30 مصنعا يحتكرون صناعة الأسمدة بإجمالى 33 مليار جنيه

العدد الأسبوعي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


السوق السوداء تحرم 5 محافظات منها.. والزراعة تتهم الشركات الخاصة بعدم الالتزام بالتسليم فى الموعد


يعانى المزارعون فى مختلف محافظات الجمهورية من مشاكل عدة، ما يعيق المنظومة الزراعية بأكملها، ويؤثر بالطبع على جودة المنتج الزراعى المقدم للمواطن.

ولا يتعلق ذلك بالمشاكل التقليدية المرتبطة بالأيدى العاملة والمياه وقلة التقاوى وجودتها فقط، بل امتد أيضا ليطول الأسمدة، حيث عانى المزارعون من نقص حاد فى الأسمدة المقدمة من الجمعية الزراعية، وتمثل الأسمدة 30% من إجمالى قيم نجاح المشروعات الزراعية.

وتحصل وزارة الزراعة على 50% من إنتاج مصانع الأسمدة فى مصر، لتوزعها على الفلاحين بأسعار مدعمة، من خلال نظام «الحيازة الزراعية»، وذلك النظام أتاح للعديد التلاعب فى الكميات المقرر صرفها للفلاحين، لذا لا تتوفر الأسمدة فى عدد كبير من الجمعيات الزراعية بمحافظات: قنا والدقهلية وأسيوط والقليوبية وسوهاج. والكميات المتلاعب بها عادة ما تتم سرقتها وبيعها فى السوق السوداء.

وضبطت مباحث التموين 100 قضية بيع أسمدة زراعية مدعمة فى شهر واحد، كانت إحداها فى كفر الشيخ، وتمكنت هناك من ضبط 3 أطنان أسمدة فى السوق، علاوة على ضبط 20 طنا أخرى فى الفيوم مهربة من المنصورة إلى بنى سويف، لبيعها هناك، وخلال الشهر الماضى تم ضبط 16 طنًا فى المنيا و680 شيكارة فى الدقهلية.

وللتأكد من وجود الأسمدة فى المحافظات، تواصلت «الفجر» مع عدد من المزارعين، حيث قال أحمد عوض، مزارع بالبحيرة، إن الأسمدة تنقص داخل عدد من المديريات الزراعية بالمحافظة، وخاصة مديرية كفر داوود التابع لها، ما يجعله يلجأ إلى الشراء من السوق السوداء، بزيادة تقدر بـ160 جنيهًا على الأقل للشكارة الواحدة، ما يشكل خسارة كبيرة له كفلاح.

وأشار عوض، أن عبوات الأسمدة الخاصة بوزارة الزراعة تباع فى الأسواق بزيادة 120 جنيهًا، ومن أهمها اليوريا والنترات، والتى تنفد من الجمعيات الزراعية عقب ثانى يوم توزيع، مشيرا إلى أن التجار يستغلون الأزمة لرفع الأسعار وإدخال أسمدة غير مرخصة إلى السوق.

وفى قنا، تقدم النائب سعيد دويك بطلب إحاطة فى البرلمان، لنقص الأسمدة الزراعية فى جمعيات المحافظة، وأكد أن المشكلة موسمية، تواجه قنا كل موسم، ما يدفع المزارعين إلى السوق السوداء بالإضافة إلى هجرة الزراعة إلى مهن أخرى.

وقال اللواء مختار فكار، نقيب مزارعى القصب فى محافظة قنا، إن عددًا من المزارعين تسلموا 60% من حصتهم المثبتة على الحيازة للمحاصيل الصيفية أو القصب، ومنهم من حصل على 45% فقط، وهذا حال غالبية المزارعين فى محافظة قنا.

وطالب محمود أبو على، مزارع بالدقهلية، الحكومة بسرعة توفير سماد الموسم الشتوى فى الجمعيات وعدم تأخره ومحاولة ضبط السارقين، مشيرا إلى أن الموسم الصيفى هذا العام شارف على الانتهاء وهناك قلق كبير لدى المزارعين من عدم تسلم حصصهم الشتوية، ويبقى عليهم سماع كلمة من موظف الجمعية: «استنى يومين على ما تيجى الصرفية».

سرقة الأسمدة

وأكدت وزارة الزراعة فى بيان لها، أن الأسمدة توزع بشكل طبيعى، ومنظومة «كارت الفلاح» ستضبط الأسواق وعمليات السرقة وتضمن وصول الأسمدة المدعمة إلى مستحقيها بشكل قانونى، خاصة أن مصر تُنتج 21 مليون طن أسمدة أزوتية سنوياً و2 مليون طن من الأسمدة الفوسفاتية و400 ألف طن سماد بوتاسى، بما يغطى كافة الاحتياجات المحلية ويحقق الاكتفاء الذاتى للسوق المحلى ويفيض للتصدير، وتصل عدد الأسمدة فى مصر إلى 30 مصنعًا تتحكم فى سوق الأسمدة الحكومى والخاص.

