استغاثات الرعب بين ضباط إسرائيل فى "6 أكتوبر"

العدد الأسبوعي

عبور خط بارليف
عبور خط بارليف


تسجيل صوتى ينشر للمرة الأولى

ضابط اتصال بأحد حصون «بارليف»: "أرسلوا لنا الطائرات.. المصريون يحاصرونا.. سنموت"


لا يعرف الرعب إلا من واجهه، ولا يعرف قيمة الجندى المصرى وقوته إلا من نازله فى قتال، ولذا تعتبر شهادة أفى يافيه أحد الجنود الإسرائيليين عن حرب أكتوبر أحد الكتب المهمة الصادرة فى إسرائيل بمناسبة الذكرى الـ46 للهزيمة المذلة التى نقلتها الدولة العبرية والذى سجل أجواء الرعب التى عاشها وزملاؤه خلال معارك 6 أكتوبر ومن خلال تسجيلات الاتصالات الجارية بين الضباط خلال المعارك.

أفى يافيه، 79 عاماً، كان جندياً احتياطاً بكتيبة 68، وسمع من خلال عمله الاتصالات المتبادلة بين الجنود والضباط خلال المعارك وقرر نشر تفاصيلها بعد تفريغها، فى كتاب بعنوان «برج الحمام»، وقال فى مقدمته: «كثير من الناس لا يعرفون المعنى الحقيقى للرعب وهو أن تعرف بعد قليل أنك ستموت، وهو ما سمعته عبر جهاز اللاسلكى ومنها خلال سقوط موقع «حزيون» وغيره من المواقع والحصون الموجودة بخط بارليف والتى قتل فيها المصريون الجنود أثناء اقتحامها وكان من الواضح أن الأمر سيحدث لمن يسمع الاستغاثات الإسرائيلية أيضاً بعد ساعة أو ساعتين ولذا كنت أفكر وقتئذ كيف سأبدو وأنا جثة.

اسم «برج الحمام» كعنوان للكتاب، جاء لأنها كانت العبارة الكودية للإعلان عن بدء الحرب، وعرض أفى تفريغ تسجيلات صوتية تكشف الحالة النفسية المتدهورة للجنود الإسرائيليين أثناء معارك أكتوبر وعجز القادة الإسرائيلين عن إنقاذه وزملائه أثناء القتال وحالة الفوضى التى سادت الجبهة، وقطع القادة الإسرائيليون للاتصال والإمدادات عن الحصون التى حاصرها المصريون.

وقبل تفريغ الشرائط النادرة، وكتابة المواد المسجلة حصل المؤلف أولاً على إذن من الرقابة العسكرية فى إسرائيل وتلقى خطاباً من رئيس الأركان أفيف كوخفى بموافقته على النشر.

وقال أفى فى الفصل الأول من كتاب، فى الساعة الثانية من ظهر السبت 6 أكتوبر، سمعت صوت ماكس ميمان ضابط اتصال حصن «حزيون»، أحد الحصون الـ14 المنتشرة على ضفة قناة السويس وهو يصرخ بصوت مرعوب: «أرسلوا طائرات لقصف دبابات المصريين جنوب محور الطريق دمروهم.. ودمروهم.. حول.. هنا 24»، ورد عليه ضابط اتصال من القيادة الداخلية بصوت هادئ: «اصبر دقائق والطائرات ستصلك بعد قليل وستدمر جميع الدبابات.. حول»، فرد ماكس: «من فضلك 24.. انتبه.. إنهم يدخلون علينا عبر المدخل احتاج لإطلاق قذائف مدفعية موجهة نحو البوابة.. لتأمينه.. الآن الرصاص فوق رأسى.. أرسلوا التعزيزات الآن.. وإلا سنموت.. نحن محاصرون من كل مكان.. حول». ورد ضابط الاتصال: «هنا 24.. فوراً ستأتيك قذائف المدفعية والطائرات»، فرد ماكس ميمان مرة أخرى: «لا استطيع رفع رأسى لأرى ماذا يحدث.. أرسلوا الطائرات بسرعة.. حول»، وعاد ضابط الاتصال ليقول: «هنا 24.. اصبروا.. اجلسوا داخل الدُشم الحصينة.. وسلاح الجوى سيبدأ الهجوم بعد قليل»، ولكن الطائرات لم تصل ولكن جهاز الاتصالات سجل الوعود الكاذبة، وسقوط الحصون ثم موت ماكس ميمان نفسه الذى كانت أخر كلماته: «المصريون يقتلونا.. واحداً تلو الأخر أنا على وشك الموت.. إنهم يحرقوننا.. لقد قمتم بخيانتنا سينتقم الله منكم».

أفى قال خلال لقاء صحفى بمناسبة صدور الكتاب: «القادة تعهدوا لنا بمساندة جوية ومدفعية لكن لم يحدث شيء وبقينا وحدنا.. وكانوا يتعاملون معنا وكأننا سنموت.. كانوا يكذبون علينا طوال الوقت».

وروى المؤلف أن سبب اصطحابه لجهاز تسجيل معه فى الوحدة العسكرية، بهدف الاستماع للموسيقى فى أوقات الفراغ، إذ لم يكن يتوقع نشوب الحرب ولكن فى 5 أكتوبر كانت الأجواء المحيطة به تعنى أنها واقعة لا محالة لذا اتصل بزوجته وقال لها: «هناك شىء جاد سيحدث»، وفى صباح اليوم التالى علم وزملاؤه أن مصر على وشك القيام بعملية عسكرية، فقرر وقتئذ إعداد جهاز التسجيل ليحتفظ بهذه اللحظات المخيفة.

وذكر الموقع العبرى «روش هاعين» الذى نشر تفاصيل الكتاب الجديد، أن جميع الأحداث التى ذكرها الكتاب حقيقية أسماء الأشخاص، الأماكن التواريخ، أصوات الجنود أنفسهم ودوى المعارك وطلقات المدافع، وصرخات الجنود عبر أجهزة اللاسلكى والذين قتلهم الجنود المصريون بعد ثوان.

وتضم تسجيلات أفى شهادات مجموعة من الجنود الإسرائيلين فور عودتهم من الأسر، وبعض الناجين من الحصار المصرى، كما تضم تسجيلاً نادراً يكشف سوء معاملة قادة الجيش الإسرائيلى لجنودهم إذ أن بعض الدبابات توجهت لنقل المصابين إلى المعسكرات لتلقى العلاج، ووقتها تم إنزال 5 من الجنود بالقوة من فوق الدبابة، وتركهم لمواجهة مصيرهم فى الصحراء، وصوتهم كان يائساً محبطاً بشكل كبير بعد التخلى عنهم، لأنهم تأكدوا أن مصيرهم هو الموت.