإضافة إلى كافة المنتجات الحربية (كبارى وقطع غيار) بأعلى جودة ممكنة، ضمن منظومة الإنتاج الحربى، كركيزة أساسية داعمة لقواتنا المسلحة، وتساهم بدور فعال فى الصناعات المدنية الثقيلة، مشاركة منها فى المشروعات القومية.