وكشف لنا حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين، عن بداية طريق تهريب الأسمدة الزراعية خارج جمعيات وزارة الزراعة، إذ تتم بطريقتين لتغطية الجريمة ورقيا، الأولى سرقة سماد ورثة صاحب الحيازة، بالتعنت فى الصرف، ومن ثم تسوية الأمر فور تهريبه. وهناك ما يتم سرقته فى توزيع الحصص بواسطة موظفين يتواطئون مع السائقين، حيث تسلم اﻷسمدة المدعمة للوزارة بقيمة 3000 جنيه للطن، و5100 جنيه للطن «أرض مصنع».

وأشار أبو صدام، أن تلك العمليات تحقق مكاسب كبيرة، فمثلا سماد اليوريا يباع فى الجمعية بـ180 جنيهًا، ونفس الشيكارة يصل سعرها خارج الجمعية إلى 350 جنيها، أى يحقق ربح يزيد على 100%، لذا، فإن منظومة توزيع الأسمدة تحتاج إعادة هيكلة شاملة، بداية من المصنع حتى المزارع.

واتفق حسين عرمة، نقيب الفلاحين فى الدقهلية، مع ما قاله سابقه، مؤكدا أن عملية السرقة الشائعة هى حصص موتى الحيازة الزراعية، التى تسرق من حقوق ورثتهم، ونقص الأسمدة يكثر عادة فى المناطق البعيدة عن التفتيش، كالصعيد، مؤكدا أن أسعار الأطنان فى السوق السوداء تتجاوز الـ10 آلاف جنيه.

وبحسب الأرقام التى قالها نقيب الفلاحين، بإمكاننا حساب حجم التداول لـ30 مصنع متحكم فى الأسمدة، تحقق المصانع مبيعات فى السوق المصرى 55%، تبيعهم الزراعة بمتوسط 720 مليون جنيه، ومن السوق السوداء فى الموسم الشتوى 20 مليار جنيه، والصيفى 13 مليار جنيه، ولم تتوافق آراء نقيب الفلاحين أو وزارة الزراعة حول منظومة كارت الفلاح مع المزارعين الذين تضرروا من قرار الوزارة برفع أسعار الأسمدة 30%، حيث لديهم تخوفات منها.

وعلى الهامش، خضنا مغامرة لمعرفة السوق السوداء للأسمدة الزراعية، بعدما دلنا أحد أكبر تجارها فى منطقة باب الخلق فى القاهرة، أن محال العاصمة تخضع للمراقبة وحملات التموين، لذلك من الصعب التعامل فى أسمدة الوزارة، ولكن تجدها بكثرة فى المحافظات وخاصة القرى والنجوع، ومن إحدى قرى مركز ميت غمر محافظة الدقهلية حصلنا على ما نريده.

«بسأل على طن نترات ويوريا بتوع الوزارة علشان سعرهم رخيص»، بتلك الصيغة سألنا محلات بيع الأسمدة فى القرية، حتى وجدنا مرادنا، ولكن بتوفير نصف الكمية فقط، وبسعر 300 جنيه لشيكارة اليوريا، ولنقلهم سيغلفهم البائع بشكائر أخرى للواجهة، مع تغطية السيارة، كى لا تضح معالم الشكائر، وتطوع: «عاوز تسيب توصيله علينا هيقف عليك الطن 5800 جنيه هنوصله على مرحلتين».

وأجاب عند سؤاله عن طريقة الحصول عليها: «أنا ليا سككى جوا الجمعية الزراعية، وبنعرف نجيب حاجتنا بس بتبقى حسب الطلبية»، مشيرا أن جميع الأسمدة لديه ويستطيع أن يجلبها لنا عن طريق التوصيل حتى المزرعة مقابل مصاريف زيادة، كما كشف عن باقى تجار السوق السوداء فى مصر: «الشغل ده مش هتلاقيه غير هنا وفى أبو كبير بمحافظة الشرقية».

واتهم الدكتور عز الدين أبو ستيت، وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، شركات الأسمدة بعدم تسليمها الكميات المطلوبة فى المواعيد المحددة، ما أدى إلى تقصير الوزارة فى التوزيع على السوق، وأن التعاونيات الزراعية والبنك الزراعى المصرى، لا يقومون بتسليم القوائم الكاملة ﻻحتياجات المزارعين من اﻷسمدة، لوجود كميات لدى التعاونيات فى المخازن، فيتسلمون 70% من الكميات ويتركوا للمصنع نسبة 30%.

ولفت إلى أن الشركة التى لا تسلم كامل الكميات المطلوبة، يتم منعها من التصدير، كما أن مصانع اﻷسمدة تشكو لوزير الزراعة، سلبية التعاونيات فى تسلم كامل الكميات المتفق عليها، خاصة أن مصانع اﻷسمدة تحصل المحروقات اللازمة للتشغيل بسعر يتراوح من 4.5 إلى 7 دولارات، بمتوسط نحو 5 دولارات خلال العام.