جيهان منصور تكتب: الاعلام في الميزان ١

مقالات الرأي

بوابة الفجر


في غفلة من الزمن وبعد أن كانت مصر هوليوود الشرق الأوسط في الثقافة والفن والميديا، أصبحنا حينما نجلس مع أحد الإخوة العرب يتندرون بإعلام مصر الذي اصبح- الا من رحم ربي- نكتة ماسخة.


الشاشات فقدت مصداقيتها، تشابهت البرامج بين الطبيخ والستات على كل المحطات، لا مجال للابداع والابتكار، خريطة برامج الجميع واحدة، (صباحي، طبيخ، ديني، ستات، توك شو بيانات الحكومة!) هل يعقل ان من يكتب خريطة البرامج شخص واحد؟ اذن لماذا كل هذه القنوات اذا كان المحتوى واحد؟ ولا اقصد هنا اغلاق القنوات وتسريح العاملين القلة القليلة المتبقية بعد المذابح التي حدثت على مدار العامين الماضيين في مدينة الانتاج الاعلامي، لكن اقصد شوية ابداع واختلاف على الشاشات يا سادة.


الاصل في نسب المشاهده هو الانفراد والابداع وليس التطابق والسطحية، وجود النجم "اللوجو" على اي شاشة له معنى ومغزى، القنوات الكبرى في العالم يعمل بها ابناؤها وتتمسك بهم لعشرات السنوات لانهم "لوجو" للقناة، والجمهور تعود عليهم مثل: وولف بليتزر ولاري كينج واوبرا وينفري وكريستينا امانبور وتشارلي روز وغيرهم، وليس من المفيد لنسب المشاهده ان تكون الشاشات كحلة الفشار كل يومين مذيع "يطرقع" ويخرج خارج القناة بدون اسباب، ووجوه غير معروفه وغير مدربة تدخل لتحل محل من لهم خبرة في برامج تحتاج للحنكة والمعرفة! واذا سألت ليه بتعملوا كده، الجواب معروف عشان نوفر فلوس، طيب هو بقى حد بيتفرج اصلا؟ هو ليه برامج زي (زا ڤويس، ارابز جوت تالينت) عندهم نسب مشاهده عالية؟ لأن الانتاج ضخم والمحتوى جيد وهناك نجوم صف أول يقدمون تلك البرامج وهناك "فكرة" عبقرية هي التنافس بين متسابقين من بلدان عربية تفرض على المشاهد جو من الاثارة والحماسة بجانب المتعة والتسلية، طبعا هذه البرامج "فورمات" اجنبية اصلا موجوده بكل اللغات.


تحكم الاعلان في الاعلام له ضوابط معروفه، ولا تستطيع ان تملأ الشاشات اعلانات بوجود محتوى ضعيف متشابه كشوربة الخضار التي تقدم للمريض في مستشفى! الاعلان هو فكرة، والفكرة يلزمها برنامج له بصمة، ولا يستطيع اي برنامج عمل بصمة في جو من الاحتباس الحراري الموجود حاليا في الاسكريبت والفقرات والضيوف وحتى الاغاني والفواصل!


هناك مجالات كثيرة تستطيع ان تفرضها على الناس الا الاعلام! فالمواطن مضطر يتحمل المواصلات العامة مثلا وارتفاع الاسعار وسوء المستشفيات والمدارس الحكومية، لكنه غير مضطر ابداً لتحمل شربة الخروع التي تقدم لهم على الشاشة في تليفزيون بيته، ببساطة لأن لديه ريموت كونترول به قنوات عدة وهو غير مرغم على مشاهدة سيل البرامج التي يقدمها فنانون ليستضيفوا اصدقائهم الفنانين!


الاعلام لا يتعاطاه المشاهدون بالملعقة مرغمين كالدواء المر، الاعلام يفرض نفسه بالمصداقية والمهنية والموضوعية، بالمحتوى الجيد، بالانتاج المتوازن، بوجود فرق اعداد عالية الجودة لكل برنامج وليس كل البرامج بفريق اعداد ورئيس تحرير واحد، بالانفراد والابداع والتفكير خارج الصندوق، بمذيعين لهم كاريزما وقبول ومصداقية لدى الشارع، بتنافس بين فرق الاخراج والتصوير والمونتاج على تقديم اجمل صورة وابداع المنتج النهائي المتفرد الغير متشابه مع باقي البرامج.


اعطوا العيش لخبازه ياساده، لدينا اعلاميون كثرٌ يمتلكون امكانيات وكفاءات دولية ويستطيعون تقديم اعلام وطني مهني شعبوي، ولا تعارض ابدا بين وجود اهداف كالحفاظ على الدولة والامن والامان والاستقرار، وبين ان نقدم اعلاما شعبويا يلمس المواطن و يكون نبض الشعب، هناك شعرة دائما بين الغاية والوسيلة، فقد تكون الغاية سامية لكن الوسيلة رخيصة فلا تؤدي لتحقيق الغاية بل بالعكس تدمر الغاية، والاعلام الشعبوي مطلوب جدا في هذه المرحلة الدقيقة من عمر الوطن، فنحن لا نعيش في سويسرا ولا نحن ايضا في الصومال! لاتتركوا المشاهد المصري لليوتيوب وقنوات قطر وتركيا، ارجوكم لا تقطعوا شعرة معاوية المتبقية للمصريين في اعلام بلدهم... الموضوعية والمهنية هما الحل....لسه الأماني ممكنة..