"بنات الأصول رزق".. حكاية 3 طالبات يتحملنّ مشقة بيع المشغولات اليدوية بدهب في "الويك إند"

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


تبارت أميرة مع رفِيقتيها، كعادتها كل يوم جمعة، من سيصلن إلى الممشى السياحي في قلب مدينة دهب مُبكرًا؛ لبدء رحلتهن في بيع ونسيج مشغولاتهن اليدوية اللاتي يتفنن بها في العطلة المدرسية الأسبوعية، لمُعاونة والديهن في تحمل تكاليف الحياة "كل مرة بوصل الأول وأبدء أشتغل قبلهم.. لكن بستناهم ونخلص كلنا سوى"، تقولها الفتاة الرَشوف بابتسامة خجولة تخفي حياة ملؤها العناء والتحدي.







عانت صاحبة الـ(12 عامًا) تباريح الحياة، في عمر مُبكر، لاسيما عقب سفر والدها للعمل في القاهرة، وزواج شقيتقها الأكبر، الذي كان سببًا في خروجها لبيع بضاعة والدتها في السادسة من عمرها، حتى تمكنت مع الأيام من نسج العديد من المشغولات مختلفة الأشكال والألوان، لكنها تميزت في صنع "العقد المُدبب"، خاصة بعد توافد الأجانب عليه "كان بيطلب مني مخصوص.. وكنت بسهر طول الليل في الإجازة أعمل أكتر من 30 عقد"، وبرغم أن العقد كان يستغرق من ساعة إلى ساعتين عمل، إلا أنها كانت تنجز المزيد، بالإضافة للأساور الأخرى و"الحظاظات"، التي كانت تطلب منها من بعض الزائرين العرب للمدينة الساحرة بمحافظة جنوب سيناء، منها رسم أعلام الوطن العربي، ولا تستغرق سوى خمسة عشر دقيقة. 







دهدهت الفتاة ذات البشرة السمراء بضاعتها-التي تلمع تحت وهج شمس الضحى-، أمام المارين على الأسواق التجارية والأماكن الترفيهية، يُقبِل البعض على الشراء، وآخرون يلَثم جبهتها، داعمين عملها بعبارات تشجعية، تناديها صديقتها هنا التي تماثلها في العمر، بلُثغة في حرف الراء "أميرة يلا تعالي". يبدأن الفتيات الثلاثة في صنع المشغولات، ليتبادلن كلٌّ منهن البيع من وقت لأخر حسب الحركة في الممشى- الذي يضم بعض الفنادق الصغيرة والكافيتريات والمنازل، ويعد بمثابة الروح النابضة في قلب مدينة دهب-، عازمين على سَمَلَ المعيشة "اتولدنا لاقينا أهالينا دي شغلتهم ومفيش رزق غيره.. علشان كده يوم الجمعة والسبت بننزل الصبح بدري نسوق شغلنا مع صناعة أساور جديدة .. أما يوم الخميس بالليل بنخلص كل واجباتنا المدرسية ومراجعة دروسنا"، تقولها رفيقتهن التي تتوسطهن ويدها تحول الخيوط الملونة-التي تعتمد عليها في صناعتها- إلى أشكال مُبهجة "الحرفة لها ناسها". 








سجا الفتيات الثلاث، على الجلوس أمام الحوانيت التي تُوفر كل ما يحتاجه السائح، بدءاً من الملابس البدوية إلى الهدايا والأنتيكات والمشغولات الفنية والتحف، ليتخذن منها مقرًا لمشروعهن الصغير، ومع انتعاش الحركة، يتبادلن على بيع منتجاتهن. من حين لأخر تهاتف والدة أميرة نجلتها "لازم تطمن عليه.. وتشوف لو محتاجة شغل تبعتهولي"، مع شقيقتها الصغرى التي تتوافد عليها لمساعدتها في بيع سلعتهم على الشاطىء المقابل للمليل، برغم من أنها تثَبطها عن عملها؛ لمتابعتها طيلة الوقت، خاصة عندما تسمع لجّة صوتها، "تفضل تتمرجح وتلعب مع السياح.. وبخاف يحصل معها حاجة"، تمازحها صديقتها أماني التي تعاني من ضعف في بصرها منذ عامًا، ولكنها لم تكترث له، إلا عندما يغلبها الوسن "بسند على كتف هنا وغمض عيوني شوية.. وبرجع أكمل تاني".








تستمر هنا في عملها، لم تعبأ بضجيج الساحة المكتظة بالحركة، وأحاديث صديقتيها،  فأشقائها الصغار على موعد معها في المنزل؛ لمراجعة دروسهم "صعب ياخدوا دروس خصوصية.. وأمي أمية وبما إني البنت الكبيرة فده واجبهم عليا"، خاصة أن والدها يعمل عامل نظافة في إحدى الفنادق السياحية بالمدينة، ولا يأتي لهم إلا مرة واحدة أسبوعيًا "بيشتغل شيفتين"، بينما لم توانٍ أميرة لمشقة اليوم، فتحرص دائمًا على الاستمتاع بإجازتها الأسبوعية، وسط البحر "بحب البحر والمراجيح.. علشان كده بعد ما أخلص يومي بعمل مشاوير البيت وألبس هدوم نظيفة وأروح اتمرجح، والعب مع أختي وبعض من أصحابي بالمدرسة اللي بيتفسحوا في إجازتهم".







وودعت أماني-الطالبة في الصف الأول الإعدادي- الصديقتان، بصوت خفيض "نتقابل بكرة بالمدرسة"، تنهي عبارتها مع مُناداة شقيقها الأكبر، لتبدء رحلة تسوق لوالدتها؛ لضيق وقتها فهي تساعد والدها في إحدى الحوانيت بالمنطقة ولا تستطع تلبية طلباتهم "لازم اشتري حاجتنا من السوق بدري.. وأروح قبل ما ماما ترجع علشان تجهز الأكل وما تاخدش وقت".