د. نصار عبدالله يكتب: عن جمعية الحمير المصرية

مقالات الرأي



رغم أن الحمار هو من أكثر الحيوانات نفعا لأبناء الريف بوجه عام، ورغم أن الحمارالمصرى بوجه خاص شديد النفع للفلاح كواحد من حيوانات الحقل الأساسية، بل إنه شديد النفع للمواطن المصرى فى الريف عموما، سواء كان ذلك المواطن يعمل بالزراعة أم لا، إذ أنه الوسيلة الوحيدة للنقل وللمواصلات فى الطرق الزراعية الضيقة، رغم ذلك كله فهو من أقل الحيوانات عرفانا بجمائله التى لا تحصى على بنى الإنسان، حتى إن وصف شخص ما بأنه حمار يأتى فى معرض التعبير عن الضيق بما يتسم به ذلك الإنسان من الغباوة المفترضة من جانب المتكلم، وعندما أقول المفترضة، فذلك راجع إلى أن الحمار ليس حيوانا غبيا على الإطلاق بل إنه فى الحقيقة أكثر ذكاء من كثير من الحيوانات التى اشتهرت بدون وجه حق بأنها ذكية كالثعالب مثلا فقد اشتهر الثعلب بالذكاء والدهاء لمجرد أن الغريزة ألهمته أن يصنع لجحره مدخلاً يدخل منه ومخرجا آخر يهرب منه بينما الحيوان الذى يهاجمه واقف ينتظر عند المدخل، كما ألهمته الغريزة كذلك أن يتظاهر بالموت وأن يفرز رائحة كريهة إذا ما اقترب منه حيوان مفترس وتعذر عليه الولوج إلى جحره لكن هاتين الحيلتين كلتيهما لا تنفيان أن الثعلب هو حيوان ذو ذكاء محدود إذا ما قورن بذكاء الحمار الذى يتذكر تلافيف الدروب والحارات فى القرى وكثيرا ما يقوم منفردا بتوصيل حمولات معينة من بعض المحاصيل من الحقل إلى البيت بمجرد وضعها على ظهره، ثم يعود مرة إلى الحقل لكى يقوم بتوصيلها وهكذا فإن الحمار يوظف ذكاءه لخدمة الإنسان على خلاف الثعلب الذى يوظف ذكاءه لخدمة نفسه فحسب، لهذا السبب فقدتأسست فى فرنسا فى عام 1911 جمعية للتعبير عن امتنان البشر للحمير، أطلق عليها «جمعية الحمير»، وكانت فرنسا بذلك من أولى دول العالم اعترافا بفضل الحمير.. وأما فى العالم العربى فقد كانت البداية فى مصر إذ تأسست جمعية بهذا الاسم عام 1932، وقد أسسها الممثل زكى طليمات، ثم ضمت عددا من المشاهير من أبرزهم : عباس العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم، والممثلة نادية لطفى، وسيف وانلى، وسيد بدير، وشكرى راغب أول مدير فى دار الأوبرا المصرية، ومن أشهر من تولوا رئاسة تلك الجمعية الدكتور محمود محفوظ وزير الصحة الأسبق، وطبقا لما نشرته صحيفة الشعب المصرية فى 18أغسطس 1987 فقد تجاوز عدد أعضاء جمعية الحمير المصرية فى ذلك التاريخ ثلاثين ألف عضو. حيث كان رئيسها آنذاك هو المرسى خفاجى الذى وصل إلى اللقب الحميرى (حامل الحدوة ) ولم ينل هذا الدرجة فى مصر معه إلا المؤسس زكى طليمات وشكرى راغب، ثم نالته بعد ذلك نادية لطفى، وكان خفاجى يقول: يكفى الحمار فخراً أن يكون شعاراً للحزب الوطنى الديمقراطى الأمريكى، الجدير بالذكر أن كل الشخصيات المنضمة لجمعية الحمير المصرية كانوا فى الأصل من المنتسبين للجمعية الماسونية المصرية التى ألغيت رسمياً فى عام 1963، ورغم إلغاء الماسونية فى مصر إلا أن جمعية الحمير المصرية ظلت باقية، ذلك أنه وإن كان لإلغاء الماسونية ما يبرره من المنظور السياسى بعد أن أحاطت بها شبهات معينة، إلا أن هذا لا يستتع بالضرورة إلغاء كل الأنشطة الحميدة التى كانت تنطوى عليها الجمعيات الماسونية، وهكذا بقيت جمعية الحمير وبقيت الألقاب التى يحصل عليها أعضاؤها ففى بداية انضمام العضو للجمعية يكون بدرجة (حرحور) ثم يترقى إلى درجة (جحش) ثم إلى درجة (حمار) أو حامل البردعة أما أعلى الدرجات فهى حامل الحدوة التى لم يحصل عليها فى تاريخ الجمعية إلا القليلون ولم يحصل عليه إلا ثلاثة فقط حسب ما نشرته جريدة الشعب فى عددها سالف الذكر، أما الترقية من درجة إلى درجة فى جمعية الحمير فإنها تتم بحسب التفانى فى خدمة أهداف الجمعية، والدعاية لها، وإقناع أعضاء جدد بالانضمام إليها، ودرجة المساهمة فى المشاريع الخيرية التى تقوم بها الجمعية دون انتظار جزاء أوشكر ـ اقتداء فى ذلك بالكائن الوديع الخدوم الذى تحمل الجمعية اسمه والذى يقدم للإنسان ما يقدمه من الخدمات ثم لا يلقى منه بعد ذلك سوى الجحود ونكران الجميل.