د. رشا سمير تكتب: اختلاف الرأى يفسد للود ألف قضية!

مقالات الرأي



قالوا قديما إن اختلاف الرأى لا يُفسد للود قضية.. واليوم باتت تلك المقولة مجرد وهم كبير لا علاقة له بالواقع..بعد أن تحول الأمر إلى أن اختلاف الرأى أفسد أُسرا وأضاع أوطانا وحول المجتمع إلى ساحة قتال دائمة..

لقد تعلمنا منذ الصغر، أن نستمع أولا ونستمع جيدا ثم نختلف بأدب، دون إساءة ولا تقليل من شأن المتكلم، ثم مات هذا الدرس على أعتاب الأجيال الجديدة..أجيال الفيسبوك والتويتر..وللأسف مات أيضا على أعتاب التغيرات التى طرأت على المجتمع المصرى بل والمجتمعات العربية بأسرها..

أنت مُهاجم إذن أنت الأقوى..أنت صاحب الصوت الأعلى إذن أنت الفائز فى المعركة..

هذا الدرس أصبحنا نلقنه لأبنائنا بكل أسف، ومن هنا انتقلت الآفة من جيل إلى جيل، حتى أصبحت المعركة التى نعيشها كل يوم على مواقع التواصل الاجتماعى هى معركة التراشق بالكلمات والألفاظ الخارجة بل والخارجة جدا كلما اختلفنا فى أمر ما!.

هذا هو ما حدث عقب عرض فيلم الممر على شاشة التليفزيون فى احتفالات 6 أكتوبر..انقسمت الآراء بين مؤيد بشدة ومعارض بشدة، وتحول كل من له صفحة على التويتر إلى ناقد سينمائى!

ببساطة الفيلم من وجهة نظرى مهم من حيث توقيت العرض، فهو رسالة إلى أجيال فقدت الانتماء، وشباب لا يعرفون الفرق بين حرب أكتوبر وحرب الاستنزاف، لأنهم لا يقرأون التاريخ ولا حيلة إلا أن يرونه متحركا على الشاشة..السيناريو ليس الأفضل بالقطع وربما كان اختيار أحمد عز ليس هو الأنسب لأشياء تتعلق بدرجة قبوله عن المشاهد، إلا أنه فى المقابل قام أحمد فراج وإياد نصار وأسماء أبو اليزيد بأدوار تقطر إبداعا وتمكنا، وبرع شريف عرفة فى الإخراج كعادته، فاستحقوا تصفيق الجمهور..لم تكن أيضا فكرة إظهار المراسل الصحفى بهذا الشكل الهزلى والضعف فكرة صائبة لأنها خلقت حالة من التذمر لدى قطاع عريض من الصحفيين، بالأخص لأن تاريخ المراسلين الصحفيين يضم كوكبة من الأسماء الكبيرة مثل أستاذنا جمال الغيطانى رحمه الله، والأساتذة صلاح قبضايا وفاروق الشاذلى وغيرهم.. أنا هنا لست بصدد نقد الفيلم، لكنى بصدد نقد أخلاقيات ما بعد الفيلم..لماذا تحول الاختلاف فى الرأى إلى هذه الحرب الغوغائية؟

إن مأساة المجتمع المصرى باتت مأساة انعدام الأخلاق والاحترام وعدم القدرة على الوصول إلى فكرة اختلاف الرأى الذى لا يفسد للود قضية، فالذين كتبوا على صفحاتهم الخاصة يشيدون بالفيلم دون أن يروا فيه عيبا واحدا تصوروا أنهم أشد وطنية من غيرهم، ووصفوا الذين انتقدوه بأنهم أعداء الوطن وكارهين للجيش! وهذا بالقطع ليس صحيحا..

ومن كتبوا يهاجمون الفيلم فى المطلق دون النظر إلى معناه وتوقيته، وصفوا من صفقوا له بأنهم مدلسون ومطبلاتية ومنتفعون! وهذا فى المطلق ليس صحيحا..

إننا فى حاجة إلى التريث قليلا وإلى الكف عن هذا التراشق الحاد على مواقع التواصل الاجتماعى، فى حاجة إلى أن نفسح مساحة رأى لأصحاب العقول حتى يكونوا فنارا ينير الطريق لمن لا يملكون قدرا من التعقل..

هناك طريقة تتبع فى الجامعات الأجنبية وهى طريقة عمل ما يسمى بالمناظرة أو Debate، حيث يتم تقسيم الطلبة إلى مجموعتين، بعد أن يُطرح عليهم موضوع محدد للنقاش، فيتحاورون ويتوصلون إلى حلول بأسلوب علمى محدد دون هجوم ضار، تلك الطريقة هى التى يتدرب عليها الطلبة منذ الصغر ليتعلمونا كيف يعبرون عن أنفسهم وكيف يتقبلون الآخر..

أراه شيئاً مهماً يجب أن يكون موجودا ضمن المناهج الدراسية بدلا من الحشو المسترسل.

أعود مرة أخرى إلى فكرة الأخلاق..فالمجتمعات التى تخلت عن أخلاقها هى مجتمعات فشلت فى الارتقاء، والأجيال القادمة أصبحت تتبجح وتتطاول تحت مسمى الحريات!..

تقبل الآخر مشكلة كبيرة فى مجتمعنا المصرى، وهى صورة بكل أسف تم تصديرها مؤخرا من الإعلام المصرى الذى بات يحجر على آراء الآخرين ولا يسمع سوى صدى صوته..حتى الاختلاف بات صوته عاليا مزعجا من خلال مُقدمى البرامج.

أصبحت القضية هى رأيا واحدا ولا وجود لرأى آخر وسياسة التخوين التى تملأ مواقع التواصل الاجتماعى أخذتنا إلى هاوية وحالة مؤسفة.. كيف لوطن أن ينهض ومواطنوه فى حالة تخوين وعراك دائم، حتى لو كان الاختلاف مجرد فيلم!

الاختلاف يجب ألا يفسد للود قضية، والاستماع بهدوء قد يمنحنا الفرصة لمراجعة آرائنا..

آن أوان أن تكون تلك المادة هى مشروع قومى لاحتواء التراشق ورأب الصدع.. فدعونا نحاول من جديد.