مدير عام قصر المنيل يكتب: 150عامًا قراءة في مشهد الافتتاح 17 نوفمبر 1869م

مقالات الرأي

 ولاء الدين بدوي
ولاء الدين بدوي مدير عام قصر الأمير محمد علي بالمنيل


في 17 نوفمبر 1869م تم افتتاح قناة السويس حيث جرى التقاء مياه البحرين الأبيض والأحمر عند مدينة الإسماعيلية بعد عمل دام عشر سنوات، وأنشئت مدينة باسم الخديوي "الإسماعيلية" عند نقطة العمل والتقاء البحرين.. وكذلك أنشئت مدينة بورسعيد على شاطئ البحر الأبيض المتوسط.

كان الخديو إسماعيل يريدها فرصة كي يطلع ملوك وأباطرة وأمراء أوروبا على ما أسماه بالنهضة التي شملت مصر في عهده، وقد أبحر الخديو إسماعيل إلى أوروبا مع وزير خارجيتة نوبار باشا خصيصًا لتوجيه دعوة حضور حفل الافتتاح إلى كبار شخصيات العالم من الملوك والرؤساء والأمراء ورجال العلم والأداب والسياسة والصحافة وعظماء مصر والسودان؛ كما استحضر الخديو 500 طاه وخادم من فرنسا وإيطاليا علاوة على الطهاة والخدم من المصريين والأتراك الذين كانوا فى خدمته.

وأرسلت الصحف الأجنبية مراسلين لها لتغطية أنباء الاحتفال وبدأ المدعوون بالحضور إلى الإسكندرية منذ يوم 15 أكتوبر 1869م وأعدت لهم رحلات إلى الوجه القبلي في النيل في السفن التي أعدت وجهزت لهذا الغرض وذلك قبل بدء المهرجان الرسمي للافتتاح؛ وأنفق أسماعيل عن بذخ وإسراف لا مثيل له فى الافتتاح.

وفى يوم 16 نوفمبر 1869م اكتمل عقد المدعوين جميعا وانتشر المصريون من جنود واهالى على ضفتى القناة بخيامهم وادواتهم لمشاهدة هذ المهرجان العظيم؛وفى الساعة الثانية بعد ظهر هذا اليوم رأست الامبراطورة اوجينى الحفلة الدينية.

وحضرها جميع المدعوين بينما كانت الموسيقى تصدح والمدافع تدوى ايذانا بأبتداء الحفلة؛وقد قام شيخ الاسلام الشيخ "ابراهيم السقا "ودعا الله بأن يختص هذا العمل العظيم بمثابته ورعايته وان يهيئ له نجاحا دائما وقام بعده رئيس القساوسة وتلا الصلاة وبارك هذا العمل العظيم ثم القى المونسينور "بلرو"مندوب البابا وواعظ نابليون كلمة بليغة شكر فيها جهود اسماعيل فى اتصال القارتين، وفى المساء مدت الموائد للمدعوين وسطعت الانوار فى كل جانب وعزفت الموسيقى الى ساعة متأخرة من الليل.

وفى يوم 17 نوفمبر 1869م اليوم المحدد لفتح القناة تحرك الركب من بورسعيد لدخول القناة وقد قسم الى خمس قوافل فى مقدمته هذا الركب يخت الامبراطورة اوجينى وكان بجوارها "دي لسيبس"وورائها باقى اليخوت والاساطيل وبواخر نقل المدعوين –بينما الرجال على الشاطئ يهتفون والنساء يزغردن حتى وصلوا إلى الإسماعيلية وفيها استقبلهم الخديو فى قصره الفخم الذى بناه من اجل هذه المناسبة. وايضا مضى الركب الى الشاطئ الاسيوى حيث ذهبت الامبراطورة الى عيون موسى وكذلك حرصت على تفقد المكان الذى نزل فيه "بونابرت"فى السويس عند حضورة اليها لدراسة امكان شق القناة اثناء حملته على مصر.

وقد أقيم فى حفل الافتتاح ببورسعيد ثلاث منصات؛خصصت الكبرى للملوك والأمراء وكبار المدعوين والثانية لرجال الدين الإسلامي والثالثة لرجال الإكليروس.

وفي صباح يوم 18 نوفمبر 1869م أمتطت الإمبراطورة أوچيني جوادًا؛ وبعد الظهر أعدت عربات نزهة للجميع، بينما كان العربان يقومون بألعاب الفروسية الجميلة، وفي المساء أقيمت سهرة راقصة أعقبها مقصف حوى أطيب المأكولات وأفخر المشروبات في كرم منقطع النظير ويكفي دليلًا على مبلغ الإسراف أن نعرف نفقات الحفلات قد بلغت على اصح تقدير"،
1،400،000جنية "ولا توجد حكومة رشيدة تكلف خزانتها هذا المبلغ فى ذلك الزمان "وهذا ما أدى إلى إفلاس البلاد فيما بعد، وبالرغم من ذلك انهالت التهانى على "دي لسبس" غداة افتتاح القناة تنسب له فضل هذا المشروع العظيم.

وفى صباح 19 نوفمبر 1869م تقدم يخت الامبراطورة أوچيني تليه اليخوت الاخرى والاساطيل الى مدينة السويس فوصلوا اليها فى صباح يوم20 نوفمبر بعد ان امضوا الليلة على سطح البحيرات المره يشاهدون الالعاب النارية ولما وصلوا الى البحر الاحمر دوت المدافع ايذانا بأنتهاء المهرجان وقد بلغ من كرم وبذخ اسماعيل عند انتهاء المهرجان انه رجا من يريد الاقامة من ضيوفة فى مصر ان ينزل فى ضيافته الى وقت شاء.

وقضت الإمبراطورة يومين فى السويس وضواحيها لتستمتع بمعالمها ثم رجعت إلى بورسعيد ومنها أبحرت إلى الإسكندرية لمشاهدة ما فيها من جمال وتجولت أيضا فى بعض مدن الوجه البحري وقد رجعت إلى القاهرة حيث أنشأ لها الخديو اسماعيل قصر الجزيرة>

وقد بلغ عدد من نزلوا بمدينة الاسماعيلية اثناء حفلات القناة يومى 17- 18 نوفمبر 1869م على اقل تقدير 100،000 نفس من الاجانب والمصريين وكانت المدينة تموج بزائريها كالبحر الزاخر وكان من اصعب الامور على الضيوف والسواح الاجانب العثور على سرير للنوم بفنادق ومنازل المدينة لانها كانت مشغولة بالنازلين بها ولكن الخديو قد فكر فى هذه الصعوبات فأمر بأقامة الخيام على ضفاف الترعة الحلوة ونصب الاسرة لمبيت الضيوف والزائرين " ولعل هذه الظاهرة تفسر اسباب خروج اهالى الاسماعيلية للمبيت فى الحدائق خلال احتفالات شم النسيم من كل عام..وهى الظاهرة التى تنفرد بها الاسماعيلية عن كل مدن القناة".